في منزل صغير أشبه بالقبر تجتاحه الحشرات والرطوبة كون أشعة الشمس لا تدخله من أي منفذ، يعيش اللاجئ الفلسطيني في مخيم شاتيلا أحمد النجار مع زوجته وابنتيه الاثنتين، متحملين السكن في منزل خالي من أسس العيش الصحي.
لا يملك الوالد ثمن الاستئجار لا في المخيم ولا خارجه، فهو يعمل في مهنة النجارة التي قللت مردودها وقضت عليها جائحة كورونا من جهة، والأزمة الاقتصادية في لبنان كغالبية المهن من جهة أخرى، فيما اضطرت زوجته للعمل في مجال الطبخ للمنازل كي تعتاش وعائلتها بأقل قوت ممكن.
حال النجار كحال المئات من أصحاب المنازل الآيلة للسقوط في مخيم شاتيلا وبقية المخيمات الفلسطينية في لبنان. أعدادها لا تعد ولا تحصى وتتزايد وتشتد خطورتها مع مرور السنين في ظل تباطؤ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في عملية ترميم منازل اللاجئين لسنوات طويلة، متذرعة بالأزمة المالية التي تعصف بها.
ننام تحت الموت كل يوم نقول إننا غداً سنموت
"منزلي مهدد بالسقوط وأنا وزوجتي وبناتي ننام تحت الموت، كل يوم نقول إننا غداً سنموت، لا ندري إلى أين سنصل. الرطوبة والحشرات والجراذين تجتاح المنزل"، بهذه الكلمات يشرح اللاجئ أحمد النجار معاناته لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
ويقول: دخل جرذ إلى المنزل بنصف الليل، كنا نائمين وبجهد كبير قتلته بعد أن عضني في رجلي، زوجتي تعاني من مرض الربو، وأنا وبناتي نبقى مرهقين طوال الوقت من الرطوبة".
ويضيف النجار: "لا شيء يفرح كل يوم يزرونا شبح الموت، كنت نائماً في الداخل فجأة وقع عليّ الشباك، وبقي الوجع حوالي شهرين، وليس معي المال لأتعالج".
الأونروا شغل واسطات فالفقير يموت أمام أعينهم
وحول تقديمه طلباً لوكالة “أونروا” للموافقة على الترميم، يوضح أنه "تقدم بطلب إلى الوكالة منذ 4 سنوات لكن لا حياة لمن تنادي، الأونروا شغل واسطات وهناك الكثير من البيوت ليست بحاجة للترميم وتدخلها أشعة الشمس والهواء، ومع ذلك قبلوا طلبات الترميم من أصحابها. أما نحن فإننا نعيش من قلة الموت فالفقير يموت أمام أعينهم والذين ينعمون بالخيرات يساعدونهم" بحسب قوله.
جل مطالب النجار وعائلته هو "تأمين مسكن فقط له ولعائلته، فهو لا يريد مالاً ولكن يريد أن يشعرن المعنيون بمعاناته"، بحسب قوله.
كل ما أطلبه ألا نبقى خائفين من أن يهبط السقف علينا
حال منزل اللاجئة الفلسطينية في مخيم شاتيلا ثريا الكبرلي أفضل نوعاً ما من منزل النجار، لكنه يعاني من تصدعات كبيرة في الأسقف، لدرجة أنها أغلقت غرفة كبيرة في المنزل ومنعت الجميع من دخولها لأنها قاب قوسين أو أدنى من أن تتساقط على أحد.
في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، تقول ثريا الكبرلي: "وضع بيتي مأساوي فالسقف متداع والشبابيك لا تقفل، ويهبط علينا قطع من السقف في أي لحظة".
وتضيف: "هناك خطورة كبيرة من وضع المنزل فذات مرة كانت ابنة اختي جالسة وفجأه نزل على رأسها قطعة من السقف، وأنا منذ أسبوع كنت أغسل الصحون وهبطت النعلة الموجودة بالشباك إلى الأسفل".
وتؤكد الكبرلي أنها تقدمت بطلب لوكالة الأونروا، وكل فترة يخبروها أنه لا يوجد مال، وأصبحت مجبرة على العيش في منزلها رغم خطورة ذلك لأنه ليس لدي بديل ولا أحد يساعدها.
وتطالب بأن "يتلطفوا علينا ويرممون المنزل لكي يكون صالحاً للسكن، وأن لا نبقى خائفين من أن يهبط علينا. أريد على الأقل أن أغلق الشباك وقت البرد، انا الآن لا استطيع تغييره خوفاً من أن يهبط السقف علينا، لذا ما تزال مياه الأمطار في الشتاء تدخل إلى المنزل عبره".
وفي لمحة عن مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، "فهو مخيم ذو وضع استثنائي، حيث عدد السكان فيه كبير جداً أي حوالي 25 ألف نسمة ضمن مساحة ١٠٠ كلم مربع فقط لا غير، أي أن كل شخص في المخيم لديه ٤ أمتار مربع فقط ليعيش فيها. ويسكن هذا المخيم كل شرائح المجتمع ومن جميع الجنسيات الفلسطينية والسورية واللبنانية وجنسيات أخرى موجودة تستأجر في المخيم كون أن هذه المنازل أرخص من غيرها، وخاصة بالنسبة للعمال الذين يعملون هنا في المنطقة"، بحسب المهندس ناجي دوالي، أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم شاتيلا.
هناك حوالي 92 مبنى بحاجة للترميم
وفي حديث لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيينن، يكشف دوالي أن هناك " حوالي 620 مبنى يقطنه حوالي 4800 عائلة موجودة في المخيم، وهناك حوالي 92 مبنى بحاجة للترميم، ولكن بعد الكشف على بعض المنازل تبين أن هناك منازلاً قابلة للسقوط، وهي خطر على السلامة العامة والعائلات القاطنة فيها".
ويقول: "نحن كفريق فني في اللجنة الشعبية ذهبنا وكشفنا على هذه البيوت وصورناها، وتبين أنه في أي لحظة يمكن لهذه الأسقف أن تسقط على رؤوس أصحابها، وأولينا لهذا الموضوع أهمية قصوى ليس فقط كونه موضوع ترميم بل إزالة الخطر عن القاطنين في هذه المنازل".
ويتابع: "وكالة الأونروا كانت ترمم سابقاً منذ أكثر من عام ونصف العام، قاموا بترميم عدد من المنازل وكانت آخر دفعة لـ 40 منزلاً تم ترميمه، ولكن هذا الترميم لم يشمل هذه المنازل التي نتحدث عنها علماً أن وضعها صعب جداَ، فكان يجب أن تكون الأولوية الأولى بالنسبة لترميمات الأونروا متجهة إلى البيوت التي يوجد فيها خطر على قاطنيها قبل أن يكون هناك عملية ترميم للمنازل الأخرى".
ويؤكد أنه "لا يوجد حالياً ترميم من قبل الأونروا أبدًا، لأن هذا الموضوع تابع لأجهزة الهندسة لدراسة إذا كان هناك ميزانية لترميم بعض المنازل التي كان يجب عليهم أن يرمموها بعد الدفعة الأخيرة هنا في المخيم".
ويوضح أن "آخر دفعة ترممت فيها المنازل في مخيم شاتيلا، كان الدولار يساوي 1500 ليرة لبنانية، وكانت الوكالة تدفع للناس باللبناني وليس بالدولار، تقريبا في نصف عمليات الترميم بدأ سعر الدولار يرتفع فكانت الناس تذهب لتشتري أدوات الترميم فيجدونها أغلى من السابق، فوصل الدولار حينها إلى ألفي ليرة لبنانية بينما كانت تتقاضى الناس من البنوك على حساب 1500، ما أدى إلى أن بعض المنازل لم يكتمل ترميمها نتيجة هذا الوضع أي غلاء الدولار والأونروا تعرف بهذا الموضوع".
وأضاف أن "اللجنة الشعبية تحاول في أقرب فرصة أن تتواصل مع الأونروا لحل هذا الموضوع، نحن قمنا بتصوير هذه البيوت وأرسلناها إلى مؤسسات لطلب المساعدة وسنتواصل مع الوكالة لأن هذه هي مسؤولية الأونروا الأساسية".
شاهد الفيديو