يعتبر المطبخ الفلسطينيّ من الأهم في العالم العربي كونه يشتهر بثلة من المأكولات الشعبية التراثية التي يتجاوز عمرها عمر النكبة، توراثتها الأجيال الفلسطينية وبقيت حاضرة حتى الآن على موائد الفلسطينيين ونقلوها معهم إلى مخيمات اللجوء ودول الشتات.
وحفاظاً على هذا الموروث الفلسطيني من الاندثار، أسست "جمعية ناشط" مركزاً متخصصاً بالمطبخ الفلسطيني، يحمل اسم "زوادتنا"، نسبة إلى زوّادة الطعام التي كان يأخذها الفلاح الفلسطيني إلى حقله في موسم الحصاد، وجني الزيتون والبرتقال.
هو مركز بسيط تفوح منه رائحة الحلويات الفلسطينية كـ "كعك القدس"، والمونة البيتية الطبيعية تتعاون مجموعة من النساء الفلسطينيات على تحضيرها وتقديمها في مختلف المعارض والندوات في لبنان، وكذلك بيعها في الأسواق.
فريق عمل "بوابة اللاجئين الفلسيطينيين" زار المركز في مدينة صيدا جنوبي لبنان، والتقى النساء العاملات داخله بشكل يومي، واللواتي تتراوح أعمارهن بين (18-40)عامًا.
تمكين اللاجئات اقتصادياً
وفي حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، تقول المسؤولة عن مشروع التعاونية الفلسطينية النسائية "زوادتنا"، وفاء عيسى: إن "فكرة زوادتنا نشأت من حاجة المجتمع الفلسطيني داخل المخيمات لمشاريع تنموية تصب في خانة خدمة النساء الفلسطينيات ومساعدتهم اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً".
54 % من اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة والمية ومية نساء يضطر جزء منهن للعمل في الخدمة المنزلية بسبب البطالة
وتضيف عيسى: "هذه الحاجة ولدت من رحم دراسة أجرتها جمعية ناشط عام 2014 لمخيمي عين الحلوة والمية ومية، توصلت عبر هذه الدراسة إلى أنّ 54% من المجتمع الفلسطيني هم نساء و46% هم نسبة الذكور، كما توصلت إلى نسبة عالية جدًا من البطالة، وأنّ النساء هن اللواتي تعملن في الأعمال المنزلية كأعمال النظافة والخدمات".
وتؤكد: "من هنا نشأت الحاجة إلى إقامة مشاريع تصب في خانة مساعدة المجتمع الفلسطيني تنموياً أي ليس مساعدته خدماتياً كإعطاء كرتونة مساعدات أو المال، لا بل إقامة مشاريع مستمرة مستدامة تساعد الأسر الفلسطينية بأن يعيلوا أنفسهم"
تتابع أن فكرة التعاونية النسائية الفلسطينية جاءت من هذا المنطلق، أي تدريب نساء فلسطينيات على كيفية صناعة المربيات والحلويات والطبق اليومي في المطبخ الفلسطيني ضمن معايير الصحة، ويكون هناك مقابل مادي لهذا المشروع.
وحول المونة البيتية من قبل نساء زوادتنا، توضح عيسى أن "هناك تدريبات أقيمت لها علاقة بالمربيات، قمنا بها بالتنسيق مع مؤسسات لبنانية لأنّهم درّبوا على شيء له علاقة بسلامة الغذاء وسلامة المنتج نفسه وكيفية بيعه في السوق ومحافظته على أمد الحياة خاصته بدون أن يتعرض للتلف".
تراث حاضر
أما عن إتقان المطبخ الفلسطيني، تقول: "تعاونا مع الداخل الفلسطيني عبر الاتصال مع مؤسسات أرسلت مدربين فلسطينيين إلى لبنان، مثلًا جاءت سيدة من رام الله درّبتنا على الأكلات الخاصة بمنطقة رام الله، ومن غزة جاؤوا أناس ودربونا على المأكولات الغزاوية".
وعن الطبق المميز لدى "زوادتنا" لفتت عيسى إلى أن "مركز زوادتنا يتميز بمنتج تقليدي فلسطيني يسمى بكعك القدس، تواصلنا من أجله مع فرّان من المقدس ولم يتمكن من مغادرة فلسطين وزيارة لبنان، فقام بتدريب النساء عبر تطبيق السكايب لمدة تقريباً بين 3 إلى 6 أشهر حول كيفية تحضير كعك القدس، واللافت في الأمر، أنه صودف وجود النساء في أحد المعارض مع وجود وفد فلسطيني من الداخل في نفس المكان، حينها قدمنا الكعك وتذوقوه وأخبرونا بأنّه فعلًا الطعم ذاته وهذا الأمر أسعدنا كثيراً".
الهوية الفلسطينية بدات تتماهى مع المجتمعات الحاضنة ويجب الحفاظ عليها
وتشير إلى أن "من أهداف زوادتنا هو إحياء التراث الفلسطيني وترسيخه في عقول الناس، وقد بدأت الهوية الفلسطينية تتماهى مع المجتمع اللبناني أي بدأت تذوب، وأغلب الناس لم تعد تعرف التراث الفلسطيني حتى الأكلات الفلسطينية لم تعد تعرفها، كلّ هذه الأمور جعلتنا نركّز على مشروع زوادتنا وعلى خصوصية المجتمع الفلسطيني من خلال تحضير الأطباق الفلسطينية كالقدرة الخليلية والمسخن ومعمول العيد الفلسطيني وغيرها من الأطباق الشهية".
مساعدة معنوية
من ناحيتها، تقول فايزة الخطيب، مسؤولة مطبخ "زوادتنا" إن "المشروع يساعد المرأة الفلسطينية كثيراً، وهي مساعدة معنوية أكثر من مادية، هذا المشروع يساعد المرأة الخروج من أجواء المخيم المليء بالمشاكل والعائلات والهموم والكبت الذي تعيشه، وهناك رد فعل إيجابي أيضاً بتعرف النساء على بعضهن البعض".
وتضيف: "هدفنا أن يكون المطبخ الفلسطيني أو الأكلات التراثية التي لا يعرفها أولادنا حاضرة في أي مناسبة دائماً، ونحن في المعارض التي نشاركبها، يكون منتجنا الفلسطيني موجوداً بالأخص كعك القدس والكنافة النابلسية والمسخن دائماً ما يكون متوفراً لدينا والزعتر الفلاحي الذي أحبه الكثير وعليه طلب بشكل كبير جداً، ولدينا الطبخات الفلسطينية كالقدرة الخليلية والتي لا يعرفها الكثير".
وختمت بالقول للمرأة الفلسطينية بأن "تعتمد على نفسها وألا تعتمد على الرجال فقد لا يكون الرجل موجوداً أحياناً، من الضروري أن تخرج المرأة إلى أجواء العمل كي توصل رسالة لأولادها بأنّه أنا أم وأخرج وأعمل لأجلكم فإذا كانت الأم تعمل هذا بحد ذاته تشجيعاً لأولادها بأن يسعوا في هذه الحياة من أجل عائلاتهم".
شاهد التقرير