قال المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة: إنّ "الشبه كبير بين ما جرى في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وفي الشتات الفلسطيني، وبدايات الثورات العربية العفوية، فيما يتعلّق بالخلفية القائمة على الإحباط الطويل، ومسألة الكرامة التي هي في جوهر الثورات العربية، ودخول تيار منظّم هو التيار الإسلامي، وهذا صورة مصغّرة عن التمرد والاحتجاج العربي".

جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها ، مساء السبت، عبر تقنية الاتصال المرئي، بعنوان: "في راهنية النكبة وفي قضية فلسطين عربياً"،  بمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لنكبة فلسطين، حيث تطرّق في بدايتها إلى الأوضاع الراهنة التي تجري في فلسطين، لأنّ موضوع المحاضرة سابق للأحداث الأخيرة في فلسطين، والتي اعتبرها تجسداً للعنوان "راهنية النكبة".

القضية في مركزها مسألة كرامة وهذه الخلفية ساهمت في مسألة فوران حتى النشوة

وأضاف بشارة خلال المحاضرة التي نظّمها المركز بالشراكة مع "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، وأدارها السياسي والأكاديمي اللبناني الدكتور طارق متري: "كيف يمكن فهم ما جرى في فلسطين لولا الإحباط الطويل الذي سبق ذلك، من ناحية الاستيطان الإسرائيلي، والاستهانة الدولية، وتهميش القضية الفلسطينية، و"آلة دونالد ترامب الجرداء" التي تم فيها نقل السفارة الأميركية لدى الاحتلال إلى القدس، وإعطاء ضوء أخضر للإسرائيليين بالاستيطان، وإلغاء الانتخابات الفلسطينية، وأخيراً الانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى وحرمته، فضلاً عن شعور عميق لدى الناس له أساس عبر ما يجري من محاولة تعويدهم بأنّ المسجد الأقصى مشترك، وسيتم تقاسمه في نهاية الأمر، والإصرار المستمر في مناسبات مختلفة على اقتحامه من قبل المستوطنين، ليس فقط للتجول، وإنما لأداء مراسم صلاة في أعياد معيّنة، ما يؤكد على وجود مخطط مدروس للتقاسم، كما تم تقاسم الحرم الإبراهيمي"، مُؤكداً أنّ "البعض قد يرى الحدث متلخّصاً في قيام مستوطنين بإخراج أناس من بيوتهم لإسكان مستوطنين، ولكن القضية في مركزها مسألة كرامة، وهذه الخلفية ساهمت في مسألة فوران حتى النشوة، وخاصة بما يتعلق بدخول "حماس" أو حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على الخط، باعتبار ذلك فيه شيء من الثأر للكرامة".

ورأى بشارة أنّ "الهتافات والحملات الحالية من الفرح والنشوة على "السوشيال ميديا" والتي يشارك فيها بعض السياسيين بشأن الانتصارات، هي قضية شعورية، دون التحدث عن مفاهيم دقيقة، لأن مناقشة الموضوع مصطلحياً وعقلانياً ليس الأساس، بل هو شعور الناس أن هناك من ردّ على إسرائيل".

واستذكر بشارة أنّه "لاحظ هذا الشعور في لبنان سنة 2006 بالنسبة للمقاومة التي لقّنت إسرائيل درساً وجعلت العدو يدفع الثمن، إلى غير ذلك من الأمور التي تجعل الشاب العربي من الجيل الرابع والخامس بعد النكبة، ينتشي لكرامته بأن الشعب الفلسطيني يستطيع أن يرد، ويجعل الطرف الآخر يجرّب معنى المعاناة، وهذا له علاقة بمفهوم الكرامة التي تقبع في مركز الثورات العربية".

كسرت الانتفاضة الحالية الشرخ بين الفلسطينيين

وبشأن قطاع غزّة، قال بشارة إنّ أهله "مرّت عليهم أيام عصيبة لكنها انتهت بالشعور بالكبرياء والفخر بالرد على المحتل الإسرائيلي وطائرات "إف 16" و"إف 35"، بسلاح الفقراء في عصرنا، وهو سلاح صواريخ المحاصرين الذين لا يستطيعون الاصطدام وجهاً لوجه مع المحتل الذي يطوّقهم بالأسوار، فيطلقون من خلفه ما يستطيعون"، مُستعرضاً بعض القضايا التي أحدثت تغييراً، وهي مسألة وحدة الوطن الفلسطيني.

 وأضاف: أنّ "إسرائيل قامت على أساس قرار التقسيم عام 1947، وبمعنى ما، أعادت توحيد فلسطين عام 1966، ورفضت أي اقتراح لتقسيمها من جديد على أسس العدالة النسبية والشرعية الدولية كما يقال، وبقيت عملياً فلسطين موحدة تحت سلطة إسرائيل لأول مرة منذ عام 1967، وقد تفاعل ذلك في أكثر من مناسبة، ورأينا في هذه الانتفاضة هذا التفاعل من جديد بمستويات مختلفة، والشعب الفلسطيني عاد ليتواصل، وخاصة في الضفة والقطاع، رغم الشرخ الكبير الذي حصل بينهما في السنوات الأخيرة، وبغض النظر عن دوافع التنافس الفصائلي والحزبي حول الأقصى ومن يتبنّى قضيته في النهاية السلطة في غزة جعلت من القدس قضيتها، وبهذا المعنى حصل تغلب على شرخ عميق، جغرافي وسياسي، بين "حماس" و"فتح"، لم يُشهد مثله من قبل. وقد كسرت الانتفاضة الأخيرة هذا الشرخ".

الحرب التي حصلت في الأيام الأخيرة في قطاع غزة كانت ردعاً قابله ردع للردع

وفي ذات السياق، قال بشارة: إن "الأيام الأخيرة أظهرت قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة والقدرة التكنولوجية والفنية لمحاصرين لفترة طويلة جداً، وما تم تطويره من حيث التحصينات وأنواع الأسلحة والقدرة على الوصول إلى كل أنحاء فلسطين، وهذا إنجاز سيغيّر في "معادلة الردع"، فالحرب التي حصلت في الأيام الأخيرة في قطاع غزة كانت "ردعاً قابله ردع للردع"، ولا نعلم كيف ستكون النتائج في المستقبل، هل ستبقى في إطار الردع، أم أن "حماس" وفصائل المقاومة الأخرى في غزة ستوسّع نطاق الردع من الدفاع عن قطاع غزة إلى الدفاع عن الأقصى؟، وهناك دول وقوى من ضمنها الولايات المتحدة دخلت على الخط، وستبدأ تحركات واتصالات، والعنصر الرئيس فيها هو الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة".

ولفت إلى أنّه "لو كان الرئيس ترامب هو الموجود في الرئاسة لاستمرت الحرب 100 يوم، ولغاب الدور المصري، وتم الاستفراد بـحماس مع دعم أميركي كامل لإسرائيل، لا سيما وأنّ الإسرائيليين منذ 2005 يتعاملون مع قطاع غزة بشكلٍ غريب، ويعتبرونه منطقة احتلّت عام 1967 وخرجوا منها عام 2005، فماذا يريد الغزيّون منهم؟ يقولون انسحبنا من غزة فجاءت حماس لتقصفنا بالصواريخ، وانسحبنا من لبنان فجاء حزب الله.. هذه هي الآلية الأساسية في مناقشة اليمين للرأي العام الإسرائيلي فيما يتعلق بالتسويات والانسحابات، صحيح أنّ غزة ليست منطقة محتلة، ولكنها معسكر كبير للاجئين، وما جرى هو تقزيم لقضية فلسطين إلى حدود عام 1967 من قبل أطراف بمنظمة التحرير، حيث بدأ ذلك عملياً ببرنامج تكتيكي اسمه "النقاط العشر" عام 1974، سواء كان ذلك بفكرة الدولة أو الدولتين، وأدى ذلك إلى الاعتقاد أنه إذا جرى الانسحاب من المناطق المحتلة عام 1967 فسينتهي الأمر، لكن القضية الفلسطينية بهذا المعنى بدأت عام 1967، فسكان غزة 95 بالمئة منهم لاجئون من مناطق الداخل، ولم تتم معالجة قضية غزة بوصفها معسكراً للاجئين، تعرّض لاحقاً إلى حصار لم ينتهِ".

 إضافة إلى الشيخ جراح المخطط القادم هو هدم وادي الجوز ومصادرة الأراضي في سلوان  

أمّا بشأن القدس، فقد شدّد بشارة أنّ "رمزيتها أساسية في الأحداث الأخيرة، فالقدس ضُمّت واحتُلّت، وما دامت منطقة معينة في القدس اعتبرت مقدسة وفق رواية توراتية مسيسة، أُسقطت على الحاضر ثم أعيد إسقاطها صهيونياً على الماضي؛ فكل ما يُطلق عليه القدس يصبح مقدساً، مع ما يتطلب ذلك من توسيع دائم لحدود المدينة، والاستمرار بمصادرة الأراضي من العرب وتهجيرهم، وفي 30 يوليو/ تموز 1980 صدر قانون دستوري هو "قانون القدس الموحدة عاصمة إسرائيل" الأبدية، ثم جرى توسيع مدينة القدس إلى 130 كيلومتراً مربعاً في العام 1993، وفي عام 2005 أُقِرّ مخطط مدينة القدس حتى عام 2020، ووضع فيه كم يجب أن يكون عدد السكان العرب، وبناء مستوطنات حول القدس القديمة لعزلها عن شمال الضفة وتحويلها إلى حي عربي داخل مدينة يهودية".

كما أشار إلى أنّ "هذا ما يجري حالياً في حالة حي الشيخ جراح، إنه التمدد فيما سُمّي الأحياء الجديدة خارج الأسوار، والمخطط القادم هو هدم وادي الجوز ومصادرة الأراضي في سلوان إلى جانب الأسوار، ومحاولة تملّك بيوت في الشيخ جراح لمحاصرة الأحياء العربية في البلدة القديمة وتحويلها إلى منعزل"، مُشيراً إلى "خروج الشبان من الأحياء الفقيرة لنصرة الأقصى، فالقدس قضية سيادة وليست قضية دينية".

حين يحصل تفكّك في الأمة العربية والشعور العربي تتراجع قضية فلسطين

وذكَّر بشارة بأنّه "طرحت على الرئيس ياسر عرفات السيادة على الأقصى دون القدس فلم يقبل؛ لأن القضية قضية القدس، ومن تظاهر في الشيخ جراح يشبهون شباب الثورات العربية"، مُكملاً حديثه عن البعد العربي، وكيف عادت القضية لتصبح قضية العرب الأولى، وكيف ظهرت من جديد مصطلحات الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، حيث شبّه مسألة "قضية العرب الأولى" وسلوك العرب أثناء النكبة بالسلوك الحالي، لأنه ليس مقصوداً بـ"قضية العرب الأولى" أن تكون فلسطين القضية الأولى لدى السوريين المظلومين الذين يُقصفون بالبراميل، أو لدى الشباب العراقيين الذين قتلوا بالمئات وهم عراة الصدور لا يحملون سلاحاً في مواجهة مليشيات طائفية.. إن قضية فلسطين هي الأولى إذا كنّا أمة، هي "قضية العرب" بوصفهم عرباً وليس بوصفهم سوريين ومصريين وعراقيين ولبنانيين... ولذلك حين يحصل تفكّك في الأمة العربية والشعور العربي تتراجع قضية فلسطين".

كما استعرض بشارة في ختام حديثه، نتائج استطلاعات المؤشر العربي، لعيّنة شملت 21 ألف عربي، في 13 دولة، إذ اعتبرت فيها قضية فلسطين "قضية العرب الأولى".

بوابة اللاجئين الفلسطينيين / وكالات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد