ليست كالمعتاد تمر ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني هذا العام، فرغم العدوان المستمر على قطاع غزة منذ أيام، وما تشهده القدس المحتلة من انتهاكات، إلا أن مشهد امتداد انتفاضة فلسطينية من شمال فلسطين إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، والذي وحد الموقف العملي للفلسطينيين لاغياً انقسامات جغرافية صنعتها النكبة، يعيد الأمل إلى جموع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
لطالما لم تنفصل الأحداث الجارية في فلسطين عن التأثير في اللاجئين الفلسطينيين رغم سياسات غير خافية على أحد لتحييدهم عن الفعل النضالي منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وهي سياسات وإن نجحت في تهميش اللاجئين سياسياً غير أنها لم تفلح في تحويل موقفهم من فلسطين كقضية وطن، لها الأولوية.
لذا من غير المستغرب أن تهب المخيمات في مظاهرات حاشدة ويومية للتعبير عن انتمائها لما يجري في فلسطين هذه الأيام.
وإن كان من المتوقع إقامة فعاليات إحياء للذكرى الثالثة والسبعين للنكبة داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، إلا أنه من المؤكد أن هذه الذكرى الأليمة تمر على اللاجئين الفلسطينيين بطعم خاص هذه المرة، يمتزج فيه المرارة لما يرونه من مجازر بحق أهل غزة واعتداءات في الضفة بما فيها القدس والداخل المحتل عامن 1948، وتحفيز ودعم لما يشهدونه من مقاومة ومواجهات.
هم يعبرون حقيقة وكل يوم في مظاهراتهم وهتافاتهم داخل المخيمات من شمال لبنان إلى جنوبه أنهم جزء من هذا المشهد، لا ينفصلون عنه.
أدعو إلى فتح الحدود للمشاركة في المواجهات ضد الاحتلال
حول هذا يقول عضو اللجنة الشعبية لفصائل قوى التحالف في مخيم برج البراجنة جنوب بيروت أبو أشرف: إن الفعاليات التضامنية التي تشهدها المخميات الفلسطينية في مناطق مختلفة في لبنان هي أضعف الإيمان وتعطي دعماً للشعب الفلسطيني والمقاومين في فلسطين، وتؤكّد على تمسّك الشعب الفلسطيني بحقّ العودة.
فتاة فلسطينية لم تتجاوز عمر المراهقة ولدت بعد اتفاق أوسلو بأعوام تحمل علم فلسطين وتشارك في المظاهرات التضامنية بمخيمها برج البراجنة تدعو إلى فتح الحدود للوصول إلى فلسطين والمشاركة في المعركة التي تعتبرها معركة وجود.
سيدة أكبر منها عمراً تتخذ ذات الموقف وتقول: إن مكاننا ليس هنا بل هناك في فلسطين ببريق واضح في عينيها تتحدث عن الامل بفتح الحدود أمامها للمشاركة في مقارعة الاحتلال وجهاً لوجه.
هاتان اللاجئتان تنطلقان في حديثهما من شعور لا يعرف الزيف إزاء قضية وطن ورثتا الانتماء إليه دون رؤيته، متجاوزتين منطق حسابات وسياسات الدول وآلة البطش العسكرية الصهيونية، فهما لا تريدان سوى تثبيت أحقيتهما في أحد أشكال النضال الذي حرمتا منه كأغلب اللاجئين.
اللاجئون الفلسطينيون مكون رئيسي من المجتمع الفلسطيني
وتتصاعد الدعوات في ذكرى النكبة هذا العام للخروج إلى الحدود واجتيازها، ليس لأنها ذكرى النكبة بل لأن هناك في فلسطين مشهد انتفاضة أعاد للاجئين روح الأمل.
يترجمون هذا الأمل والشوق للمشاركة في المشهد من خلال المظاهرات.
ويرى عضو لجان العمل في المخيمات أبو عمر الأشقر أنّ مشاركة اللاجئين الفلسطييين في الشتات بالمظاهرات الغاضبة هي إثبات وجود وتأكيد أن فلسطين ستبقى لأهلها.
ويقول عضو قيادة الجبهة الفلسطينية في لبنان أحمد السخنيني: إن تضامن اللاجئين مع القدس وأهل الداخل والمقاومة في غزة، هو تعبير صريح عن الهوية الفلسطينية والانتماء لهذه الأرض المحتلة، وأنّ اللاجئ الفلسطيني هو مكوّن أساسي من مكوّنات المجتمع الفلسطيني، وأكّد أن الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية يجب أن تمسّ مشاعر كلّ إنسان.
ودعا سخنيني عبر بوابة اللاجئين الفصائل الفلسطينية إلى الوحدة الوطنية واستنهاض كافة عناصر القوى الفلسطينية للدفاع عن الأراضي المقدّسة.
هي إذاً 73 عاماً عامًا على النكبة، ولا زال الشعب الفلسطيني يهتف لأرضه كما لو هجّر منها بالأمس، انعكاس وصدى ما تشهده فلسطين يبدو واضحاً وجلياً في المخيمات، حيث تعلو الشعارات والهتافات، يسمعها جيل جديد يكبر يحفظها جيداً ويحفظ أيضاً أن وطناً له ما زال محتلاً وأنه جزء من شعب ما زال يقاوم في هذا الوطن، فعلى ما يبدو أن خطابات السياسة والانقسامات والتضييق المعيشي وكل ما يُعاش في المخيمات من أسى قد يُنسى وقد لا تُورث مضامينه وتداعياته، فيما الذي يظل محفوراً في ذاكرة أجيال تتوالد هو المشهد الأول والقضية الأساس فلسطين وحق النضال من أجلها والعودة إليها.