أدّى امتناع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عن دفع مستحقّات العاملين في برنامج العمل مقابل المال إلى تنفيذ إحتجاجين متتالين أمام مكتب التوظيف ومكتب "أونروا" في منطقة صيدا، كان آخرهما بتاريخ 1 نيسان/أبريل.
و"العمل مقابل المال" هو مشروع يهدف إلى توفير فرص عمل قصيرة لنحو 1000 شاب من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة لمدّة لا تقلّ عن 40 يوم عمل، مقابل مبلغ مالي وقدره 800 دولار أمريكي، من أجل تحسين قدراتهم التوظيفية وبالتالي مساعدتهم كطلاب أو خرّيجين جدد على تحسين ظروف معيشتهم.
إلّا أنّ الوكالة، إلى الآن، لم تدفع مستحقّات بعضهم كاملةً، رغم انتهاء فترة عملهم منذ 4 شهور تقريباً. فماذا يقول هؤلاء الموظّفين عن ذلك، وعن المشروع وعن ظروفهم بشكل عام؟.
في إطار البحث عن الإجابة تواصل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مع ثلاث شابات وشبّان كانوا جزءاً من المشروع، ولم يحصّلوا مستحقاتهم إلى الآن، وتبيّن أنّ الأشخاص الثلاثة، قد علموا عن المشروع من خلال إعلان مكتب توظيف "أونروا" على وسائل التواصل الاجتماعي.
تأخّر في صرف المستحقات وقضم قيمتها لصرفها بالليرة بخلاف العقد
تقول "هند"وهي إحدى العاملات في المشروع، لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّها تشجعت على التقديم بعد توفّر وظيفة كانت قد اشتغلت فيها من قبل وهي " data entry" ليتم قبولها بعد ذلك في وظيفة أمين مكتبة في جمعيّة في مخيّم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في صور، ولتقبل هي بالوظيفة المقترحة بسبب حاجتها للعمل.
وبحسب الإعلان، يستحق العامل 20 دولاراً أمريكياً عن كل يوم عمل لمدة 40 يوم أي بمجموع 800 دولار، دون تحديد قيمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية، كما يجري صرفه في المشروع.
وعند الانتهاء من العمل، تم صرف دفعة أولى في بطاقات العاملين البنكيّة وقدرها مليون و700 ألف ليرة لبنانية، مما يعني أن الصرف تم على حساب 4000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، ليبقى ميلون و500 ألف تقريباً كدفعة ثانية، كما أفادت "هند"، التي أضافت أنّه يتم سؤال المسؤولين كل فترة لماذا لم يتم صرف الدفعة الثانية إلى الآن، ويكون الرد "أنهم يعملون على تجديد بطاقاتهم البنكية".
المشروع مهم وهادف للخريجين الجدد لكسب الخبرة، الّا أنّ عدم التفريغ في مجال الاختصاص لم يسمح بالاستفادة من الخبرة العملية
"وعدوني أن أقبض 20 دولاراً لمدة 40 يوم، لكن لم أقبض سوى النصف، وما زلت انتظر النصف الثاني من النقود، مع أنّ المبلغ ليس كبيراً، إلّا أنه مهم إلي لأني مازلت عاطلة عن العمل"، تقول هند. وتضيف في إطار تعليقها على فكرة المشروع، أنّ هذه المشاريع مهمة وهادفة خصوصاً للخريجين الجدد، للتمكّن من كسب خبرة ما يمكن إضافتها إلى السيرة الذاتية للعامل، إلاّ أنّ عدم تفريغها في مجال اختصاصها، لم يسمح لها بالإستفادة من الخبرة العملية التي تتطلع إليها، مشيرةً أنّ أولئك الذين تم تفريغهم في مجالات عملهم قد استفادوا من الخبرة، وتمكّن بعضهم من الحصول على فرصة عمل في مجالاتهم.
وتضيف "هند" أنّ نقدها الوحيد للمشروع هو عدم دفع المستحقّات بالدولار، مما يؤدي إلى فقدان هذه المستحقّات قيمتها بسبب إنهيار قمية الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي. وتتساءل في هذا الإطار، لما يتم حساب الدولار على الـ 4000 ليرة لبنانية عوضاً عن سعره الحقيقي في السوق السوداء؟ وهل تصل الأموال إلى الوكالة بالدولار وتأخذ هي الفرق؟ إلاّ أنّ هذه الأسئلة لا يمكن توجيهها مباشرة لموظفي "أونروا"، بسبب تهرّبهم من الأجوبة، وفق قولها.
وأشارت إلى أنّ فرص العمل، مرتكزة أكثر على قطاع الخدمات، مما يعني غياب الفرص للمتخصصين في المجالات الأخرى. وتقول في هذا الإطار: "هناك نقص كبير بالفرص، وحين تقدمت إلى العمل، لم أم أيّة وظيفة على علاقة مباشرة باختصاصي الذي هو برمجة كومبيوترات" إضافة إلى إشارتها إلى أهمية وحاجة الشباب إلى توفير هذه الفرص، ولو بقلة تونعها، بطريقة أكثر إستدامة.
أمّا "مريم"، وهي شابة أخرى عملت مع المشروع في إحدى جمعيات مخيّم برج الشمالي الأهلية، فتؤكد كلام هند، من حيث صرف قيمة العمل النقدية للعاملين كدفعة أولى فقط وتبلغ قيمتها مليون و700 ألف ليرة لبنانية، والاستمرار في انتظار الدفعة الثانية.
وتقول مريم لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "كل أسبوع يقولون لنا ستقبضون مستحقاتكم هذا الأسبوع، وبالرغم من أننا مضينا العقد على أساس أنّ الأجر بالدولار، الّا أنّهم أعطونا إياه باللبناني، ولا نعلم حتّى كم تبلغ قيمة مستحقاتنا، بسبب فرق سعر صرف الدولار".
وعلٌقت مريم على فكرة المشروع مؤكدة أهمته: "لإنه يوفر لنا فرصة عمل وكما ترون فاننا نتخرج ونقعد في المنزل "، حسبما أوردت.
لماذا لا يعطونا مستحقاتنا بالدولار، وموظفي أونروا يقبضون بالدولار ؟!
كما يؤكد خليل، وهو شاب عمل مع المشروع أيضاً، كلام هند ومريم من ناحية آلية الدفع والجزء المدفوع والجزء المتبقّي، و يعبّر عن غضبه وسخطه من إعطائه مستحقاته بالليرة اللبنانية، قائلاً: "أنا قلت لهم اني لا أريد مستحقاتي سوى بالدولار، ولست خائف منهم، منذ 4 أشهر ونحن ننتظر، وكل أسبوع يخرج من يعدنا، وأنا لا أريد مستحقاتي بالليرة اللبنانية بل اريدها بالدولار" ويضيف متسائلاً "لماذا لا يعطونا مستحقاتنا بالدولار، ومظفي أونروا يقبضون بالدولار ؟!".
ويضيف خليل، أنّ موظفي مكتب التوظيف يردون عليهم عندما يطالبونهم بالدفع بالدولار، بأنها ليست مسؤولياتهم، مشيراً إلى شكّه بإحتمالية سرقة هذه الأموال، وطرح خلال حديثه فكرة استبدال هذه المشاريع بمنح تعليم عالي خارج البلاد، اذا كانت الوكالة تريد مساعدة الشباب، حسب قوله.
وكان المعتصمون أمام مكتب "أونروا" قد طالبوا في وقفتهم بأجوبة عن نفس الأسئلة التي طرحها الشباب الثلاث أعلاه، إضافةً إلى مطالبتهم بالإسراع في دفع المستحقات بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وحمّلوا قسم التوظيف مسؤولية هذا التقصير والتهرّب، بصفته الجهة المنسقة بين الطرفين.
وكان المعتصمون قد التقوا مدير "أونروا" في منطقة صيدا، الدكتور إبراهيم الخطيب، في مكتبه، ووعد هذا الأخير إيّاهم بمتابعة الملف ومعالجته مع المعنيين في الوكالة، ليتلقى بعدها، أمس الثلاثاء 6 نيسان/إبريل، العاملون في الجنوب، رسالة حصل موقعنا على نسخة منها، مفادها، أنّ الأموال المستحقّة أصبحت في حسابات أصحابها، والتأخير الحاصل حالياً هو بسبب البنك. وكانت معلومات قد أفادت أن سبب التأخير في الأصل راجع إلى إنهاء الوكالة تعاقدها مع بنك البحر المتوسط، ما أدى إلى انتظار إصدار بطاقات جديدة من بنك آخر.
يُذكر أنّ الأسماء التي جاءت في التقرير كلها مُستعارة، بسبب تخوّف أصحابها من الإفصاح عن أسمائهم الحقيقية، إلى ناحية إمكانية حرمانهم من مستحقاتهم، أو عدم توظيفهم في المرّات المقبلة. وتعيش مريم وهند الآن، عاطلتين عن العمل، بعد تخرّجهما، في ظروف معيشية صعبة، وأحلام متهاوية، مصيرهما مصير عشرات ومئات الخريجين الفلسطينيين العاطلين عن العمل في لبنان.