72 عاماً بالتمام والكمال مرت على إحدى أسوأ فترات النكبة الفلسطينية وأفظعها من حيث المجازر الصهيونية والتهجير القسري للفلسطينيين.
ثلاثة أيام، بدأت في 28 من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1948، واستمرت حتى 30 من الشهر نفسه، حملت معها فظائع إنسانية وعمليات تطهير عرقي ممنهجة في قرى الدوايمة والصفصاف وترشيحا.
الدوايمة.. أفظع ما جرى خلال النكبة؟
يعتبر عدد من المؤرخين أن ما جرى في الدوايمة، الواقعة على بعد حوالي 25 كيلومتراً غرب مدينة الخليل، أسوأ ما حدث في تاريخ الأعمال الوحشية الصهيونية خلال النكبة، حتى إنه يفوق الفظائع التي جرت في دير ياسين خلال شهر نيسان/أبريل 1948.
عند ظهر يوم الجمعة، 28 تشرين الأول/أكتوبر 1948، هاجمت الكتيبة 89 التابعة للواء 8 في جيش الاحتلال، قرية الدوايمة، وارتكبت مجزرة استشهد فيها نحو 170 فلسطينياً، فيما خرج من بقي من أهل القرية قسراً.
وبحسب شهادة مختار قرية الدوايمة، حسن محمود هديب، فإن الاقتحام الصهيوني تم بعد نصف ساعة من صلاة الجمعة في ذلك اليوم، حيث كان المهاجمون مزودين بعربات مصفحة وأسلحة أوتوماتيكية ومدافع هاون، ودخلوا بطريق شبه دائري، وطوقوا القرية من ثلاث جهات، فيما أبقوا الجهة الشرقية مفتوحة لتهجير الأهالي.
ولجأ الإرهابيون المقتحون إلى إطلاق النار على أهالي القرية، دون تمييز بين مسن أو امرأة أو طفل، ما أدى إلى هرب كثيرين إلى الكهوف والمساجد.
لم تنته الأحداث هنا، فحينما عاد هديب إلى القرية في اليوم التالي، رأي مشهداً مروعاً؛ جثث متكومة في المسجد وأخرى متناثرة في الشوارع، لرجال وأطفال ونساء، بينها والد المختار، صاحب الشهادة.
مجزرة مروعة أخرى، تمت في كهف "عرق الزاغ"، الذي احتمت فيه نحو 10 عائلات من عشيرتي العوامرة والقيسية.
لحقت العصابات الصهيونية المدنيين العزل إلى الكهف، وأمروا جميع الرجال والنساء والأطفال المتواجدين فيه بالاصطفاف، وأطلقوا النار تجاههم بإعدام ميداني مروع، ما أدى إلى استشهاد 55 مدنياً، حتى إن مدخل الكهف كان مسدوداً بعشرات الجثث.
كلمات قليلة تلخص المشهد المرعب في الدوايمة خلال ذلك اليوم، على لسان جنود صهاينة، شاركوا في تلك الفظائع: "أطفال رضع حُطمت جماجمهم، ونساء اغتُصبن أو أُحرقن أحياء داخل بيوتهن ورجال طُعنوا حتى الموت".
الصفصاف.. مجزرة حبيسة "الأرشيف السري"
كانت قرية الصفصاف، البعيدة 9 كيلومتر شمال شرق مدينة صفد، على موعد مع مجزرة لا تزال كثير من معالمها حبيسة "الأرشيف السري" لدى الاحتلال الإسرائيلي.
وضعت العصابات الصهيونية قرية الصفصاف الهدف الأول لعملية "حيرام" الإرهابية في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1948.
هاجمت القرية فصيلتا مصفحات وسرية مجنزرات من اللواء السابع للعصابات الصهيونية واحتلتاها بعد معركة قصيرة.
رئيس أركان عصابة "الهاغاناه" الإرهابية السابق، يسرائيل غاليلي، وضع قائمة بالجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في الصفصاف: "52 رجلاً رُبطوا بحبل وطُرحوا في بئر وأُطلق الرصاص عليهم، قُتل عشرة. النسوة بكين مسترحمات. 3 حالات اغتصاب.. فتاة في الرابعة عشرة من عمرها اغتُصبت. أربع نساء أُخريات قُتلن".
شهادة أخرى من العدو يكتبها يوسف نحماني، الذي كان أحد كبار الضباط في "الهاغاناه": "في الصفصاف، بعد أن رفع السكان علم أبيض، قام الجنود بجمع وفصل الرجال والنساء، وقيدوا أيدي 50–60 من الفلاحين، وأطلقوا النار عليهم وقتلوهم ودفنوهم في حفرة. واغتصبوا أيضا عدة نساء".
وعقب المجزرة، أمرت العصابات الصهيونية من بقي في القرية بالتوجة إلى لبنان تحت نيران المدافع والرشاشات.
نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية، العام الماضي، تحقيقاً حول المجزرة تضمن وثائق تحجبها وزارة جيش الاحتلال في قسم سري.
التحقيق أكد أن عشرات المجازر، واغتصاب الفتيات الصغار، والسلب والنهب، وتفجير وتدمير قرى بأكملها، نفذتها العصابات الصهيونية بأوامر من دافيد بن غوريون، لكن قسم "الأرشيف السري" في وزارة الجيش، يستمر في حجب وثائق تاريخية، عن جرائم العصابات الصهيونية.
وفيما يتعلق بمجزرة الصفصاف، أكد التحقيق أن العصابات الصهيونية قيدت 52 رجلاً مع بعضهم البعض، ووضعوهم في حفرة، وأطلقوا النار عليهم. وكان 10 منهم لا يزالون ينازعون الموت، فيما توسلت النساء وطلبن الرحمة، ووجدن حينها 6 جثث، ثم 61 جثة، كما كان هناك ثلاث حالات اغتصاب، إحداهن لفتاة عمرها 14 عاماً، أطلقوا النار عليها وقتلوها، وقطعوا أصابع أحد الضحايا بسكين ليسرقوا الخواتم.
ووفق الصحيفة، فإن مقاتلو اللواء السابع هم المسؤولون عن تلك الفظائع.
ترشيحا.. آخر القرى المحتلة عام النكبة
كحال غيرها من القرى، بقي أهل ترشيحا يقاومون عصابات الاحتلال لشهور، واستطاعوا أن يدحروا المهاجمين مرتين عن الجبال المحيطة.
لم تسقط ترشيحا إلا في 30 من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1948، حينما شنت 6 طائرات للاحتلال (ألمانية الصنع من نوع "ماستر شميدت") قصفاً وحشياً عند الساعة 4 صباحاً.
دمر نحو 50 بيتاً على رؤوس أصحابها، ولم تتم عمليات إنقاذ لكثيرين لعدم امتلاك معدات وجرافات.
كان وقع الدماء والدمار المهول كبيراً على أهالي القرية الذين شرعوا بالتوجه شمالاً عبر وادي المسقي إلى دير القاسي وفسوطة، ثم عبروا الحدود وتجمعوا على بركة بنت جبيل، ونقلوا بعدها إلى البص في صور، وحمّلوا بالقطارات وتم توزيعهم في مخيم برج البراجنة بالعاصمة بيروت، ومخيم النيرب في حلب، وقسم منهم في حمص وحماة ودمشق.
لم يدخل المحتلون القرية إلا بعد ثلاثة أيام من رحيل أهلها والمقاتلين فيها – كانت السرية اليمنيّة آخر وحدات جيش الإنقاذ خروجاً من ترشيحا – وكان الصهاينة لا يدخلون بيتاً إلا قذفوا داخله عشرات الطلقات خوفاً من وجود المقاومين.