رغم منح نحو 500 عائلة من أهالي مخيّم اليرموك، أذونات للعودة إلى منازلهم الصالحة للسكن، حسبما صرّح محافظ دمشق عادل العلبي لصحيفة " الوطن" السوريّة شبه الرسميّة يوم السادس من كانون الثاني/ يناير الجاري، الّا أنّ سكن هؤلاء في منازلهم يعد ضرباً من ضروب الخيال نتيجة تضررها وتجريدها من كسائها وعدم قدرتهم على ترميمها و إعادة تأهيلها بالحدّ الأدنى من متطلبّات السكن.
وكان العلبي قد قال في تصريحه، إنّ 500 عائلة حصلوا على الأذون من أصل 1200 تقدموا بطلبات للعودة، بعدما استوفى المقبولين شروط السكن والتي حددها المُحافظ في وقت سابق ولخصّها بـ " السلامة الإنشائية وإثبات الملكية والحصول على الموافقات اللازمة".
وتشير أعداد المقبولين وفق مراقبين، إلى تدنّي نسبة الذين استوفوا الشروط، ولا سيما من ناحية السلامة الإنشائيّة لمنازلهم، حيث لم تقارب عتبة نصف المتقدمين وفق الأرقام التي أعلن عنها المحافظ، ما يعكس حجم المباني والمنازل غير الصالحة للسكن في مخيّم اليرموك مقارنة بتلك المؤهّلة من الناحية الإنشائيّة، في حين تقف عدّة عوامل أخرى دون عودة أصحابها اليها، وأبرزها عدم الحصول على أذونات ترميم وغياب الآلية اللازمة لذلك حتّى اليوم، إضافة إلى أسعار مواد الترميم وإعادة التأهيل ولو بالحد الأدنى لمتطلبّات السكن.
ورغم ضبابية السماح للعائدين بترميم منازلهم من عدمها حتّى هذه اللحظة، حيث لم تصدر قرارات واضحة حول آلية منح الأذونات التي ينتظرها العائدون، "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" رصد على لسان لاجئين سُمح لهم بالعودة، إمكانيّة السكن بالفعل في منازلهم داخل المخيّم، على ضوء حاجتها إلى ترميم وإعادة تأهيل.
اللاجئ من أبناء المخيّم "أبو مؤّيّد" هو أحد الـ 500 الذين حصلوا على إذن عودة مؤخّراً، نظراً لكون المبنى الذي تقع فيه شقته في شارع لوبية، لم يمسّه الضرر، باستثناء تجريده من كافة بناه التحتية والخدميّة وسرقة كافة تجهيزات منزله على يد عصابات النهب التي غزت وماتزال تغزوا المخيّم إلى اليوم.
وقال لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّه منذ حصوله على إذن العودة قبل 3 أسابيع، بدأ في التفكير بإعادة تأهيل منزله الذي يحتاج إلى أبواب وشبابيك، وتمديدات صحيّة وبعض العدد الضرورية لجعله صالحاً للسكن، نظراً لتعرّضه لعمليات سلب ونهب واسعة، طالت كافة البنى التحتية للمنزل، ليتفاجأ بعد أن أحصى التكاليف بأنها تتجاوز 350 الف ليرة سوريّة، علماً أنّ البضاعة التي سيشتريها مستخدمة وليست جديدة حسبما أشار.
تكاليف إعادة تأهيل منزلي في المخيّم بالحد الأدنى توازي أجرة المنزل الذي أعيش فيه لمدّة عام ونصف العام
ويعجز "أبو مؤيّد" عن استيفاء تكاليف تأهيل تجهيز منزله بالحدّ الأدنى، وهو مبلغ كبير جداً من النادر أن يتوفّر لدى أيّة أسرة مهجّرة من مخيّم اليرموك في المناطق الجنوبيّة حسبما أكّد، وهو الذي يسكن في منزل مُستأجر في بلدة يلدا بقيمة 15 الف ليرة سوريّة، ما يعني ذلك أنّ تكاليف تأهيل منزله في الحد الأدنى تتجاوز تكاليف أجرة المنزل الذي يسكنه أكثر من عام ونصف العام.
أمّا اللاجئ " أبو صلاح الزين" من سكّان شارع العروبة ومهجّر في بلدة يلدا، يقول إنّ منزله يحتاج إلى ترميم بعض جدرانه التي اخترقها الرصاص وشظايا القذائف وأحدثت فيها فتحات كبيرة، ويشير إلى أسعار البلوك والاسمنت وسواها من مستلزمات ترميم ويقول: إنّ سعر كيس الاسمنت الذي يأتي إلى المنطقة الجنوبية قرابة 60 الف ليرة سوريّة، عدا عن أسعار البلوك المرتفعة والتي تصنّع في مكابس وورش مناطق الحسينية والسيدة زينب حيث بلغت سعر القطعة الواحدة مقاس 10 سم 450 إلى 500 ليرة سورية.
ويعد ارتفاع أسعار مواد الترميم في سوريا، عاملاً يحقق استحالة عودة الأهالي إلى منازلهم على المدى المنظور حسبما تشير المعطيات المتعلقّة بأسعار مواد البناء، حيث يتواصل ارتفاع أسعارها نظراً لانهيار قيمة العملة السوريّة المتواصل، وضعف الموارد المعيشيّة للاجئين الفلسطينيين في ظل انخفاض الأجور وارتفاع نسب البطالة.
تكاليف الترميم للمنازل المتضررة جزئيّاً لا يمكن توفيرها في ظل ارتفاع الأسعار دون دعم حكومي أو من منظمة التحرير والأونروا
وبحسب مواقع سوريّة ترصد أسعار مواد البناء، فإنّ سعر طن الحديد المبروم قد ارتفع خلال الأشهر الثلاث الأخيرة ما يقارب 55 $ حيث بلغ سعر الطن الواحد مليونين و300 الف، بينما تراوح سعر طن الاسمنت بين 300 إلى 350 الف ليرة سوريّة، فيما تواصل اسعار البلوك ارتفاعها نظراً لكون انتاجه مرتبط بأسعار الاسمنت والرمل والوقود إضافة إلى أجور العمّال.
وتعقيباً على ذلك، يشير اللاجئ " أبو صلاح" إلى أنّ تكلفة ترميم جدران منزل وتجهيزه بالمرافق الصحيّة والبلاط والدهان، لا يمكن لأيّ لاجئ مهجّر من مخيّم اليرموك أن يقدر على تأمينها دون دعم من الجهات الحكومية ومن المسؤولين عن الشعب الفلسطيني سواء منظمة التحرير أو وكالة " الأونروا".
وحول دعم أهالي المخيّم، كانت الفصائل الفلسطينية قد عقدت اجتماعاً في مقر المجلس الوطني الفلسطيني بدمشق، يوم 21 كانون الأوّل/ ديسمبر 2020 الفائت، وبثّ بعض الأمل في نفوس أهالي مخيّم اليرموك، وخصوصاً ممن حصلوا على أذونات عودة إلى منازلهم مؤخرّاً.
وكانت الفصائل قد اتفقت خلال اجتماعها، على تشكيل لجنة اتصال مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله المحتّلة، والتنسيق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مهمتها توفير الإمكانيات الماديّة لمساعدة أهالي مخيّم اليرموك، وهو ما وضع العديد من الاجئين في حالة انتظار لعمل اللجنة المرتقبة، نظراً لسوء أوضاعهم المادّيّة، وعجزهم عن إعادة تأهيل الأساسيات في منازلهم لتصبح صالحة نوعاً ما للسكن، ولكن دون نتائج تذكر حتّى هذه اللحظة.
يأتي ذلك، بالتوازي مع استمرار عمليات السلب والنهب المعروفة بـ" التعفيش" حيث تواصل مجموعات اللصوص نهب ما تبقى من مقتنيات ومستلزمات البنى التحتيّة، ورصد "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عن لاجئين تأكيداتهم، تواصل عمليات هدم الأبنية السليمة بغية سرقة الحديد ومواسير التمديدات الصحيّة، كما أكّد آخرون أنّ العائلات التي تعود إلى المخيّم غير آمنة على ممتلكاتها التي تجلبها إلى منازلها، بسبب التواجد المكثّف للصوص الذين يعملون كعصابات سرقة منظمّة.