إما مفقودة من المحال التجارية أو ذات أسعار باهظة، هكذا استحال وضع الفوط الصحية في لبنان مع غياب الدعم عنها، ما اضطر كثير من النساء والفتيات في المخيمات الفلسطينية للجوء إلى بدائل غير صحية.
منتجات الدورة الشهرية حاجة أساسية لدى النساء ولا تعتبر من الكماليات.
تقول منظمة Plan International: إن نحو 66 بالمئة من المراهقات في لبنان لا يستطعن شراء الفوط.
وعلى اعتبار أن الفتيات الفلسطينيات اللاجئات هن من نسيج هذا البلد فإن النسبة تشملهن أيضاً.
تضيف المنظمة أنه قد ازداد عدد الفتيات اللواتي استبدلن الفوط الصحية ولجأن إلى استخدام طرق بديلة وغير آمنة، "ما يشكل خطراً حقيقياً على حقوق وصحة المراهقات والنساء الجنسية والإنجابية، في حين أن الدورة الشهرية ليست خياراً بل واقعاً بيولوجياً والوصول إلى منتجات الدورة الشهرية هو حق من حقوق الإنسان".
وبحسب منظمة "في-مايل" فقد ارتفعت أسعار الفوط الصحية المستوردة ما بين 66% و409% فيما ارتفعت أسعار المنتجات الوطنية من98% إلى 238% بحسب الأصناف، وما كان سعره يتراوح بين 4000 ليرة و6000 ليرة بات اليوم بين ال 25 و35 ألف ليرة لبنانية.
ووفقا لدراسة أجرتها كل من "في-مايل" و "بلان انترناشونيال" فإن 41.8٪ من النساء والفتيات في لبنان قمن بتقليل كميات الفوط الصحيّة المستخدمة خلال الدورة الشهريّة أو استخدمنّها لفترة أطول.
موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين قابل عدداً من النساء والفتيات اللواتي تأثرن جداً بارتفاع أسعار المنتجات الصحية، وأكدن جميعهن أن الأزمة تثير قلقاً داخل المخيمات الفلسطينية.
علبة الفوط كنتُ أشتريها بـ 3750 ليرة لبنانية اليوم وصل سعرها إلى 40 ألفاً
تقول اللاجئة الفلسطينية صفاء صيّاح البالغة من العمر ٢٨ عامًا: إنّ الغلاء المعيشي طال جميع مناحي الحياة ووصلت الأزمة إلى الأدوية والأدوات الطبية والصحية التي لا يمكن أن يستغني عنها الإنسان، وعن غلاء الفوط الصّحية تضيف: المرأة بحاجةٍ للفوط الصحية كما الطفل بحاجة إلى الحفّاضات والحليب، وهي حاجةٌ أساسيّةٌ وضروريةٌ لصحتها لا يمكن أن تستغني عنها أبداً مهما ارتفع ثمنها.
وتوضح" أنا أستخدم لوحدي الفوط الصّحية في المنزل ومع ذلك أواجه صعوبةً في تأمينها، فكيف بالبيت الذي فيه أربع أو خمس فتيات؟! "علبة الفوط كنتُ أشتريها ب3750 ليرة لبنانية اليوم وصل سعرها إلى 40 ألف ليرة وبالتأكيد لاتكفيني علبة واحدة بالشهر فأحتاج إلى ثلاثةٍ على الأقل، كما أنني لا يمكنني تغيير النوعية بنوعيّة أقلّ سعراً لما تسببه من فطريات وباكتيربا يمكن أن تصل إلى عمق الرحم".
نطالب "أونروا" بإدراج الفوط الصحية كمساعدات للنساء في المخيمات
وأردفت، "معدّل الاستهلاك هذا تحتاجه المرأة الطبيعيّة في الشهر، لكن هناك بعض النساء تعاني من مشاكل صحيّة و تمر عليها الدورة الشهرية مرتين في الشهر وبعضهن يعانين من تليّف بالرحم فتكون فترة الدورة أطول وبالتالي الاستهلاك أكثر".
تشير صيّاح إلى أنّ الرجال أيضًا معنيّون بالأمر نظراً لأنهم يقومون بشراء هذا المنتج لأمهاتهم أو زوجاتهم أو النساء في أفراد عائلاتهم، وبالتالي يدركون تماماً صعوبة الوصول إلى هذه الحاجة الشهرية، نتيجة الأزمة والانهيار الاقتصادي، وعليه يجب أن يطالبوا بحقّهم بدعم الفوط الصّحية، ودعت صفاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إلى إدراج مستلزمات الدورة الشهرية ضمن الوسائل التي تقدّمها للنساء الفلسطينيات.
مشكلة تأمين فوطٍ صحية أصبحت حديث النساء في المجالس
الشابة رشا خليل من مخيم برج البراجنة جنوب بيروت تقول لـ"بوّابة اللاجئين الفلسطينيين": إن موضوع الدورة الشهرية ما زال يشكّل تابو عند الناس ولا يتمّ تسليط الضوء عليه كما يجب، رغم أنّ أزمة غلاء الفوط الصحية كبيرة جداً، مشيرة إلى أنّها تستخدم نوعًا من الفوط وصل ثمنه الآن 50 ألف ليرة لبنانية أي ما يعادل 35 دولاراً قبل الأزمة، ولا تستطيع تغييره لأن باقي الأنواع الجديدة بالسوق نوعيتها سيئة وتسبب لها حساسية "هناك عروض رخيصة لكن لا يمكننا المخاطرة بصحّتنا فما وفّرته بالفوط الصحية سأضعه ثمن أدوية وعلاج!"
تؤكد خليل أن مشكلة تأمين فوطٍ صحية أصبحت حديث النساء في المجالس، فكلّ بيتٍ بالمخيم يعاني، في ظل غياب تام للجمعيات والمؤسسات المدنية منذ بداية الأزمة لم نر أي مبادرات أو مساعدات للتخفيف من وطأة هذا الأمر.
رصدت مبادرة وحيدة فقط في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، حيث تدرب منظمة أيام من أجل البنات لاجئات فلسطينيات على خياطة فوط صحية من القماش والنايلون لمنع حدوث أي تسربات، ولكن لا شك أن مبادرة واحدة كفيلة بحل مشكلت تستعصي يوماً بعد يوم.
بدأت أحمدُ الله أنّ دورتي الشهرية انقطعت
"إلى الحياة البدائية عادت النساء"، تقول خالدية الشبطي الممرضة في قسم التوليد بمستشفى حيفا، "أكثر من عائلة رأيتها بعيني تقصّ الشرشف وتضعه للمولّدة عوضًا عن الفوط الصحية، وقد يصل الأمر إلى بعض من تعاني من نزيف إلى وضع مناشف لعدم تمكّنهن ماديًامن شراء الفوط".
وعلى الصعيد الشّخصي تقول خالدية" بدأت أحمدُ الله أنّ دورتي الشهرية انقطعت رغم أنّها مفيدة لصحتنا، فأنا وزوجي نعمل ولكن بالكاد نستطيع تأمين مستلزمات الحياة، وأفضّل أن أؤمّن لبناتي نوعية جيدة خوفًا من تعرضهن لمشاكل صحية في المستقبل"
بدورها، تؤكد الناشطة الحقوقية فاتن ازدحمد أنّ هناك عائلات لديها أربع أو خمس فتيات على سبيل المثال وأصبحت تعاني من أزمة غلاء الفوط الصّحية، وبدأت باستخدام القماش بدلًا عنها، فالعائلة أصبحت تحمل همّ مصاريف الأكل والشرب والكهرباء والماء وإيجار البيت وايجار النت والآن ثمن الفوط الصحية التي لا غنى عنها!
وعن استخدام النساء فوطًا مصنوعة من القماش كبدائل للفوط الصّحية أو نوعيّات غير معروفة، تقول الصيدلانية الفلسطينية نجوى الشولي: إنّ هذه البدائل غير الصحية يمكن أن تؤدي إلى التهابات عند النساء والفتيات وتؤثر على الصحة الجنسية والإنجابية للنساء وعلى الجهاز التناسليّ، وبالتالي هذا الأمر خطير جداً، إلى جانب الأضرار الصحية، وتمنّت الشولي أن تأخذ المؤسسات المعنية بالشعب الفلسطيني هذا الأمر على محمل الجدّ وتبدأ بتأمين هذه المادة الأساسيّة والضرورية للنساء.