حقق القاص الفلسطيني أحمد أبو حليوة، حلمه أو مشروعه بتأسيس مساحة تجمع الأدباء والفنانين والشعراء من كل بقاع الأرض، لتبادل المعارف والإبداعات مع الفلسطينيين.
يعتبر أبو حليوة هذا المكان الذي يصر على تسميته بالبيت "صرخة على درب النضال الفلسطيني، وسبيلاً للحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية".
في طفولته، كان أحمد شغوفاً بالقراءة والكتابة، الذين رافقاه إلى ريعان شبابه، فأسس البيت الأدبي للثقافة والفنون، نتيجة افتقاد الساحة الثقافية الأردنية لمنبر أدبي، كما أخبرنا، إضافة إلى أنه قصاص جيد للحكايات كتابة وشفاهية، وله مجموعتان قصصيتان: (سعير الشتات) و (رجل آخر).
يعقد لقاء في منزل أحمد مساء الخميس الأول، من كلّ شهر، منذ 17 عامًا إلى هذه اللحظة.
بدايةً أسسه في عمّان عام 2004 تحت عنوان "صالون أحمد أبو حليوة الأدبي" والذي بقي في العاصمة لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى مدينة الزرقاء، وأسماه بعد ذلك "البيت الأدبي للثقافة والفنون" .
أبو حليوة لاجئ فلسطيني لأب فدائي يحمل الجنسية الأردنية، ولد في سوريا عام ١٩٧٤، وقضى هناك العام الأول من عمره في مخيم اليرموك ، قبل أن ينتقل إلى مدينة الزرقاء، ومن ثم إلى العاصمة عمّان، وأنهي المرحلة المدرسية في الأردن، وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1997، وعمل في المدارس الحكومية الأردنية بدءاً من عام ١٩٩٨.
ابن مخيمين: البقعة واليرموك
وعن تأثير المخيم في كتاباته الأدبية يقول أبو حليوة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "أعتبر نفسي ابن مخيمين: مخيم البقعة في الأردن ومخيم اليرموك في سوريا، وكلاهما صاحبا فضل سخي عليّ في هذا المضمار، فالبقعة الذي توجد فيه نصف عائلتي صقل شخصيتي، وترددي الكبير عليه وأنا صغير، واستلامي "المؤن" منه لعدة سنوات علمني الكثير، وانعكس هذا في عدة قصص لي مثل قصة (أبو أحمد بلال) و(الحاجة فاطمة) و(مازال ينتظر)، أما اليرموك فكان بداية الانطلاق الأدبي والثقافي، ومنه استقيت الكثير من أبجدية كتاباتي، لذلك أدين للمخيم حياة ومحفزاً ومفهوماً بالكثير لما له من بالغ الأثر علي".
الثقافة حصن في مواجهة أعدائنا
"الثقافة حصن مهم من حصون الصمود في مواجهة أعدائنا وعلى رأسهم العدو الصهيوني، فهي تعمل على الرقي بأذواقنا وإضاءة الطريق أمامنا، إضافة إلى رفع مستوى الوعي، خاصة للجيل الجديد الذي يحتاج إلى مزيد من التوجيه الحكيم لا الوعظ التقليدي والإرشاد الجاف من أجل النهضة به"، كما يقول أبو حليوة الذي لم يتوقف بيته الأدبي عن عقد لقاءاته الدورية خلال جائحة كورونا، فثاني أيام إعلان الحظر الشامل في الأردن، بدأ ببث برنامج مباشر عبر "فيسبوك" بشكل يومي على مدار شهرين، ومن ثم حوّله إلى برنامج أسبوعي لمدة ساعتين، وهو برنامج أدبي ثقافي ترفيهي منوّع، يبث على صفحته في الساعة العاشرة مساء كل يوم إثنين، بمشاركة كبيرة من أفراد أسرته، واللقاء عن بعد فتح المجال لأحمد للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المبدعين في الوطن العربي.
يؤكد أبو حليوة أن "البيت الأدبي يعني لي الحياة، أن تكون الأب الروحي للكثيرين، وأنت الذي لم تكن يومًا أبًا حقيقيًا لأحد، أن تكون الدكتاتوري الذي يعطي لهذا المفهوم نكهة أخرى، تقوم على النظام والتنظيم الذي يراعي البعد الإنساني، بعيدًا عن القمع وتحقيق المصلحة الشخصية، فهو الواقع الذي جعلناه بدفئنا وإبداعنا وإراداتنا وصدقنا في العطاء يفوق الحلم".
البيت الأدبي وطن لجميع المثقفين
منذ 6 سنوات انتسبت الكاتبة لادياس سرور، التي تقطن مخيم الأمير حسن، إلى البيت الأدبي، تقول: إنه لامس روحها وكان وطنًا لها ولجميع المثقفين، فهو صرح يحتضن الكثير من المبدعين بشرائح وأعمال مختلفة، ينمي موهبة المبدع الذي يأتي هاوياً ومع الوقت يصبح متمكناً وقادراً على العطاء أكثر، كما وصفت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
سرور ارتادت العديد من الأماكن الثقافية، لكنها لم تجد مكان يحتوي إبداعها ويصقل من شخصيتها الفنية مثل البيت الأدبي، الذي كان خير معلم لها، فبالنسبة لها، هي أخذت الحكمة من إدارة أحمد، الذي يسعى ويتمنى أن تنتقل تجربة البيت إلى كل بقاع الأرض، حتى يضم كل مثقفي الوطن العربي.
نحاكي واقع المخيمات ونسرد قصصها
تقول سرور لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "نحاكي واقع المخيمات ونسرد قصص قاطنيها وتجاربهم من خلال الفقرات المتنوعة التي تصاحب كل لقاء أدبي، القصائد الشعرية والندوات الثقافية و الموسيقى والعروض المسرحية ، خاصة أن المسرح يجمع مختلف أجناس الثقافة ببوتقة واحدة، إضافة إلى وجود أعضاء من كبار السن مهمتهم تعريف الجيل الجديد بالقضية الفلسطينية وتاريخيها وسرد الحكايات التي عاشوها خلال اللجوء، والنكبة، من أجل رفع الوعي الجمعي".
تتابع: "الفقرة الأساسية هي فقرة الضيف الذي يختارها أحمد بعناية، وفقرة النقد البناء لتطوير المبدع ، إضافة إلى المعرض الفني والتفاعل الاجتماعي، و القراءات الأدبية والشعرية التي يتخللها النقد".
تضيف: في ظل جائحة كورنا لم تنقطع لقاءات البيت الأدبي رغم كل شيء كان صامدًا، استمر أحمد بعقد اللقاءات عن طريق بث مباشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، من خلال برنامجه (سهرة مع أحمد ابو حليوة) بقيت المسيرة مستمرة بكل عطاء رغم الأزمة.
نتعرف على فلسطين من خلال أبنائها
الصدفة جمعت الشاعر العراقي سعد يوسف مع القاص أحمد أبو حليوة، خلال زيارتهم معرضاً للفن التشكيلي، فوجه أحمد له دعوة لحضور فعاليات الصالون الثقافي، فكان الشاعر من أوائل من ارتاد البيت الأدبي في بداية تأسيسه .
أعجب يوسف بالفكرة كثيراً، خاصة أنه وجد شاباً في مقتبل عمره يكرس وقته وجهده من أجل دعم الثقافة والفن، رغم حاجته لمن يدعمه.
يقول يوسف: "كان يمضي الوقت سريعاً في حضرة محبي البيت الأدبي، الذي يرتاده نخبة النخبة ممن يخدم الفن والثقافة ويتقبل النقد البناء، على خلاف ما يحدث لبعض الشباب الذين يتعرضون للنقد الهدام في بداية انطلاقتهم، ما يؤثر سلبًا عليهم لدرجة تصل إلى انسحابهم من هذا المجال كلياً".
تعرف سعد على فلسطين بمدنها ومخيماتها وشوارعها من خلال القصص التي سردها أبناؤها، فكانوا صوتها المنطلق من الأردن.
هو بدوره، في كل لقاء يلقي قصيدة جديدة من كتابته الشعرية بوزن ولهجة مختلفة، من أجل نشر الثقافة الشعرية العراقية الشعبية كتابة وإلقاء إلى كل الحضور، خاصة أن أحد الأهداف الأساسية للبيت الأدبي التبادل الثقافي والتعرف على حضارة وتاريخ وإرث الدول العربية، فأعضاء البيت الأدبي مثل الفسيفساء كل حجر له لونه ومكانته المناسبة.
لفت انتباه سعد أن هناك شباب في مقتبل عمرهم، اتجهوا إلى البيت الأدبي، المكان الذي يجمع محبي المتعة والثقافة والفن، بأجواء مليئة بمشاعر المحبة.