خلف طاولة صغيرة داخل محله الصغير في مخيم عايدة بمدينة بيت لحم بالضفة المحتلة، يبدع الفنان الفلسطيني أكرم الوعرة بتحويل قنابل الغاز المسيّلة للدموع التي يلقيها جنود الاحتلال الإسرائيلي صوب الشبان الفلسطينيين إلى تحف فنية جميلة يتحدى بها المحتل، فهو استطاع تغيير المعادلة، وصنع من أدوات الموت حياة جديدة.
وبأسلوب فني مبتكر تمكن الوعرة من إزالة أثار الاحتلال الإسرائيلي المحيطة بكل ركن من أركان المخيم، وكافة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، فالألوان والمزركشات الجميلة التي يستخدمها توحي لمن يشاهد أعماله الفنية بأنها صُنعت من مواد خام، ولكنها في حقيقة الأمر صنعت من مخلفات الاحتلال التي يقتل بها الفلسطينيين.
قطعة صنعت للإيذاء فحولها إلى تحفة
استحضر أكرم الفكرة أثناء المواجهات الدائرة بين شبان المخيم وجنود الاحتلال الإسرائيلي قبل ست سنوات بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عندما وجد عدد من القنابل الفارغة على باب محله الذي اضطر إلى إغلاقه خلال فترة المواجهات نظراً لقربه من جدار الفصل العنصري، فأخذ واحدة للمنزل.
وقرر أن يصنع شيئاً مختلفاً من هذه القنبلة التي تشكل مصدرًا للشر، وتحويلها إلى شيء يستفيد منه الآخرون بدلاً من إلقائها في الشارع وتسبيب الأذى والاختناق للناس، وبدأ بجمع القنابل الفارغة بشكل مستمر، وإعادة تدويرها وصناعة اكسسوارات، وحُلي، وأشكال فنية جميلة.
ويشهد مخيم عايدة الذي يقطن به الفنان الوعرة مواجهات متكررة بين الشبان وجنود الاحتلال، إضافة إلى مرور جنائز الشهداء من المخيم، حيث أن الجيش الإسرائيلي يطلق قنابل الغاز المسيّل للدموع على الفلسطينيين، الأمر الذي يدفع أكرم إلى جمع أكبر قدر ممكن من القنابل الفارغة ليعيد تدويرها.
تشجيع الأصدقاء والعائلة
يقول الوعرة في حديثه لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" : "أول قطعة زخرفية لاقت إعجاب الأصدقاء والعائلة، وشجعوني على الاستمرار بذلك، وبدأت بجمع القنابل الفارغة من أزقة المخيم والمخيمات الأخرى، وفي بعض الأحيان أشتريها من بائعي الخردة، وأيضاً أتوجه إلى نقاط التماس حيث يوجد الكثير من القنابل نظراً لكثرة المواجهات."
يضيف" بدأت بصناعة الأشياء التي تعبر عن القضية الفلسطينية ورمزيتها مثل "حنظلة، خارطة فلسطين، أشكال تعبر عن حق العودة، وإكسسورات مصغرة"، وأعرضها داخل محلي المخصص لبيع المنحوتات الخشبية، وبدأ الزبائن يقبلون على شراء ما أصنعه، وخاصة السياح القادمين إلى المخيم."
ويشير إلى أن أصدقاءه والسياح الأجانب يجمعون فوارغ القنابل من مدن الضفة الغربية المختلفة، ويأتون بها إليه ليعمل على إعادة تدويرها، إذ أنه عندما يشتري الأجانب القطع الفنية منه يشرح لهم كيفية إعادة التدوير، وكيف وصلت إلى تلك المرحلة، وما هي المعاناة التي تسبب بها القنابل التي يلقيها جنود الاحتلال بشكل متكرر.
مهنة خطيرة
يؤكد أكرم أن العمل بتلك المهنة أمر ليس بالسهل، فإعادة تدوير القنابل وتنظيفها، واستنشاق المواد السامة سببت له الأمراض الجلدية والتنفسية، وسوف تؤثر عليه مستقبلاً، لافتاً إلى أن ذلك لن يوقفه عن مواصلة العمل بتلك المهنة لأنه يريد تقديم فن مميز ورسالة سامية.
وتتطلب قنابل الغاز التي يجمعها الوعرة جهداً كبيراً، وتدخل مراحل عدة حتى تصل إلى الشكل المطلوب بداية من التنظيف، والقص، والرسم، والكتابة، وبردختها، وتنظيفها، وتسهيل سطحها، وتبسيطه و تلوينها، للوصول إلى الشكل المطلوب ليدهش السياح بالتحف الفنية التي تتكلم حباً وسلاماً.
أرفض أن يعمل أبنائي بقطع تحمل كل تلك السموم
ويعمل أبناؤه الأربعة على مساعدته في جمع القنابل الفارغة، وفي المراحل النهائية لإنتاج أعماله، ولكنه يرفض تعليمهم تلك المهنة، وأن تكون مصدر دخل لهم، وبسؤاله عن السبب أبلغ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن تلك المهنة شاقة وخطيرة على الصحة، وتحتوي على مواد سامة، لذلك لا يريد أن يعملوا بهذا المجال حتى لا يصابوا بالأمراض مثله.
حب المهنة
يخبر أكرم بوابة اللاجئين الفلسطينيين أنه على الرغم من المخاطر التي يتعرض لها خلال صناعة الحُلي والإكسسوارات من القنابل الفارغة، إلا أنه يحب تلك المهنة ويستمتع بها ولا يترك مكان عمله إلا أوقات تناول الطعام والنوم، لأنه يسعى إلى إيصال رسالته ورسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم أجمع.
قطعة منحوتة تخبر الكثير عن الفلسطينيين للعالم
ويشعر الفنان الفلسطيني بسعادة غامرة عندما يقبل السياح على شراء الاكسسوارات منه، وينقلوا رسالته إلى بلادهم، و يشرحوا معاناة الفلسطنيين خاصة سكان المخيمات.
وكان يطمح للوصول إلى العالمية وتنظيم معارض يعرض بها أعماله الفنية، ولكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك لعدم وجود دعم ومساندة من أية مؤسسة سواء حكومية أو مجتمع مدني، إضافة إلى انتشار جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على الحركة والتنقل.