تنتظر زادة شما موعد انتهائها من العمل للعودة إلى حيها، حيث أصبحت الملاذ الآمن والمهرب الوحيد من ضغوطات الحياة، ففي تلك البقعة الصغيرة من مخيم نهر البارد شمالي لبنان غيّرت زادة وأختها الطابع المتعارف عليه في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وزرعت الورد والأشجار الصّغيرة، وطلت الجدران، لتكون كما أرادوا ملجأً للكبير والصغير وفسحة أملٍ لأهالي الحي.
تلك الآمال تتبدد شيئًا فشيئًا مع كلّ يومٍ يمرّ، فوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تضع لمساتها الأخيرة على خرائطها الجديدة لتبدأ ببناء مبنى مستحدثٍ على أرض N19، يقول سكّان المنطقة إنّه مخالفٌ لما اتفقوا عليه عند إعادة الإعمار.
جميع الناس يعرفون أن هذه المساحة اقتطعت من بيوتنا وصممتها خرائط "أونروا" كمتنفس لنا
اللاجئة الفلسطينية زادة شمّا من أبرز المعترضين على هذا البناء، حيث أطلعت موقعنا على تفاصيل موقفها، وسبب اعتراضها على هذا البناء، تقول زادة: "بالنسبة للمبنى جميع الناس يعرفون أن هذه المساحة اقتطعت من بيوتنا، ووقعنا على وثيقة بذلك عند عودتنا"
وتضيف" تريد الأونروا أخذ هذه المساحة المختلف عليها خلسة من دون موافقتنا، فهذه الأرض كانت من ضمن بيتنا، وقد تمّ اجتزاء مساحة من بيتنا على مرحلتين، ووافقنا على أساس أن تبقى المساحة مفتوحة كمتنفّس لنا"، مشيرة إلى أن "أونروا" أخبرتهم حينها أنها وضعت تلك المساحات الفارغة في الخرائط الجديدة للتهوية والسماح لأشعة الشمس بالدخول إلى البيوت.
هناك شيءٌ غامضٌ ومجهولٌ يحدث
وتتساءل زادة، ماذا حدث فجأةً منذ سنة، وما الذي تغيّر؟! وتوضح أنّه "منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي بدأت التحركات على الأرض،وعلمنا بأن هناك بناء سيتم إنشاؤه على هذه المساحة، وهو عبارة عن ٤ طوابق (الأول والثاني سيكون تجمّعًا لرابطة صفّوري) فيما الثالث والرابع لأشخاص وهميين.
وتردف قائلة،" هناك شيءٌ غامضٌ ومجهولٌ يحدث، ولا نعلم من ورائه! كل يوم يعطونا اسماً جديداً، وآخرها أن الطابق الثالث لامرأة تعيش بألمانيا من عائلة الموعد، وتبيّن لاحقًا أن الموعد ليس لديها علم بالموضوع وأن اسمها استخدم بشكلٍ وهمي، وقد سبق واشترت بيتًا بجانب عائلة البهلول، فيما الطابق الرابع هو للاجئ جهاد خلف رغم أنه لا يملك بيتًا في المخيم القديم لذا على أيّ أساس يريد منزلًا هنا؟!
وأوضحت زادة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنها وجيرانها المحيطين بالمبنى قدّموا اعتراضات للجنة الشعبية ولوكالة "أونروا"، وتوجّهوا مراراً وتكراراً إلى مكتب مدير إعمار مخيم نهر البارد جون وايت، وأكّدوا له خلال لقاءات عدة أنّه وفق الخرائط التي يمتلكونها فإن هذه المساحة كانت بالأصل ضمن بيوتهم.
وأشارت إلى أن سكان البيوت رافضون للمبنى والمجتمع المحلي رافض واللجنة الشعبية رافضة وكذلك الفصائل الفلسطينية، وهؤلاء جميعاً أوقفوا المهندسين مرات دة عن عملهم، فتمّ تهديدهم بالجهات الأمنية.
"أونروا" تنتظر ملاحظات الجيش اللبناني بشأن المبنى الذي سيعاد بناؤه
إلا أن مدير إعمار مخيم نهرالبارد في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" "جون وايت" نفى أن تكون الوكالة قد هددت أحداً، مشيراً إلى أن عملية إعادة الإعمار تتم بطلب من الحكومة اللبنانية "المخيم يخضع لسلطة الجيش اللبناني الذي تعمل معه الأونروا وكذلك مع المجتمع المحلي والشركاء الآخرين كلما ظهرت مشاكل تتعلق بالتنفيذ."
وأضاف وايت بأن اجتماعاً عُقد مع اللجنة الفنية للجيش اللبناني لمناقشة المخاوف التي أثيرت بشأن هذا المبنى العام الذي سيعاد بناؤه في منطقة صفورية وسيعود الجيش اللبناني إليهم بملاحظاته خلال الأيام المقبلة فيما إذا كان العمل في البناء سيستمر، وقد تم إبلاغ ممثلي المجتمع المحلي(بما في ذلك القادة السياسيون) الذين يعترضون على هذا المبنى بذلك، قائلاً: إنه تم استملاك الأرض في مخيم نهر البارد من قبل الحكومة اللبنانية، وبالتالي فإن جميعالمباني التي تم بناؤها هي من الناحية القانونية تعتبر ملكا للدولة.
وعن الإشكالية الحاصلة بين أهالي المنطقة المعترضين ووكالة "أونروا"، قال وايت: إنّ العائلات التي تعيش في محيط المبنى العام أعربت عن قلقها إزاء فقدان المساحة المفتوحة التي أصبحت بمثابة ساحة لها، مع أن الوكالة حرصت في التصميم الأصلي لهذا المبنى العام، على أن لا يؤثر بناؤه على خصوصية المباني القائمة.
كلام وايت يتناقض مع كلام زادة التي أوضحت خلال فيديو مصوّر لها كيف سيؤثّر المبنى على منازلهم ويحجب الشمس والهواء عنهم، كما أنّ محلّهم التجاري الذي يرتزقون منه سيغلق ولن يستطيع الناس الوصول إليه والشراء منه.
لسوء الحظ ليس لدى الأونروا أي موقع آخر لبناء هذا المبنى
ويشير وايت إلى أنه بعد اعتراض العائلات، وعدت الوكالة بتنفيذ أي تفاصيل تعديل ضرورية على المباني القائمة، لكن العائلات لا تزال تعترض على فقدان المساحة المفتوحة كمتنفس لها، وأوضح أن إعادة إعمار القاعة المجتمعية ستكون ذات فائدة للمجتمع وتمثل الوفاءبمتطلبات طويلة الأمد للمجتمع والتزام الأونروا بتوفير مثل هذه المباني العامة حيثما أمكن ذلك.
وعن مدى قانونية إعمار هذا البناء، قال وايت : إن أونروا تقوم بتنفيذ إعادة إعمار مخيم نهر البارد بالامتثال الكامل لمعايير المخطط التوجيهي الخاص بهذا المشروع، وقد حصلت على جميع التصاريح ذات الصلة من أجل المضي قدماً وسيتم مراقبة بناء المبنى من قبل المكتب الاستشاري الهندسي التابع للحكومة وشركة خطيب وعلمي.
وبناء على حديثنا مع أهالي المنطقة، الذين قالوا بإمكان "أونروا" البناء في أي مكان آخر لو كان هدفها إفادتنا، أجاب وايت"لسوء الحظ، ليس لدى الأونروا أي موقع آخر لبناء هذا المبنى، في الواقع، نظرًا للتقدم المحرز في أعمال إعادة الإعمار ، يعد هذا المكان الوحيد المتاح لبناء هذا المبنى".
وبحسب "وايت" لبوابة اللاجئين الفلسطينيين فإن "أونروا" على استعداد دائم للقاء العائلات لمناقشة مخاوفها ومحاولة إيجاد طرق عملية لحل مشاكلها، مشيرًا إلى أن مسألة المبنى هذا ليست مختلفة وقد أجريت مناقشات مستفيضة مع جميع المعنيين لمحاولة ايجادالحلول، لكن في نهاية المطاف ستتابع الوكالة مع السلطات المسؤولة عن إعادة إعمار المخيم، مبيّنًا أنّ الجيش اللبناني هو الجهة المعنية نيابةعن الحكومة في المخيم
بدوره، يؤكد فؤاد موسى أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد أن اللجنة تقف في صفّ الأهالي المعترضين وتحاول جاهدةً عبر لقاءات عدة الوصول إلى حلٍّ عادل، موضحًا أنّ الأرض هي فعلًا للدولة اللبنانية لكن هذا الأمر لا يسمح لأيّ شخص بامتلاك ما يريد أينما يحلو له، الى وقال: إن أهالي الحي فقط يحقّ لهم البناء فيه.