أكَّدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، على أنّ قضية الأسير محمد خليل الحلبي من مُخيّم جباليا للاجئين تشكّل نموذجاً قوياً على مستوى استهتار سلطات الاحتلال الصهيوني بحريّة عمل ناشطي المجتمع المدني في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن تحمل مسئولياته.
ولفتت المنظمة في تقريرٍ حقوقي لها، إلى أنّ سلطات الاحتلال تواصل احتجاز الأسير محمد الحلبي لأكثر من أربعة سنوات وفق اتهامات ملفقة بدعم المقاومة، وذلك على صلفة بدوره القيادي في مؤسسة الرؤيا العالمية World Vision التي يتولى موقع مدير مكتبها في الأرض المحتلة، عقابه له على نشاطه الذي يوفر بعض الدعم الإغاثي للأسر الفقيرة وأصحاب الحالات الصحية الحرجة وذوي الإعاقات والصيادين المضارين من الحصار والمزارعين الذين تم تجريف أراضيهم وقطع المياه عنها.
وقالت المنظمة إنّها تتابع المأساة التي تتواصل بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وما تشكله من حزمة من الانتهاكات الجسيمة لأحكام القانون الإنساني الدولي، ويرقى بعضها إلى جرائم الحرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة للعام 1949 الخاصة بتنظيم معاملة أسرى الحرب، واتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 الخاصة بتنظيم معاملة المدنيين تحت الاحتلال، حيث يبلغ تعداد الأسرى الفلسطينيين أكثر من 4400 أسير في السجون، بينهم 40 امرأة، و170 طفلاً، كما من بينهم نحو 400 معتقل إداري في واحدة من أسوأ أنماط الاحتجاز التي يعانيها جزء من الأسرى الفلسطينيين.
القتل البطيء للأسرى
وبيّنت أنّه وعلى الرغم من استجابة سلطات الاحتلال رسمياً لقرار المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية بتطعيم الأسرى الفلسطينيين ضد انتشار وباء "كوفيد – 19" القاتل، فقد ارتفع عدد المصابين بالوباء إلى أكثر من 300 أسير فلسطيني وفقاً للأرقام الرسمية المنقولة عن سلطات الاحتلال، والتي تثور الكثير من الشكوك حول صدقيتها نظراً للتكدس الكبير للأسرى الفلسطينيين، وخاصة في سجني "الجلبوع" و"ريمون"، وتشير التقارير الميدانية الفلسطينية إلى وجود قرابة 700 أسير فلسطيني في حالة مرضية سيئة يفتقدون معها للرعاية الطبية اللازمة، بينهم 12 أسيراً على حافة الموت بسبب الإصابة بأمراض السرطان، ما يفاقم المخاوف حول سياسية منهجية تستهدف نشر الأمراض الخطيرة بين الأسرى في عملية "قتل عمدي بطيئة".
وأشارت إلى أنّه قد توفي خلال الشهور الماضية أربعة من الأسرى بعد تدهور حالتهم الصحية للافتقاد للرعاية الطبية المناسبة، ما يرفع عدد الوفيات إلى 73 أسيراً في سجون الاحتلال.
ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان
وقالت المنظمة في تقريرها إنّها تابعت خلال السنوات الستة الأخيرة، ملاحقة سلطات الاحتلال للمدافعين عن حقوق الإنسان وناشطي المجتمع المدني، حيث أشار التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي في أعداده الصادرة 2015 - 2017 – 2018 إلى سلسلة الملاحقات التي طالت المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين والدوليين، وناشطي المجتمع المدني، وشملت النماذج المتنوعة التي رصدتها تقارير المنظمة وقاعدة معلومات الانتهاكات الموثقة الضغوط على رئيس لجنة التحقيق الدولية في عدوان 2008 – 2009 للعدول عن نتائج التقرير التي خلصت إليها اللجنة – رغم انتهاء ولايتها واعتماد تقريرها من جانب مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في ظل إخفاق المجتمع الدولي عن إطلاق مسار الملاحقة الجنائية الواجب بحق مرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما شملت النماذج الضغوط على الخبير الحقوقي الكندي "ويليام شاباس" بعد توليه رئاسة لجنة التحقيق الدولية في أحداث عدوان صيف 2014، والذي قاد إلى إجباره على الاستقالة مع فشل المجتمع الدولي في توفير الحماية له وتجنيبه التهديدات الصهيونية، وما زالت سلطات الاحتلال تعرقل عمل اللجنة الأممية حتى الآن.
وتابعت المنظمة: كما تركزت ضغوط سلطات الاحتلال بحق المجتمع المدني الفلسطيني بالتركيز على منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية الرئيسية، وخاصة من خلال ملاحقة واضطهاد مدير مؤسسة الحق "شعوان جبارين"، ومنعه من السفر لفترات مطولة، وشمل ذلك أيضاً ملاحقة كوادر مركز الميزان لحقوق الإنسان عبر وسائل التنصت ورسائل التهديد والمراقبة الالكترونية والهجمات عبر الانترنت، وإطلاق الحملات على الناشطين الأجانب في المركز الذين ينشطون في تنفيذ خطة المركز للملاحقة الجنائية الدولية في لاهاي، واستأنفت سلطات الاحتلال ملاحقة كوادر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عبر ذات الوسائل، فضلا ًعن محاولة الإساءة للمركز بتحميله المسئولية عن فشل سلطات الاحتلال في الوفاء بمسئولياتها الثابتة في القانون الدولي بتيسير عبور الحالات الصحية الحرجة في قطاع غزة المحاصر لتوفير الرعاية الطبية الضرورية لإنقاذ حياتهم، ما دعا المركز لإعلان تجميد جهوده في مخاطبة سلطات الاحتلال بتحمل مسئولياتها القانونية تجاه هؤلاء المرضى.
الأسير محمد الحلبي.. نموذج حالة
وأردفت بشأن الناشط محمد الحلبي: تم عرض الأسير الحلبي على المحاكم "الإسرائيلية" لأكثر من 140 جلسة دون بت في الاتهامات، ودون استجابة لطلبات محامي الدفاع بالسماع للشهود وعرض الأدلة ومناقشتها، فضلاً عن تعرضه للتعذيب الذي تتفرد سلطات الاحتلال عالمياً بتقنينه، وتحول دون تلقيه للعلاج اللازم لإصاباته جراء التعذيب ووصول الدواء اللازم لحالته الصحية.
وأكَّدت المنظمة في هذا الجانب، أنّ تراخي المجتمع الدولي عن التدخل لإنهاء معالجة قضية الأسرى الفلسطينيين يمثل تشجيعاً لسلطات الاحتلال على مواصلة انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مُطالبةً كل من السكرتير العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان للتدخل فوراً لوقف ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملون في المجال الإنساني.
وفي ختام تقريرها أيضاً، طالبت المنظمة المحكمة الجنائية الدولية بسرعة فتح تحقيق شامل في الانتهاكات "الإسرائيلية" بحق الأسرى الفلسطينيين، وفق الجرائم المعاقب عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.