ربما هي ليست المرّة الأولى التي تخرج دعوات في لبنان، تستهدف بشكل خاص اللاجئين الفلسطينيين فيه، وتدعوهم نحو الهجرة، هجرة تبدو للوهلة الأولى أنها للبحث عن حياة أفضل في كندا أو أوروبا أو الولايات المتحدة، إلا أنها في طياتها تحمل الكثير من التساؤلات.
آخر الدعوات تلك التي خرجت بها هيئات شبابية تُمني اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه الأيام ظروفاً هي الأسوء منذ سنوات اللجوء الأولى، بالهجرة نحو بلاد تؤمن لهم الحياة الكريمة، ولكن ما تحمله هذه الدعوة إلى الهجرة الجماعية عبر تفويض محامي ليُطالب لهم بالتعويض عن ممتلكاتهم التي فقدوها إبان النكبة عام 1948 في فلسطين، مع مستندات ملكية وبطاقة التسجيل في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" هو ما يثير الشكوك والريبة، إزاء ما وصفته مؤسسات أهلية في لبنان بالمخطط السياسي لتصفية حق اللاجئين بالعودة.
الدعوات تستغل حالة اليتم التي يعيشها الفلسطينيون في هذا البلد، وعدم قدرة المرجعية السياسية الفلسطينية سواء منظمة التحرير أو الفصائل على تحسين أوضاعهم المعيشية والضغط على الدولة المضيفة والمجتمع الدولي من أجل تحصيل الحقوق الإنسانية والمعيشية لهؤلاء اللاجئين.
مراقبون يرون أن تقصير الطبقة السياسية الفلسطينية ساهم في فتح ثغرات داخل مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تمرر عبرها هذه الدعوات وغيرها، وعلى ما يبدو فلا تزال منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية مجتمعين عاجزين أو غير مدركين لحجم المسؤولية الموضوعة أمامهم في تمثيلٍ يدّعونه للاجئين.
ورغم ظهور الدعوات، وتهديدها فعلياً لكينونة المخيمات كجسر نحو العودة، وما يثار حولها من مخاوف إلا أن ردود فعل أغلبهم لا تتعدى سوى الهجوم على لاجئين اقتنعوا بالدعوات لأنهم لا ينشدون سوى العيش بكرامة وغير واعين للمخاطر السياسية.
يظهر ذلك واضحاً، في تأكيد أمين سر حركة فتح في منطقة صيدا، ماهر شبايطة، أنّ "هيئة العمل الفلسطيني المشترك كانت قد أصدرت بيانًا طالبت فيه الأجهزة الأمنية اللبناينة ملاحقة المسؤول والمروج لهذا العمل المشبوه"، وفق وصفه.
وأضاف شبايطة في حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أنّ "الهدف من دعوات الهجرة، هو دفع الناس إلى التخلي عن حقهم في العودة إلى أرضهم فلسطين".
وتابع: "حملنا السلاح بوجه الاحتلال الإسرائيلي، ما قبل احتلال الضفة وغزة، ما يعني أنّ الثورة الفلسطينية انطلقت للمطالبة بالعودة إلى أرضنا في الـ48، ولن يثنينا أحد عن التخلي عن هذا المطلب، ونحن متمسكون ببقائنا في المخيمات إلى حين العودة إلى أرضنا".
ولكن القيادي الفلسطيني لم يشر إلى خطط تنهي الأوضاع البائسة للاجئين أو تخفف من حدتها، وتوفر لهم مقومات الصمود في مخيماتهم مقابل التهافت نحو إعطاء تفويض لا يبدو أنهم يدركون عاقبته السياسية.
مواجهة دعوات التفويض بمشاريع خدماتية تنهض بالمجتمع الفلسطيني
حول ذلك تحدث مسؤول مكتب اللاجئين في حركة حماس في لبنان، أبو أحمد فضل، وجود مسؤولية تقع على عاتق الفصائل الفلسطينية، سمحت فيه بتزايد وتسهيل خروج تلك الدعوات، وقال: إنّ "مواجهة دعوات الهجرة يجب أن يكون يكون عبر إيجاد وتنفيذ مشاريع خدماتية قوية وموازية للمشاريع التآمرية التي تستهدف شبابنا وأبناء شعبنا الفلسطيني المنكوب".
وأوضح القيادي في حماس، خلال حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ "المشاريع التنموية ستساهم بشكل مباشر تعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني والنهوض به داخل مجتمعه".
وأكد أبو فضل، "دعوات الهجرة تتربص بالشعب الفلسطيني في لبنان، وتستهدفه بعد كلّ أزمة اقتصادية وصحية واجتماعية، وتحثه على الهجرة والتخلي عن مخيمه وأرضه في فلسطين، وما هي تلك الدعوات إلا دعوات تآمرية بحتة".
ودعا أبو فضل، اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلى الصمود وتحمّل الصعاب وأن لا يضعفوا أمام مشاريع الهجرة والتنازل عن فلسطين.
كلام فيه الكثير من التفاؤل، لولا أن تصريحات اللاجئين الفلسطينيين وشكاويهم لا تزال تستغرب من آلية عمل مشاريع الفصائل الفلسطينية ومؤسساتها داخل المخيمات، وتتحدث عن محسوبيات وتمييز بين لاجئين منتمين لها وآخرين لا، سواء في التوظيف أو أحياناً تقديم المساعدات.
فساد داخل الفصائل حال دون وجود مشاريع تنموية
تشير إلى ذلك المتحدثة الإعلامية باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، انتصار الدنان بالقول: "وجود فساد داخل عدد من الفصائل الفلسطينية، ساهم بعدم إيجاد مشاريع تنموية داخل المخيمات الفلسطينية".
وتحمل الدنان الفصائل الفلسطينية وزر ومسؤولية عدم إيجاد مشاريع إنمائية داخل المخيمات، وهي التي كان بإمكانها خاصة إبان الثورة الفلسطينية، أن تفتح مشاريع كأفران ومستشفيات وروضات تُشغل اللاجئين الفلسطينيين.
وتتابع: "كان الأجدى بالفصائل أن تخرج مجتمعة ومنذ أكثر من 70 عامًا بقرار تطالب فيه بالسماح للاجئ الفلسطيني بالعمل في لبنان، مثله مثل أي لاجئ أو مقيم في العالم".
كذلك أشارت الدنان، إلى تواطئ "بعض المسؤولين في الدولة اللبنانية مع أعداء الشعب الفلسطيني، على تقديم خدمات للكيان الصهيوني، على شكل إرهاب اللاجئين الفلسطينيين وتجويعهم وعدم إعطائهم لحقوقهم".
ما يزال الانقسام الفلسطيني خطراً يهدد اللاجئين
هذا يعني أن الأزمة السياسية الفلسطينية الداخلية هي من تتربص بالفلسطينيين، فطالما لا يظهر على الفصائل الرغبة في جمع شتات أمرها بروح وطنية، والتغلب على المصالح الحزبية، كيف لشعب لاجئ تتآكله الظروف الاجتماعية والاقتصادية من جهة والمشاريع الصهيو- أمريكية من جهة ثانية أن يصمد.
في هذا السياق، يقول مسؤول الإعلام في الجبهة الديمقراطية، فتحي كليب: إنّ "الحلّ أمام معضلة هجرة اللاجئين يكون بإعادة الثقة ممن غرر بهم، عبر إعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني".
ويضيف كليب: إنّ "الحملة الداعية للهجرة من لبنان، ليست وليدة اليوم بل بدأت مفاعيلها منذ اللحظات الأولى لوصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وفي إطار مشروع دعا بصراحة إلى القضاء على حق العودة مستغلين الأوضاع الاقتصادية الراهنة".
وبحسب كليب فإن الفصائل واللجان الشعبية والمؤسسات جميعهم مدعوون للبحث عن حلول للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف باللاجئين الفلسطينيين، ووضع خطة وطنية تستجيب للحدّ الأدنى من المطالب لأبناء شعبنا الذين يعانون من مشكلات اقتصادية ومعيشية.
ويؤكد "على ضرورة الضغط على وكالة الغوث كي تستجيب وتتحمل مسؤولياتها لجهة تأمين خطة طوارئ اقتصادية لحل مشكلات اللاجئين الفلسطينيين والتعاطي مع هذه القضية على أنها خطر تهدد مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان".