تُعاني 800 عائلة فلسطينية تسكن تجمع خط السكّة، الكائن على أطرف مخيّم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوب لبنان، من تهميش وحرمان وتخلّي كافة المعنيين عنهم. فوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تعتبر التجمع خارج نطاق خدماتها، والفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية يجدون أنفسهم غير معنيين بهموم ومشاكل الأهالي الفلسطينيين الذين يعيشون في هذا التجمّع، حسبما تُظهر الوقائع، وهو ما يعرّضهم لانتهاكات بعضها بغلاف قانوني، دون حلّ لمأساتهم المزمنة التي تظهرها الوقائع.
ولعلّ أبرز ما يعاني منه أهالي التجمع هو منعهم من تجديد، و ترميم، و صيانة أو إعادة بناء بيوتهم، من قبل الدولة اللبنانية. "ما بيقدر حدا يركّب باب أو شبّاك أو يحطّ حجر، بدو يبقى عايش بالقرف لحدّ م الله يفرجها" يقول فادي حمّود، و أحد سكّان التجمع ممن تعرّض منزله إلى الهدم.
ويشرح حمّود لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قائلاً: إنّ كلّ من يعمل على صيانة بيته يقابل بالسجن، ويتم حجزه إلى أن يتم هدم ما تمّ بناءه. وأنّ عشرات الناس من التجمع كانوا قد تعرّضوا سابقاً للحجز، منهم امرأة خمسينية تم توقيفها إلى أن قامت بهدم منزلها.
حجز أحد أفراد الأسرة إلى حين هدم البناء!
وآخر من تعرّضوا لذلك مؤخّراً اللاجىء الفلسطيني المدعو "أبو عرب الأسمر"، وفي إجراء لا يُمارس سوى على الفلسطينيين، أقدم "مخفر الحسبة" التابع لقوى الأمن الداخلي اللبناني، باحتجاز ابنه "أشرف" البالغ من العمر 19 عاماً، الأربعاء 28 نيسان/أبريل وقام بمساومة والده، على أن يقوم بهدم الغرفة التي قد بناها مؤخرا مقابل إطلاق سراح ابنه.
وما فعله الأسمر، هو بناء جدارين بغرفة ذات سقف من "الزينكو" وهو ما استدعى تدخلات القاضي الذي لم يقبل أن يُفرج عن الإبن إلّا عندما تسلّم صور الجدارين مُهدمين بالكامل.
يقول الأسمر لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "أخرجوا أشرف بعدما هدمنا الجدارين، وكلّما هدمنا من الجدار يقول لنا القاضي اهدموا المزيد" ويضيف: "خرّبوا البيت، وساوموا على موضوع الولد، وهو عمره 19 سنة، زجّوه في السجن ليوم كامل وهو ليس له ذنب بشيء".
وتعيش عائلة الأسمر المكوّنة من 7 أشخاص في بيت تأكله الرّطوبة بالكاد يصلح للسكن، مكّون من غرفتين، حيثُ ينام 3 أولاد مع أختيهم البنتين في غرفة واحدة ضيّقة، وكانت الغرفة التي تمّ هدمها المنفس الوحيد للأولاد في العائلة، إذ لا يستطيع مُعيل الأسرة أن يدفع إيجار بيت في حال نوى الخروج من منزله إلى بيت أكبر.
دون انذار مُسبق ينتظروننا إلى أن ننتهي من الإعمار، وبعدها يحتجزون أحد أفراد الأسرة، ويأمرون فرداً آخر لهدم البناء
بين المخبرين والتهميش الرسمي الفلسطيني
وأسرة الأسمر ليست الوحيدة في خضمّ هذه العاناة، إذ يُعاني كافّة سكان المنطقة من المشكلة ذاتها. و يقول الأسمر معبّراً عن معاناة جمع من الذين يعرفهم، وعن محاولات شيطنة الدولة اللبنانية، بكافّة أجهزتها، اللاجىء الفلسطيني: "الموضوع هذا يمس الكثير من الناس ، وكنت اتمنّى أن لا نسكت عن حقنا، فنحن يجري التعامل معنا وكأننا ما دون البشر، وبطريقة لا اخلاقية ولاإنسانيّة، يتعاملون مع الفلسطينيين وكأننا أناس خارجين عن القانون وناس غير طبيعين."
ومن مظاهر التعامل اللاّأخلاقي مع الفلسطينيين هو انتظار الدولة والمخبرين "من اللاجئين" إعمار أو تصليح المنزل أو الغرفة بالكامل، ليتم الهدم بعد ذلك، إذ لا يُعطى اللاجئين أي إنذار بوقف البناء منذ البداية.
يقول حمّود في هذا الصدد: "ينتظروننا إلى أن ننتهي من الإعمار، وبعدها يحتجزون أحد أفراد الأسرة، ويأمرون فرداً آخر لهدم البناء."
هذه المعاملة يتحمّل مسؤوليتها الساكتين عن حقوق الشعب الفلسطيني في لبنان والمعنيين بشوؤنه، والراضين بإذلاله، وفق الأسمر، إذ حاولت القوى الأمنية في عين الحلوة "لفلفة" الموضوع وحلّه جزيئاً، فكان برأي ممثلها أنّ الحلّ هو أن يتم إزالة "الزينكو" والاتصال بأحد المعنيين من فرع المعلومات. إلّا أنه في رأيه فإنّ الموضوع يحتاج إلى حلّ جذري، فهذه المرّة الثانية التي يتم هدم غرفته فيها، ومعه تم هدم بيوت وغرف لعائلات أخرى..
يقول الأسمر في هذا الصدد، أنه حاول التواصل مع كافّة الجهات الفلسطينية إلاّ أنه "الجماعة مش نافعين لنافعة"، وأنهم لا يعملون إلّا وفق مصالحهم، وأن التجمّعات الفلسطينية في لبنان "ما حدا حاسب حسابها ولا حدا بيطّلع فيها".
ومن مطالب أهالي السكّة التي عبّر عنها اللاجئ من سكّان التجمّع فادي حمّود لموقعنا فتتلخّص بـ "العمل على تسهيل الحياة وإعطاء تصاريح لأهالي السكة من أجل إعادة بناء بيوتهم، و يقول: "أريد بناء غرفة، و أصلح منزلي، وأريد أن أرمم، واذا اردت شراء شقّة فلا يحق لي أن اتملّك" ويضيف: "800 عائلة في منطقة خط السكّة، منظمة التحرير لا تسأل عنهم، ولكننا نريد أن يحكوا بإسمنا".
المسؤولية تقع بكاملها على المسؤوليين وأنه من واجبهم على أبناء شعبهم أن يتحدّثوا باسم الأهالي ويرفعوا أصواتهم ويحاولوا إيجاد حلول جذرية وتسهيلات لمشكلتهم
ويروي حمّود لموقعنا قصة امرأة من التجمّع وقع عليها وعلى عائلتها سقف منزلها أثناء الإفطار في رمضان العام 2020 الفائت، ووكالة "أونروا" لم تتدخّل، هذا إضافة إلى تقصير اللجنة الشعبية للتجمع والتابعة للجنة الشعبية الخاصة بمخيّم عين الحلوة، وإلى قدرة أصحاب النفوذ والمحسوبيات على فعل ما يحلو لهم.
ويرى حمّود أنّ المسؤولية تقع بكاملها على المسؤوليين وأنه من واجبهم على أبناء شعبهم أن يتحدّثوا باسم الأهالي ويرفعوا أصواتهم ويحاولوا إيجاد حلول جذرية وتسهيلات لمشكلتهم. ويُعلمنا أيضاً أنّ أهالي المنطقة كانوا قد اتفقوا على تنظيم مظاهرات والعمل على تصعيد احتجاجات في حال لم يتمّ النظر في قضاياهم.
تهميش للتجمّع حتّى في ظل "كورونا"
وعن الظروف المعيشية والاجتماعية لأهالي التجمع وتهميشهم يُخبرنا حمّود أنّه خلال تفشي جائحة "كورونا"، ظهرت 20 إصابة في التجمّع لم يتم متابعتم أو زيارتهم، من قبل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، على الرغم من أنّ الهلال الأحمر كان يقوم بجولات دورية داخل مخيّم عين الحلوة.
ويضيف أنّ المنطقة لا يوجد فيها أي خدمات، ولا حتّى مستوصف، وأنّ أكبر مساعدة وصلت لهم كانت قيام حركة "فتح" بتوزيع الخبز على عناصرها، وقيام حركة "حماس" بتوزيع مساعداتها على التابعين لها. ورغم ذلك، تبقى أولوية الأهالي حلّ موضوع السكن، وذلك بسبب تضييقات مخفر الحسبة في صيدا وتركيزه على المنطقة.
يقول حمّود في هذا الصدد: "ما بدنا كرتونة ولا ربطة خبز، بدنا يسمحلونا نصلّح بيوتنا، وحتى ما بدنا من حدا مصاري، بدنا يسمحولنا نصلّح على حسابنا."
رأي قانوني: الحل بتدخل قسم الحماية بـ "اونروا" والسفارة الفلسطينية
أمّا من الناحية القانونية، فالتجمّع الفلسطيني في لبنان يُعتبر منطقة لبنانية وأملاك خاصّة وعقار لبناني، ويخضع إلى حكم الدولة المباشر، ويعيش الفلسطينيين في الجنوب اللبناني في هذه التجمعات وسط معاناة كثيرة، إذ يهددون بإخراجهم من مساكنهم أحياناً، رغم أنّ أصحاب هذه الأملاك غائبين عنها منذ سنوات طويلة.
الحلول إمّا بتعهّدات مع أصحاب الأملاك، واستأجارها منهم، أو بإعطاء تعويضات بمبالغ كافية لأهالي المنطقة كي يتسنّى لهم الخروج
وفي رأي حقوقي، يقول مدير مؤسسة شاهد لحقوق الانسان، محمود الحنفي، لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ الإجراء الذي تتخذه الدولة بحقّ المخالفين قانوني، إلّا أنّ اللوم بكامله يقع على ممثلين الشعب الفلسطيني في لبنان، والمخبرين من اللاجئين الذين يبلّغون عن أي مخالف، والذين تصل بهم الأمور إلى تبليغ صاحب العقار نفسه كي يُصبح هدم البيوت أو أي إجراء تتخذه الدولة بعد ذلك قانونياً.
ويرى حنفي أن الحل الوحيد هو بتدخل وكالة "أونروا" وقسم الحماية الخاص بها، وممثلين الشعب الفلسطيني بما فيهم السفارة الفلسطينية لإيجاد حلول لأهالي كافة التجمعات في لبنان، لأنّ مهمّتهم الأولى هي حماية اللاجئين. وتكون الحلول إمّا بتعهّدات مع أصحاب الأملاك، واستأجارها منهم، أو بإعطاء تعويضات بمبالغ كافية لأهالي المنطقة كي يتسنّى لهم الخروج منها وإيجاد مساكن بديلة.
وتجمّع خطّ السكة الذي كان تابعاً في السابق لمخيّم عين الحلوة، هو تجمّع فلسطيني غير معترف به من قبل وكالة " أونروا" ولا يتلقّ أي نوع من انواع الخدمات، اسوةً بباقي التجمعات الفلسطينية في لبنان لتجمعات الفلسطينية، التي لا تعتبر مخيمات في عُرف الوكالة.