مقدمة

■ داهمت الفلسطينيين في لبنان، كما داهمت باقي السكان، أحداث الرابع من آب (أغسطس) 2020 وتداعياتها المدمرة، التي أتت على الجزء الأكبر من مرفأ بيروت، وألحقت الدمار والخراب بالعديد من الأحياء والمباني، وأوقعت قتلى وجرحى، وعكست نفسها على المسار الإقتصادي الضعيف في البلاد، والذي بدأ ينوء بأثقال أزمة المصارف، ومصير أموال المودعين، وهبوط مريع لسعر صرف الليرة اللبنانية، وتراجع حاد في مستوى المعيشة بفعل الإرتفاع الجنوني للأسعار. واكب ذلك جو سياسي محلي، أسهم في تعقيد الأوضاع وزادها سوءاً، وحل النزاع بين الفرقاء السياسيين بدلاً من ضرورات التفاهم لإخراج البلاد من أزماتها.

زاد الأمور سوءاً جائحة كورونا وما فرضته على السكان من إجراءات وقاية، وتباعد إجتماعي، وحجر منزلي، وإغلاقات امتدت أحياناً لأسبوعين، ألحقت الأذى، بل وأحياناً الدمار بقطاعات واسعة من السكان، خاصة منهم أصحاب الدخل المحدود، والعمال المياومين والباعة وأصحاب الدكاكين والمحال التجارية والحرفيين الصغار وغيرهم. فضلاً عن ذلك شهدت عمليات الدعم الخارجي للعائلات والأفراد إرتباكاً ملحوظاً بسبب الفوضى في صرف سعر الدولار وباقي العملات الأجنبية، وانتعشت السوق السوداء القائمة على النهب والتلاعب بالأسعار، وإلحاق الضرر الحاد بما تبقى من الإقتصاد الوطني اللبناني.

■ هذا كله داهم الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، كما داهم إخوانهم اللبنانيين وباقي السكان. دون تجاهل خصوصية الحالة الفلسطينية التي تعتمد، في مجالات عدة، على خدمات وكالة الغوث (الأونروا) في قضايا الصحة والتعليم والإغاثة والبيئة والتشغيل. فلم تنجُ الأونروا هي الأخرى من تداعيات الحدث، خاصة وأن ارتفاع معدل البطالة في المخيمات، والتي لامست حدود الـ 75% من اليد العاملة، واتساع صف الحالات المعوزة في ظل خطر كورونا، وضع الأونروا أمام واجبات إضافية نحو اللاجئين، تقاعس المجتمع الدولي إزاءها عن الوفاء بواجباته السياسية والقانونية والأخلاقية لتوفير الأموال اللازمة لبرامج ومشاريع الطوارئ الصحية والإغاثية، وبما يرفع عن كاهل اللاجئين الفلسطينيين بعضاً من الأثقال المرهقة.

■ ما يجب تأكيده هنا، كخلاصة، أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين في لبنان انحدرت نحو مستويات خطيرة، ما يضع عموم الحالة الفلسطينية بجميع مكوناتها السياسية والإجتماعية والتربوية وغيرها أمام تحديات كبرى تشكل إمتحاناً لقدرتها على التفاعل  مع الحدث، الأمر الذي يضعنا أمام أربع مهام مباشرة:

  • الأولى: توحيد الرؤية تجاه ما حلّ باللاجئين الفلسطينيين في لبنان باعتباره حدثاً اجتماعياً واسع الميدان، ناتج عن حالة سياسية مرشحة لأن تدوم طويلاً، وفي السياق توحيد الموقف في إدارة الشأن العام، على الصعيد الوطني والإجتماعي، في ظل مخاطر السياسة الاجتماعية، لم يعد فيها مجال للترف في الإختلاف على ضرورة مواجهتها، وبما يحافظ على الكتلة الشعبية الفلسطينية في لبنان، ويصون وحدتها وتماسكها وثباتها في مواجهة المخاطر المتعددة.
  • الثانية: الإرتقاء إلى مستوى التحدي المفروض على اللاجئين الفلسطينيين، لمواصلة الضغط على وكالة الغوث لإطلاق خطة طواريء كاملة وطويلة المدى لإغاثة أبناء المخيمات والتجمعات السكانية الفلسطينية في مجالات الصحة والبيئة والغذاء والإستشفاء ومساعدات البطالة والحالات المعوزة. كل هذا في إطار تحرك وطني يجمع بين الدور المحلي، ودور دائرة شؤون اللاجئين في اللجنة التنفيذية والدول المضيفة للاجئين ووزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية، بعلاقاتها مع الجهات المانحة.
  • الثالثة: التوجه إلى الدوائر اللبنانية المعنية، لأخذ الوقائع المستجدة بعين الإعتبار، والإفراج عن الحقوق الانسانية والإجتماعية للفلسطينيين في لبنان.
  • الرابعة: الانخراط الفاعل في معركة مواجهة صفقة القرن، ومخططاتها الهادفة إلى شطب القضية والحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني، وتقويض برنامجه الوطني، في ظل هجمة من التطبيع مع العدو، تنخرط فيها مجموعة من الدول العربية في هرولة مكشوفة نحو الاحتماء في الظل الأميركي، في إطار من التحالف والشراكة غير المبدئيين، على حساب المصالح الوطنية والقومية لشعوب المنطقة وأمنها واستقرارها، وحقها في بناء دولتها الوطنية وتنمية اقتصادها والتنعم بخيراته، في ظل من العدالة الاجتماعية وتحت رايات الكرامة الوطنية■

(1)

الصراعات الدولية والاقليمية وانعكاسها على القضية الفلسطينية

تزداد العلاقات الدولية تأزماً بفعل السياسة الأمريكية تجاه العديد من الملفات الدولية التي مازال الصراع بشأنها محتدماً، ومن ضمن هذه الملفات الصراع العربي والفلسطيني - الإسرائيلي الذي يحتل موقعاً متقدماً في الاستراتيجية الأمريكية، من ضمن ركائزها وخدمة لمصالحها تغذية الصراعات الاقليمية وإشاعة الفوضى في أكثر من منطقة، إضافة إلى رفع منسوب التوتر مع إيران، في إطار الإلتزام الكامل بدعم إسرائيل ومخططاتها وآخرها خطة الضم. وبات واضحاً أن الإدارة الأمريكية لم تحقق، حتى الآن، إختراقات ذات شأن في الحروب السياسية والاقتصادية التي طالت العديد من دول العالم، إلا باستثناء ما حققته في منطقتنا العربية في المسار الاقليمي لصفقة القرن، وتوسيع دوائر التطبيع بين بعض الأنظمة العربية وبين إسرائيل.

■ مازال الصراع محتدماً مع العديد من دول العالم وشعوبها، حيث تواجه السياسة الأمريكية عقبات كثيرة، يجب على القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية البناء عليها بعيداً عن منطق المراهنة على تغييرات هنا وهناك.

بالمقابل، من الصعوبة إجهاض المشروع الأمريكي وإفشاله بشأن القضية الوطنية دون سياسة فلسطينية جدية، في مواجهة التحالف الأمريكي - الإسرائيلي في الميدان وفي المحافل الدولية، عبر تطبيق قرارات الإجماع الوطني في المؤسسات الوطنية، بالتحرر من قيود أوسلو والتزاماته، وبروتوكول باريس والغلاف الجمركي الواحد، وإطلاق أوسع مقاومة شعبية نحو الانتفاضة الشاملة وعلى طريق التحول لعصيان وطني، والتمسك في الوقت نفسه بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وعلى قاعدتها استقطاب التأييد الدولي، وتأييد الشعوب العربية وقواها المجتمعية والسياسية■

(2)

صفقة القرن والموقف الفلسطيني المطلوب

شكلت قرارات المجلسين المركزي - 2015+2018، والوطني - 2018 بإنهاء العمل بالمرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، وإعادة النظر في العلاقة مع دولة الاحتلال، خطوة شديدة الأهمية، أكدت وحدة الموقف الوطني الفلسطيني، وأسست لمرحلة جديدة من النضال في الميدان وفي المحافل الدولية، ولاستعادة الوحدة الداخلية وإنهاء الانقسام، وتكريس قيم وقواعد الائتلاف الوطني والشراكة الوطنية. كما شكلت القرارات المذكورة سلاحاً بيد الحالة الشعبية، للضغط على قيادة م.ت.ف الرسمية لوضع حد لسياستها في الرهان على سيناريوهات هابطة، تم وأدها مع قرار حكومة الثنائي نتنياهو - غانتس في 17/5/2020، بتبني خطة ضم ما يزيد على ثلث الضفة الفلسطينية المحتلة.

وعليه، شكل القرار القيادي الفلسطيني في 19/5/2020 خطوة مهمة بنصِّه على التحلل من الاتفاقات والمعاهدات والتفاهمات مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي، خطوة عَجَّلت من ضرورة إحداث التقارب الوطني الفلسطيني، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، والتوافق على استراتيجية وطنية شاملة، تُخرج الحالة الفلسطينية من دائرة ردود الفعل التكتيكية، وتنتقل بها نحو المجابهة الشاملة، وإعادة تعريف القضية الوطنية باعتبارها قضية تحرر وطني، بكل ما يتطلبه ذلك من إعادة بناء العلاقات الوطنية على أسس إئتلافية وعلى قاعدة الشراكة الوطنية، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس ديمقراطية، مقابل إسقاط أوهام بناء الدولة تحت الاحتلال، خاصة في ظل تطورات، أكدت تراجع صلاحية السلطة وفشلها في فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، واتساع صلاحيات الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال، وتجاوزها لاتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي.

في السياق نفسه، شكلت خطوات التطبيع، بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، نقلة نوعية في تطبيق صفقة القرن على مسارها الإقليمي، بعدما اصطدمت، على مسارها الفلسطيني – الاسرائيلي بصلابة الموقف الوطني الموحد، وقدرته على التصدي لها.

خطوات التطبيع، وما رافقها من ترحيب رسمي عربي، كان من نتائجه العملية إجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020 ومخرجاته التي أعادت التأكيد على أولوية المواجهة الشعبية الميدانية وفي المحافل الدولية، بقرارها تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية في الداخل والخارج معاً، وتشكيل هيئة وطنية لإنجاز وثيقة للمواجهة الاستراتيجية وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

ذهاب طرفي الانقسام، فتح وحماس، إلى  مفاوضات اسطنبول 23-24/9/2020، شكل إنعطافة جديدة، أعادت النظر بالأولويات الوطنية، عكست في الواقع رؤية الطرفين كسلطتين تتنازعان على المصالح الفئوية، وتحرصان على ضمان مصالحهما، من خلال تقديم مسألة الانتخابات الشاملة على مخرجات إجتماع الأمناء العامين.

لقد انطلقت مسيرة استنهاض المقاومة الشعبية في الميدان، ومسيرة المجابهة الوطنية في المحافل الدولية، وشكلت قرارات المجلسين المركزي والوطني - 2015+2018 ومخرجات إجتماع الأمناء العامين، وتفاهمات اسطنبول (خاصة ما يتعلق بقانون الانتخابات بنظام التمثيل النسبي الكامل) سلاحاً بيد الحركة الشعبية وقواها اليسارية والديمقراطية والوطنية، لمواصلة نضالها اليومي، على المحورين المتكاملين: محور مقاومة الاحتلال والاستيطان، ودحره والفوز بالحقوق الوطنية المشروعة، ومحور إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية وإعادة بناء المؤسسات الوطنية في م.ت.ف، والسلطة الفلسطينية، على أسس ديمقراطية وبالتوافق الوطني، وتعزيز الموقع التمثيلي والسياسي والنضالي لـ م.ت.ف، ويعيد النظر بوظائف وآليات السلطة الفلسطينية، وبما يمكنها من القيام بدورها الرئيس والمحدد، توفير عناصر الصمود والثبات لشعبنا الفلسطيني في المواجهة الوطنية الشاملة.

(3)

اللاجئون وحق العودة ومخاطر العبث بالقضية

بقيت قضية اللاجئين وحق العودة موضع استهداف من السياسات الأميركية على تعاقب إداراتها، واعتبرت حَلَّها، وفق المقاييس الأمريكية - الإسرائيلية، مدخلاً من مداخل حل قضية الصراع العربي، والفلسطيني - الإسرائيلي، كان آخرها صفقة ترامب – نتنياهو التي دعت إلى إلغاء حق العودة، باعتباره ملفاً يعطل الحل السياسي في المنطقة. ودعت في سياق ذلك، إلى  إفراغ القضية من مضمونها، وإسقاط صفة اللجوء عن ملايين اللاجئين، ووقف تفويض وكالة الغوث (الأونروا) وتجفيف مواردها، ونقل خدماتها إلى الدول المضيفة، أو إلى  مؤسسة دولية بديلاً لوكالة الغوث، لا يرتبط تشكيلها بالقرار 194.

■ بذلك أصبح الدفاع عن وكالة الغوث، وصون وجودها، ودوام تمويلها، وتجديد تفويضها دورياً في الأمم المتحدة، هو المفتاح لصون قضية اللاجئين وحق العودة إلى الديار والممتلكات. ولعل المعركة التي خاضها شعبنا الفلسطيني في الأمم المتحدة لتجديد تفويض الوكالة لثلاث سنوات جديدة، تأكيد على ذلك، علماً أنها المرة الأولى، وتحت وطأة صفقة ترامب – نتنياهو، والضغط الأمريكي، يتحول تفويض الوكالة في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى  معركة حاسمة.

■ لقد شكلت خطوة تجديد التفويض عام 2019 ضربة لكل الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة واسرائيل، غير أن تجديد التفويض لم يترافق مع التزام الدول المانحة بمعالجة عجز الموازنة. إذ وحتى تموز(يوليو) 2020 لم تكن الدول المانحة قد أوفت بوعودها، وبلغ عجز الصندوق العام لوكالة الغوث، (خاصة في ظل توقف الولايات المتحدة عن مساهمتها المالية و العينية في برامج الوكالة نحو 330 مليون دولار)، إنخفض في شهر تشرين الأول (أكتوبر) إلى  نحو 130 مليون دولار. ولم تكن نداءات الطواريء والمناشدات الخاصة بأفضل حال، فحتى ذلك التاريخ كانت الوكالة تواجه نقصاً يبلغ 60% من الموازنة التي تغطي نداء الطواريء في سوريا، وهي لم تتلقَ أكثر من 60% من قيمة النداء الخاص الثاني المتعلق بالاستجابة لتداعيات جائحة كورونا والبالغ 93,4 مليون دولار. حتى أن الوكالة أعلنت أكثر من مرة خلال شهري 10 و 11/2020 عجزها عن أداء دورها، واعترفت باحتمال إنهيار مجتمع اللاجئين الفلسطينيين إذا لم يتوفر لها التمويل اللازم.

إن مواجهة مخاطر صفقة القرن على حق العودة وقضية اللاجئين، فضلاً عن صون وكالة الغوث، ومواصلة العمل لدوام خدماتها، يلقي على عاتق القوى الوطنية الفلسطينية وحركة اللاجئين، ما يلي:

1- التمسك بحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي يكفل لهم حق العودة إلى  الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948، ورفض كل الحلول البديلة.

2- التمسك بوكالة الغوث بوظيفتها المزدوجة، (إعتراف من المجتمع الدولي بعدالة قضية اللاجئين ومسؤوليته السياسية والقانونية عن حلها بموجب القرار 194+ توفير الخدمات المعيشية للاجئين) والنضال لأجل توفير التمويل اللازم لتطوير خدماتها وبرامجها لتستجيب لحاجات اللاجئين وفق المعايير الانسانية.

3- الدعوة لإعادة تفعيل أدوات وآليات عمل دائرة شؤون اللاجئين في م.ت.ف، لتعزيز إرتباطها بحركة اللاجئين وقضاياهم الحياتية، في جميع أماكن تواجدهم داخل المناطق المحتلة وخارجها.

4- دعوة الدول العربية المضيفة إلى الاعتراف بالحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين حيث حرموا منها، وإلى  تعزيز دور المؤسسات البلدية والتربوية والصحية والاجتماعية في إسناد أوضاع المخيمات وتعزيز صمودها ورفضها كل المشاريع البديلة لحق العودة.

5- تعزيز الفعل الوطني في مخيمات اللاجئين وتجمعاتهم السكنية خاصة في صفوف الشباب، لمكافحة البطالة والنزوع نحو الهجرة.

6- الدعوة إلى  ورشة وطنية بمشاركة الأونروا ودوائر م.ت.ف، وفصائل العمل الوطني وممثلي الجمعيات المحلية، لوضع خطط العمل لضمان تعزيز دور وكالة الغوث■

(4)

الأزمة اللبنانية وآثارها على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين

تجمع التقارير المحلية والدولية، بما فيها أكثرها حيادية، على أن الأزمة اللبنانية ليست أزمة عابرة، بل هي أزمة نظام سياسي يقوم على المحاصصة الطائفية والمذهبية، لم يشهد يوماً من الأيام استقراراً سياسياً، بل بقي طوال مئة عام من قيامه، عرضة لتجاذبات داخلية وإقليمية ودولية، أدخلته في العديد من المرات في حروب طاحنة عَمَّقت أزمته، وزادتها تعقيداً. ولعل أهم العراقيل والعوائق التي تعطل إصلاح النظام في لبنان، هو توافق نخبه السياسية الممثلة للطوائف والمذاهب، في تمسكها بنظام المحاصصة باعتباره هو ما يوفر لها الفرصة للتسيد على رأس النظام، بادعاء تمثيل طوائفها، والدفاع عن مصالحها في مواجهة أطماع باقي الطوائف.

■ لم تنجح قوى الإصلاح، حتى الآن، في التأثير في حل أزمة البلاد، من خلال إعادة بناء النظام السياسي على قاعدة المواطنة المتساوية أمام القانون، في الحقوق والواجبات، دون امتيازات طائفية أو مذهبية أو جهوية، واعتماد قانون جديد للانتخابات، وفق نظام التمثيل النسبي، يجعل من لبنان دائرة انتخابية واحدة.

لم يكن الفلسطينيون في لبنان، يوماً ما، بمنأى عن تداعيات أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي ازدادت استفحالاً بعد الانفجار الكبير في 4/8/2020، وأودى بحياة مئتي مواطن (+ 6500 جريح) وألحق دماراً واسعاً بمرفأ بيروت، وبأحياء عديدة من العاصمة اللبنانية تضم آلاف الوحدات السكنية (التراثية وغيرها)، ووضع عموم البلاد على شفا الانهيار الشامل، لولا التدخل الخارجي الذي شكل مجرد حالة إسعافية مؤقتة، تنبيء بأن الحل الجذري مازال مستبعداً، ذلك الحل القاضي بالنهوض بأعباء إعادة الإعمار تبلغ تكلفته 15 مليار دولار بحسب تقديرات البنك الدولي التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية.

■ تعرض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان إلى  اضطهاد أمني، أصر على تقديم مخيمات البؤس التي يعيشون خلف جدرانها وأسوارها العسكرية، مجرد بؤر أمنية وبؤر فساد، في سياسة متعمدة لشيطنة الوجود الفلسطيني في البلاد، وتحميله وزر الأزمات التي تعيشها، وإبعاد النظر عن المصدر الحقيقي للأزمة.

كما تعرضوا إلى  اضطهاد سياسي، من خلال تقديمهم إلى الرأي العام باعتبارهم خطراً خارجياً يهدد «توازنات» البلاد الطائفية والمذهبية، من خلال مشاريع التوطين التي باتت فزاعة لتبرير سياسات الدولة اللبنانية في تهميش اللاجئين وإقصائهم وحرمانهم إجتماعياً واقتصادياً، عبر التحلل من أية واجبات نحو المخيمات، وإلقاء العبء كاملاً على وكالة الغوث.

أما الاضطهاد الاجتماعي، فقد تمثل بحرمان اللاجئين من حقوقهم الاجتماعية والانسانية، بما في ذلك حقهم في العمل، والتملك، ولم تنجح محاولات بعض القوى اللبنانية في كسر هذه السياسة عبر مشاريع قدمت إلى  مجلس النواب، لرفع الغبن والظلم عن كاهل الفلسطينيين، تحطمت كل هذه المحاولات أمام جدار التحالف «غير المقدس» لزعماء الطوائف والمذاهب، وأركان نظام المحاصصة.

ولم تلقَ نداءات اللاجئين ومذكراتهم ومطالبهم آذاناً صاغية لدى الجهات المعنية، وتحول الحوار مع لجنة الحوار اللبناني إلى  ما يشبه الملهاة السياسية.

■ إن من شأن وحدة الموقف الوطني الفلسطيني، في النأي بالنفس عن الخلافات والنزاعات اللبنانية الداخلية، ونجاح الحالة الوطنية في إعادة تقديم مخيمات اللاجئين واحات أمان، في ظل الأوضاع اللبنانية الداخلية التي باتت تفتقر إلى الاستقرار الاجتماعي والأمني؛ إن من شأن هذا أن يقدم الحالة الفلسطينية إلى الرأي العام، وخلافاً لكل الإدعاءات المغايرة، باعتبارها عامل استقرار للوضع اللبناني، خاصة في ظل أكثر اللحظات تفجراً واهتزازاً. وهذا يشكل رصيداً إضافياً للحالة الفلسطينية لمواصلة العمل مع أركان المجتمع اللبناني، وقواه السياسية، لإخراج اللاجئين من دائرة الحصار التي حشرتهم فيها السياسات الرسمية، بما في ذلك مواصلة النضال من أجل الفوز بالحقوق الاجتماعية والانسانية، باعتبارها عامل تعزيز للأمن والاستقرار في المخيمات، وعامل تعزيز وصمود للاجئين في التمسك بحق العودة إلى الديار والممتلكات، ومواصلة التصدي لسياسات صفقة القرن، ورفض التوطين وكل الحلول البديلة لحق العودة، وضمان استمرار خدمات وكالة الغوث، واحترام استقلال لبنان وسيادته على كامل أراضيه دون استثناء■

(5)

الانقلاب على قرارات 19/5 وآثاره على اللاجئين في لبنان

المسار الذي افتتحه القرار القيادي الفلسطيني بالتحلل من الإلتزام بالاتفاقات مع دولة الإحتلال وإدارة ترامب، عكس نفسه إيجاباً أيضاً على الحالة الفلسطينية في لبنان، إذ عزز إلى حد ما القناعة بإمكانية الشروع بالخروج من أوسلو، وإزالة العوائق أمام استعادة الوحدة الداخلية، واستنهاض الحالة الجماهيرية، وتعزيز روح وفعل المقاومة ضد الإحتلال والاستيطان.

في هذا السياق، شكل إجتماع الأمناء العامين بين رام الله وبيروت خطوة مهمة، أتت لها خصوصيتها المميزة على أوضاع اللاجئين في لبنان، إذ أفردت هذه الخطوة لمدينة بيروت مكاناً مهماً في المسار النضالي الفلسطيني، وضعها على سوية العواصم التي تستضيف عادة جولات الحوار الوطني الفلسطيني، كالقاهرة وموسكو.

أما إيجابية الحديث عن استعادة الوحدة الداخلية والشراكة الوطنية عبر الانتخابات، رغم ما شابه من إلتباسات، فقد أضاءت على إمكانية، وأهمية إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني على أسس وطنية وجبهوية جديدة، تعزز مكانة الشتات في بناء المؤسسة الوطنية، وفي اتخاذ القرار الوطني، بما يضع حداً لسياسة تهميش المنظمة لصالح السلطة، وحداً لتهميش الشتات، بما في ذلك قطع الطريق على أية محاولة للعبث بشؤونه وفي المقدمة حق العودة الذي كثيراً ما تم التلويح به في إطار التنازلات المجانية للمفاوض الفلسطيني.

كل هذا المسار إنعكس إيجاباً على أوضاع اللاجئين في لبنان، أفسح في المجال لإعادة إحياء «هيئة العمل الوطني المشترك»، وتجاوز حالة الاستقطاب الثنائي بين حركتي فتح وحماس، وغَلَّب إرادة الوحدة على نزعات الانقسام، ووفَّر – بحدود معيّنة - الإطار الوطني لتغليب رؤية اليسار الفلسطيني في معالجة القضايا السياسية والإجتماعية للاجئين في لبنان، إن في العلاقة مع الدولة المضيفة، أو مع وكالة الغوث، أو مع الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية اللبنانية؛ كما قطع الطريق على نعرات الالتحاق بالمحاور الإقليمية التي تنشط في لبنان.

كما من إيجابية هذا كله أن أضعف صوت التيارات الانعزالية التي دأبت على مناكفة الحالة الفلسطينية في لبنان من بوابة اللعب على فزاعة التوطين.

العودة إلى التنسيق الأمني، والعمل لإحياء مسار أوسلو، كما تم الاعلان عنه في 17/11/2020، أي بعد ستة أشهر من الانسحاب التكتيكي من إلتزامات أوسلو، شَكَّلت صدمة لمشاعر اللاجئين في لبنان، إذ أعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه، من إنقسامات سياسية لم تعد حكراً على الطرفين، فتح وحماس، بل اتسعت دائرة الانقسام، لتعود إلى المربع الأول: من مع أوسلو، ومن مع البرنامج الوطني. وهو الأمر الذي انعكس حتى على فصائل م.ت.ف، التي انقسمت على نفسها، بين فتح ومن يواليها، وبين قوى المعارضة على اختلاف توجهاتها. كما من شأن هذه العودة أن تعكس نفسها على درجة تضامن الاحزاب اللبنانية والقوى السياسية مع شعبنا وحقوقه الوطنية، خاصة وإن خطوة العودة إلى أوسلو، جاءت بعد موجة تطبيع مع إسرائيل، ما أضعف صوت معارضة التطبيع، وأتاح للكثيرين تبريره.

فضلاً عن ذلك، لا بد أن يكون لهذه الخطوة المدانة، إنعكاسها على مسارنا النضالي دفاعاً عن الحقوق الإجتماعية والإنسانية في لبنان. 

في قراءتنا لخصوصية الحالة الفلسطينية في لبنان، نرى، كخلاصة أن المهمة الوطنية الرئيسية، في كل ما وقع من تطورات، هي العمل على الحد من الانعكاسات السلبية على مصالح شعبنا في لبنان، خاصة في مبررات الدفاع عن حقوقه الإجتماعية والإنسانية، وتأمين خدمات وكالة الغوث وتطويرها، ووضع مؤسسات م.ت.ف، خاصة دائرة شؤون اللاجئين أمام واجباتها الوطنية.

مثل هذه العناوين، تشكل في مجموعها موضوع إجماع وطني في لبنان، تلتقي حولها، في الدفاع عنها، القوى الفلسطينية كافة؛ الأمر الذي يتطلب صون أطر العمل المشترك وتطويرها، والحؤول دون أن تكون الخلافات السياسية سبباً في تفتيت الجبهة الداخلية في الدفاع عن المصالح الحياتية والمجتمعية لشعبنا.

لذلك ندعو للتمسك بهيئة العمل الوطني المشترك، وإخراجها من دائرة التجاذب السياسي، وتطوير آليات عمل اللجان والاتحادات الشعبية، بما يؤدي إلى معادلة مسؤولة وطنياً تؤدي إلى عزل الخلافات السياسية بين الأطراف الفلسطينية، عن مجالات العمل المشترك في الدفاع عن مصالح الشعب الفلسطيني في لبنان

(6)

تطوير العمل الفلسطيني المشترك حماية لمخيماتنا

الأزمات الكبرى التي يشهدها لبنان، لا تتوقف تداعياتها عند حدودها الاقتصادية. فتعدد أسباب الصراع المحلي والاقليمي والدولي، يضع البلاد أمام صورة قاتمة، وهذا ما يطرح أهمية حماية الوجود الفلسطيني في لبنان وإبعاده عن أية ارتدادات لهذه الصراعات.

دعونا وعملنا من أجل بقاء المخيمات بعيداً عن محاولات العبث بأمنها واستقرارها، ومعالجة الأوضاع بروح المسؤولية الوطنية، وتأكيد الحاجة لتوافق جميع الفصائل الفلسطينية على موقف وطني موحد تجاه الوضع اللبناني.

بالمقابل، إنعكس الانقسام الفلسطيني على واقع العمل الوطني الفلسطيني في لبنان، بمختلف أطره السياسية والخدماتية. ومع ذلك نجحنا في مرات عدة بتشكيل الأطر الوطنية الضرورية كهيئة العمل الفلسطيني المشترك التي، وإن كانت لم ترتقِ بأدائها إلى الدور المطلوب منها حتى الآن، فإنها ظلت تحافظ على وتيرة معينة من الاجتماعات التنسيقية التي يجب أن تتعزز، لتقدم نفسها إلى الرأي العام إطاراً مرجعياً لأوضاع الفلسطينيين في لبنان في إطار المرجعية العليا لـ م.ت.ف.

■ إن التطورات المتسارعة في لبنان كانت تتطلب أن تبقى هيئة العمل في حالة انعقاد دائم، بسبب ما يتهدد المخيمات والوجود الفلسطيني. وهذا ما يفسر إصرار الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، على القوى الفلسطينية ومنذ العام 2018، على وضع الانقسام جانباً، والتوافق على حماية المخيمات عبر تشكيل «هيئة العمل الفلسطيني المشترك»، نظرا لتحديات ومخاطر كبيرة تستهدف القضية الفلسطينية أولاً، وتستهدف لبنان ثانيا.. وعلى هذه القاعدة عُقد إجتماع الهيئة، مرجعية ميدانية للحالة الفلسطينية التي تدير أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد انقطاع دام لنحو عام.

إن المطلوب اليوم هو انتظام أعمال هيئة العمل الفلسطيني المشترك، من أجل المتابعة المشتركة والموحدة، ووفق استراتيجية موحدة لقضايا اللاجئين والمخيمات، والوقوف أمام القضايا التي تهدد المجتمع الفلسطيني في لبنان خاصة الازمة الاقتصادية ومن أجل تعميق الاستقرار الأمني في المخيمات وحمايتها من الآفات الاجتماعية الواردة عليها من خارجها، وتطوير عمل جميع أطر العمل المشترك، كاللجان والاتحادات الشعبية وغيرها، بما يصون أمن المخيمات واستقرارها، ويوفر مظلة وحماية لشعبنا في مواجهة ما يتهدده من مخاطر سياسية واقتصادية وأمنية، تتطلب توافقاً وطنياً على مواجهتها■

(7)

المجتمع الفلسطيني في لبنان.. في لجم تداعيات الكارثة

تعرض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان لأربع أزمات كبرى خلال فترة لا تزيد عن ثلاث سنوات، وهي:

الأولى: إجراءات الإدارة الأمريكية بدءاً من العام 2018، وسياسة العقاب الجماعي بوقف المساهمة المالية للولايات المتحدة في موازنة الاونروا بأبوابها الثلاثة والبالغة نحو 360 مليون دولار، أي ما يعادل مليار دولار خلال الثلاث سنوات الماضية، وذلك في إطار الاستهداف العام لقضية اللاجئين وحق العودة، وهو ما ترك إنعكاسات سلبية على برامج الصندوق العام وبرامج الطواريء المختلفة، والمشاريع في كافة مناطق عمليات الأونروا. من نتائج ذلك أن العديد من استراتيجيات الاونروا التي رسمت في العام 2016 (الاستراتيجية متوسطة الأجل للأعوام الخمسة)، إما توقفت، أو طرأ عليها تعديل لتستوعب صدمة الإجراءات الامريكية.

الثانية: منذ تموز(يوليو) 2019، أعلن وزير العمل اللبناني عن حملة ملاحقات قانونية للاجئين الفلسطينيين، بدعوى «تسوية أوضاع العمال الأجانب غير الشرعيين»، وما أحدثته من تأثير سلبي على العمالة الفلسطينية في لبنان نتيجة تفعيل بعض القوانين اللبنانية وبتفسيرات إستنسابية، ما أدى إلى إقفال السوق اللبنانية في وجه العمالة الفلسطينية، فخسر معظم الفلسطينيين مصدر رزقهم، بعد أن لجأت وزارة العمل اللبنانية إلى  تطبيق القرار بحق العمال بصورة تعسفية. من نتائج الحملة إغلاق العديد من المحال والمؤسسات التجارية  الفلسطينية في أكثر من منطقة، وتوقيف عدد من العمال في مؤسسات لبنانية عن العمل. وبالنتيجة، فقد تراجعت الحملة تحت ضغط التحركات الشعبية في المخيمات، كانت الأضخم منذ النكبة، تم تعليق تنفيذ القرار بعد استقالة الحكومة، ما يبقي هذا الخطر سيفاً مسلطاً فوق رقاب اللاجئين.

[ إن ما أكدته إجراءات وزارة العمل هو تعامي القوانين اللبنانية في تعاطيها مع اللاجئين الفلسطينيين، وتعمدها عدم تحديد إطار قانوني واضح يرسم حقوقهم وواجباتهم. ويضمن لهم حقهم في العمل والعيش الكريم باعتبارهم لاجئين، يتميزون عن «الأجانب» المقيمين في لبنان. وما لجأ إليه وزير العمل في تبريراته المختلفة بادعائه «أنه يطبق القانون بتجرد، وإذا كان هناك من ظلم فهذه ليست مسؤوليته بل مسؤولية مجلس النواب الذي سَنَّ القوانين»، يؤكد أهمية مواكبة الحالة الرسمية الفلسطينية لما يحدث في لبنان في إطار الدعوات اللبنانية للإصلاح المرفوعة من قبل الكثيرين، وضرورة تبني الدعوة لتصحيح وإصلاح بعض القوانين الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، التي أكدت التجربة أنها لم توضع بالأساس لتطبق عليهم، بل على الأجانب بتعريفهم المجرد، وهذا ما يعني أن ثمة حاجة لتطوير القوانين اللبنانية سواء ما له علاقة بتعريف اللاجيء الفلسطيني، أو بتحديد حقوق وواجبات اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لوثيقة الرؤية اللبنانية (2017) التي توافقت عليها 6 كتل نيابية، وإن كان هذا التوافق لم ينجح في إحداث الاختراق المطلوب، عبر تشريعات قانونية، وهو ما يجب النضال بشأنه على المستويين اللبناني والفلسطيني. (راجع بهذا الخصوص الفصل بعنوان: «رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان»، ص 57-73 من كتاب «ملفات فلسطينية (1/2) – اللاجئون.. المجلس المركزي»، الصادر عن المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات (ملف). ط1: كانون الثاني (يناير) 2020).]

الثالثة: بعد مرور ثلاثة أشهر على التحركات الشعبية الاحتجاجية التي شهدتها المخيمات الفلسطينية ضد إجراءات وزارة العمل، إنفجر الشارع اللبناني في تحركات شعبية طالت جميع المناطق، إحتجاجاً على الأوضاع السياسية والاقتصادية، وما رافقها من قطع للطرق الرئيسية وإقفال المحال التجارية والمصارف، وفي ظل تجمعات كبيرة في جميع المحافظات، وبعضها قريب من المخيمات، ما أدى إلى شل الحياة الاقتصادية.

من موقع المسؤولية الوطنية، اتبعت الحالة الفلسطينية إزاء ذلك سياسة وطنية مسؤولة بعدم الانخراط في  التحركات، رغم تعاطفها مع مطالبها. فقد طالت مصالح العديد من العمال الفلسطينيين الذين انقطعوا عن العمل، ما زاد من حدة الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يشكو أصلاً من مشكلات، وارتفعت الدعوات مطالبة وكالة الغوث باعتبار المخيمات مناطق منكوبة وإطلاق خطة طواريء إغاثية عاجلة. 

الرابعة: منذ بداية آذار(مارس) 2020، اتخذت الدولة اللبنانية سلسلة من التدابير في إطار مواجهة كوڤيد 19، فأغلقت الجامعات والمدارس، تلاها إعلان التعبئة العامة التي تضمنت إغلاق جميع المعابر وتوقف الحياة العامة وشل الحياة الاقتصادية. إنعكست هذه الإجراءات على الفلسطينيين وعائلاتهم، ما وضع آلاف العمال أمام مشكلة حقيقية نتيجة التزامهم بإجراءات التعبئة العامة والإغلاق..

برزت خلال فترة إعلان التعبئة العامة ثلاث مرجعيات كانت معنية بأوضاع اللاجئين، لم تجتمع على خطط وآليات التنسيق فيما بينها بما يخدم مصالح اللاجئين، بل وعلى العكس من ذلك، فقد حاولت بعض الأطراف التحلل من واجباتها، كما هو حال الحكومة اللبنانية التي ألقت العبء كله على وكالة الغوث في فصل تعسفي بين الواقع اللبناني وبين انعكاساته السلبية على الكتلة الشعبية الفلسطينية.

■■■

إن ما آلت إليه الوقائع الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، باتت تستوجب على الصعيد الوطني امتلاك رؤية موحدة بموجب خطة عمل وطنية بمحاورها المختلفة، منها:

أ) التأكيد على دعوة وكالة الغوث وتنشيط تحركاتها واتصالاتها، لتوفير الموازنات الضرورية لإطلاق برنامج طواريء خاص بالمخيمات الفلسطينية، يستجيب للحاجات المختلفة في التربية والتعليم والصحة والبيئة والإغاثة والاستشفاء، وغيرها.

ب) دعوة اللجنة التنفيذية في م.ت.ف والسلطة الفلسطينية إلى إدخال لوائح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في سجلات مساعدات التنمية الإجتماعية، التي تُصرف في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ج) مواصلة التحرك مع القوى اللبنانية ذات التوجهات الاصلاحية والرؤى الديمقراطية للتعاون المشترك على أن تكون قضايا اللاجئين وحقوقهم المدنية والإجتماعية والإنسانية جزءاً من التوجهات الإصلاحية للنظام اللبناني وقوانينه التطبيقية.

د) العمل المشترك مع النقابات واتحادات العمال في لبنان بما يصون وحدة مصالح العمال اللبنانيين والفلسطينيين في مواجهة سياسات الحرمان الرسمية■

(8)

جائحة كورونا وتداعياتها على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين

في مواجهة جائحة كورونا، لجأت دول العالم وشعوبه إلى  خيارات عدة منها الإغلاق والحجر المنزلي. وهذا كان يعتمد على معادلة طرفاها هما الحكومة ومؤسساتها المختلفة والمواطنون، وترتب عليها توقف العمال عن الذهاب إلى أعمالهم، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤولية دعم المواطنين إقتصادياً.

في لبنان، ومع أن هناك ثلاث مرجعيات معنية بمواجهة تداعيات جائحة كورونا على المستوى الفلسطيني، (الدولة المضيفة، وكالة الغوث، منظمة التحرير) لم يُلمس أن تنسيقاً أو تعاوناً طرأ بين هذه المرجعيات، خاصة فيما يتعلق بالاستراتيجيات الاقتصادية المطلوبة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وكيفية انتشالهم من حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي التي يرزحون تحت وطأتها، بل على العكس فبعض هذه المرجعيات تهربت من مسؤولياتها، ولم تقم بما عليها من واجبات. فكيف تعاطت هذه المرجعيات مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة في ظل تداعيات جائحة كورونا على اللاجئين الفلسطينيين؟

أولاً: الدولة اللبنانية

■ فاجأ ڤيروس كورونا اللبنانيين، كما العالم، فتغيرت الأولويات لدى السلطات اللبنانية، ولصالح أولوية مواجهة تداعيات الجائحة. وكان أهم إجراء أقرته الدولة هو العزل والإغلاق المنزلي. غير أن استراتيجية العزل لم تكن كافية بمفردها ما لم تُقرن بإجراءات إقتصادية تشجع المواطنين على البقاء في منازلهم.. وعلى هذه القاعدة طرح ضرورة تبني الدولة اللبنانية لإجراءات دعم اقتصادي نزولا عند حاجة المواطنين، حددها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان بـ 500 ألف ليرة لبنانية، داعيا الحكومة اللبنانية للوصول إلى جميع الأسر الفقيرة التي تضررت بفعل الأزمة نتيجة تدهور القيمة الشرائية لليرة اللبنانية بحيث تدهور الحد الأدنى للرواتب بالليرة اللبنانية إلى ما يساوي أقل من 100 دولار أميركي بعد ما كان يساوي ما معدله 450 دولاراً.

■ مجلس الوزراء اللبناني أقر في 14 آذار(مارس) 2020 خطة دعم اقتصادي بلغت 18 مليار ليرة لبنانية، مخصصة للأسر الفقيرة، وأوضح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أن الدولة ستوفر الحماية للمواطنين والمقيمين»، ما أعطى الانطباع أن هذه الاستراتيجية ستطال اللاجئين الفلسطينيين. ثم في جلسة لاحقة زاد مجلس الوزراء المبلغ المقر إلى 75 مليار ليرة، ثم إلى 80 مليار ليرة، في إطار خطة إقتصادية تتضمن توزيع 400 ألف ليرة لثلاثة أشهر على نحو 200 ألف عائلة (44 ألف عائلة مسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية كعائلات فقيرة وتستحق المساعدة، و 130 ألف عائلة مسجلة عبر البلديات، وعائلات جديدة ستنضم إلى العدد السابق ليصبح العدد أكثر من مليون مواطن لبناني موزعين على: عمال توقفت أعمالهم، عمال ڤانات وسيارات أجرة، عائلات أسرى، ذوي الاحتياجات الخاصة، وعائلات لديها أفراد مرضى..).

النتيجة العملية أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حرموا من إجراءات الدعم الرسمية، وتم استثناؤهم بدعوى أن الدولة لا تتحمل المسؤولية إزاءهم، وأن المسؤولية تقع على عاتق المنظمات الدولية في مقدمها وكالة الغوث.

أما لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، فقد ساهمت، بحدود صلاحياتها، الى جانب الاونروا والهلال واطباء بلا حدود في تطوير النظام الصحي الفلسطيني ومثال ذلك توقيع اتفاقية شراكة مع جمعية الهلال بهدف تطوير قدرات النظام الصحي الفلسطيني ودعم الجهوزية الطبية في مجالات الفحص والعزل والعلاج، إضافة إلى التدريب الفني اللازم.

ثانياً: وكالة الغوث

■ في ظل سياسة التمييز التي اتبعتها الدولة اللبنانية في توزيع مساعداتها، واستثناء العائلات الفلسطينية اللاجئة، دعا اللاجئون الأونروا لاعتماد خطة طواريء عاجلة لإغاثة الشعب الفلسطيني، وتطور المطلب إلى خطة طواريء صحية وإغاثية. استجابت الأونروا لهذا المطلب، فأطلقت عدة نداءات لمواجهة تداعيات كورونا في مناطق عملياتها الخمس: الأول في شهر آذار(مارس) 2020 لتوفير مبلغ 14 مليون دولار؛ ثم الثاني في شهر أيار (مايو) لتوفير 93,4 مليون دولار، قالت الاونروا انها لم تتمكن من جمع سوى أقل من 65% من قيمته؛ ما دفعها لإطلاق نداءها الثالث في شهر أيلول (سبتمبر) لجمع 96,6 مليون دولار. كما قامت بتشكيل اللجنة الصحية برئاستها وعضوية لجنة الحوار واللجان الشعبية والهلال ومؤسسات اجتماعية عاملة في الوسط الفلسطيني، وذلك بهدف متابعة وتنسيق جهود الهيئات والاطر المختلفة لمواجهة كورونا في المخيمات والحد من الإصابات.

■ وصلت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الاقتصادية والاجتماعية إلى حافة الانهيار، بسبب إنعدام الخيارات والمعالجات، ونتيجة اعتماد جميع العائلات على وكالة الغوث بنسبة 100% التي كلما عانت من مشكلة مالية إنعكست سلبا على أوضاع اللاجئين الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ رغم أن أرقام الوكالة تقول إن نسبة الفقراء من فلسطينيي لبنان بلغت نحو ثلثي اللاجئين (معطيات الدراستين 2010 و 2016)، إلا أن العدد الفعلي من الفقراء اليوم يكاد يصل إلى نسبة مائة في المائة بسبب الأزمة في لبنان أولا، وثانيا بسبب معايير الأونروا وطريقتها في احتساب نسب الفقر، حيث تلتزم بالنسبة المحددة عالميا وهي عتبة (1,9 دولار للفرد يوميا)، وبفعل تداعيات كورونا والإغلاق الذي فرض على المخيمات.

ثالثاً: منظمة التحرير الفلسطينية

■ أياً كانت الأوضاع المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإنها، ومن موقعها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، تبقى مسؤولة سياسياً وقانونياً وأخلاقياً عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وفي جميع أماكن تواجدهم، معنية بالعمل على تبني قضاياهم المعيشية وتوفير الحلول لهم، بالتعاون مع الدول المضيفة، ومع المجتمع الدولي ومؤسساته.

إن ما قدمته المؤسسة من إعانات فورية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، لم يرتقِ إلى الحد الأدنى من الواجب المطلوب، رغم أن السلطة ومنظمة التحرير تلقتا المساعدات لإنجاز عدد من المشاريع، ومنها مواجهة كورونا: من السعودية (70 مليون دولار)، الاتحاد الأوروبي (71 مليون يورو)، الوكالة الفرنسية للتنمية (3 ملايين يورو)، ومن كل من النمسا وإسبانيا مليون يورو، إضافة لمساعدات طبية من عدد من الدول العربية والغربية. لذلك، ما من سبب يعفي المنظمة من مسؤولياتها عن أوضاع اللاجئين، خاصة في لبنان، حيث يحتاجون إلى أكثر مما قدم لهم، لمواجهة كورونا، ولتوفير مقومات الصمود الاجتماعي لمجتمع منهك وهو في قلب معركة وطنية كبرى، يجب خوضها بشكل موحد وعلى مساحة تشمل كل التجمعات الفلسطينية.

■■■

■ أمام كل هذا، خلاصة، تنتصب أمام المرجعيات الفلسطينية واللبنانية والدولية سلسلة مهام يمكن اختصارها بالتالي:

1- التعاطي مع تحديات جائحة كورونا باعتبارها خطراً يهدد كل المجتمع الفلسطيني، وأن وحدة كل المكونات السياسية والصحية والاقتصادية في مواجهة هذا الخطر هي مسؤولية وطنية، ما يتطلب من جميع الأطر تنسيق جهودها وتكاملها في إطار استراتيجية عمل وطني وصحي واقتصادي، بالتنسيق والتعاون مع جميع الهيئات والمؤسسات المعنية.

2- التعاطي مع وكالة الغوث باعتبارها المؤسسة المسؤولة عن الحالة الصحية للمخيمات، بالتنسيق مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وغيرها من المؤسسات الصحية، ما يفترض إقرار خطة طواريء صحية، مع كل ما يتطلبه ذلك من حشد للدعم الدولي لتجهيز بنى صحية، تكون قادرة على التعاطي مع كل الاحتمالات.

3- دعوة الدولة اللبنانية لتحمل مسؤولياتها عن المخيمات، من موقع السيادة على الأراضي اللبنانية، وحمايتها، إقتصادياً وصحياً واجتماعياً، عملاً بما جاء على لسان رئيس الجمهورية. لذلك ندعو الدولة مد استراتيجيتها الصحية إلى المخيمات سواء عبر الوزارات المعنية أو عبر البلديات، والطلب من المؤسسات الدولية دعم مؤسسات الوكالة والمؤسسات الصحية في المخيمات، وتوفير مساعدات إقتصادية لها.

 4- العمل على تشكيل هيئة إغاثة لدعم صمود اللاجئين الفلسطينيين يساهم فيه رجال الأعمال والمقتدرون الفلسطينيون والمؤسسات المعنية، لتوفير مستلزمات العمل الصحي والإغاثي، في المخيمات، ودعوة أبناء الجاليات الفلسطينية في الخارج إلى المساهمة في الصندوق.

5- مواصلة الحملات التوعوية والعمل بموجب إرشادات وتوجهات المؤسسات الصحية، سواء بما يتعلق بالوقاية والنظافة، أو لجهة العزل المنزلي، ما أمكن، باعتباره من أنجع وسائل الحماية، وتشجيع المبادرات الانسانية التي تعزز صيغ التعاون والتنسيق والتكافل الإجتماعي■

علي فيصل- عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد