في نفس الوقت من العام الماضي وفي نفس المكان، وقف عشرات الأشخاص على حطام أطراف مرفأ بيروت بالقرب من مكان الانفجار الذي وقع في الرابع من آب/أغسطس 2020.
وبدعوةٍ من أهالي الضحايا الذي سقطوا في الانفجار، شارك أفراد الدفاع المدني الفلسطيني من مخيمات برج البراجنة وشاتيلا وعين الحلوة في هذه الوقفة.
الدفاع المدني الفلسطيني: مشاعرنا اليوم اختلطت مع مشاعر أهالي الضحايا
المشهد وفق مسؤول وحدة الدفاع المدني في مخيم برج البراجنة باسم نصّار مُهيبٌ ومحزن، فقد مرّت سنةٌ كاملةٌ كلمح البصر، لا شيء تغيّر على الأرض، الحطام والدمار على حاله، دموع أهالي الشهداء لم تجِفّ بعد وجراح المصابين ما زالت تنزف، ومن خسروا ممتلكاتهم ما زالوا يلملمون فقط جراحهم ويحاولون مقاومة الظروف لمواصلة مشوار الحياة.
يضيف باسم لـ "بوّابة اللاجئين الفلسطينيين": "مشاعرنا اليوم اختلطت مع مشاعر أهالي الضحايا كيف لا وقد أصبحنا جزءاً منهم، فنحن كنّا شهوداً على أشخاص وقعوا بين ألم رؤية الموت وأمل النجاة، وقد كنّا بفضل الله سببا ًفي عودة بعضهم إلى الحياة، عصام عطا يقف اليوم بيننا على قدميه، صحيحٌ أنّه ما زال يعاني من بعض الآلام والرضوض ، لكنّه يمشي وقد تحدّى الفاجعة وحضر إلى هنا".
ويعود باسم بالذاكرة الى ذلك اليوم، "عند الساعة ٦:٠٧ سمعنا صوتًا قويًا، بعد متابعتنا وتواصلنا مع الجهات اللبنانية علمنا أنّ هناك انفجاراً وقع في بيروت، تجهّزنا على الفور وتوجّهنا إلى ضواحي مرفأ بيروت، الكلام الذي سمعناه على الهاتف لا ينقل واحد بالمئة من هولما رأيناه على الأرض، الانفجار أكل حرفيًا نصف مدينة بيروت، دخانٌ كثيفٌ وألسنة اللهب ما زالت مشتعلة، الجرحى على الطرقات، أنّات العالقين تحت الأنقاض بدأنا نسمعها، كلّ شيء كان أكبر مما تصوّرناه، لم نتخيل يوماً أننا سنعيش هذه الأحداث".
ويكمل نصّار: " كنّا من أوائل الذين وصلوا إلى مكان الانفجار، قمنا بإسعافات ميدانية للجرحى الذي لا يحتاجون الى مستشفى، ونقلنا من يحتاج، حتى وصلنا خبرٌ أنّ هناك أشخاصًا عالقون في مبنى مهدّم في شارع العكّاوي في الأشرفية، توجّهنا سريعاً إلى هناك، وتمكّنا بعد ساعات من إنقاذ عاملة أثيوبية، وانتشال ثلاثة جثث، فيما بقينا لمدّة ١٧ ساعة نحاول بكلّ طاقاتنا إنقاذ حياة عصام، ١٧ ساعة وعصامٌ يصارع أمام أعيننا الموت، وضعنا له الاوكسجين وحاولنا تخفيف التوتر الذي ينتابه، وأكّدنا له أننا لن نغادر المكان إلا وهو معنا، وفعلًا نجا عصامٌ من الموت ونقلناه إلى مستشفى أوتيل ديو لاستكمال العلاج".
وعن شعور تلك اللحظة يقول نصّار: "حينها امتزجت مشاعرنا بين الألم والفخر"، فالتصفيق الذي سمعناه ونظرات الناس المليئة بالشكر أنستنا تعبنا وأمدّتنا بطاقة إضافية لنكملَ عملنا"، أمّا عن عصام فشعرنا أنّه أصبح واحدًا منّا وبقينا على تواصل معه ومع عائلته وقد شاركنا في مراسم عزاء أخيه الذي للأسف استشهد يومها، كما أنّ عصام أرسل لنا بعد يومين تسجيلاً صوتيّاً عبر خاصية واتسآب يشكرنا بها".
بّوابة اللاجئين الفلسطينيين في الذكرى الأولى للانفجار قابل الشاب الثلاثيني عصام عطا الذي أطلعنا بكلماته المقتضبة المليئة بالدموع والأسى على تلك الساعات التي صارع فيها الحياة، يقول عصام: "كنت في منزلي (طابق أرضي) في بنايةٍ تراثيّة بُنِيت عام ١٨٨٦، بدأت أسمع أصوات انفجارات خافتة، فقرّرت أن أصعد إلى الطابق الأوّل من المبنى، حيث يوجد أخي وصديقه".
"وما لبثت أن خرجتُ من المنزل، حتّى دوى صوت انفجار قوي، وخرق الزجاج المتطاير جسدي، وتدمّر المبنى بالكامل، بعد ٥ دقائق من الانفجار، استعدت وعيي لأجد نفسي".
وتابع عصام، "بعد نحو ٣ ساعات من وقوع الانفجار، وصل الدفاع المدني الفلسطيني واللبناني وقوات من الجيش، وبدأت محاولات إنقاذي بعدما سمعوا صوت صراخي".
و"بعد 17 ساعة و20 دقيقة، استطاعت الفرق العاملة إنقاذي من تحت ركام المبنى الّذي عشت فيه أصعب الأوقات، وحينها علمتُ أنّ أخي شادي وصديقه قد فارقا الحياة"!
ودعا عصام إلى دعم جهاز الدفاع المدني الفلسطيني بالمعدّات والآلات اللازمة لعمله، حيثُ قال" الشباب كما كنت أسمع وأشعر وأنا تحت الركام واصلوا عملية إنقاذي بجهدهم الجسدي".
لحظة إنقاذ عصام
الانفجار محطةٌ جديدة في عمل الدفاع المدني الفلسطيني
انفجار مرفأ بيروت شكّل محطةً جديدةً لفرق الدفاع المدني الفلسطيني، فبعد تعرّضهم لحدث ضخم كانفجار الرابع من آب، أرسل عناصر الدفاع رسالة إلى إدارتهم بضرورة إمدادهم بالآلات والمعدّات اللازمة للإنقاذ والبحث والاطفاء، وقد استجابت إدارة الدفاع لمطالبهم، وخضع العناصر لدورة تدريبية مكثّفة، حصلوا خلالها على معدّات ضخمة ومهارات تساعدهم في القيام بعملهم بإتقان، وما زالوا موعودين بمعدّات إضافية تنقص المركز، وفق باسم نصّار، الذي أضاف أنه بعد الحريق الذي وقع في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي حصلوا على سيارة إطفاء من مؤسسة One child at a time - Denemark.
كما وطّد العلاقات مع الجانب الرسمي والشعبي اللبناني، حيث تمّت عدّة زيارات لجهات رسمية لبنانية منها جهاز المخابرات، الذي أثنى على عمل الدفاع المدني الفلسطيني، وأكّد أنهم من النسيج اللبناني الذي ما قصّر في تقديم مساعدته يومًا.
يذكر أن الدفاع المدني الفلسطيني يستمد تمويله بالمعدات والدورات من منظمات غير حكومية، يقول باسم نصّار: إنَّ فريق الدفاع المدني ومتطوعيه الذين غالبيتهم من خرّيجي الجامعات عمل خلال عام كامل بدون أيّ مقابل وبجهود شخصية.
وكي لا يقع "أنقى ما أخرجته المخيمات الفلسطينية" وفق وصف نصّار في أزمةٍ مشابهة، يطالب أن يصبح جهاز الدفاع المدني مؤسسة رسمية تحت جناح منظّمة التحرير الفلسطينية، لضمان بقائهم، لكن بشكلٍ مستقلٍ غير محزّب، من أجل الاستمرار في العمل الإنساني.
كما ناشد بضرورة إنشاء مراكز للدفاع المدني الفلسطيني في كلّ المخيّمات إسوة بمخيمات برج البراجنة وشاتيلا ونهر البارد والبداوي وعين الحلوة وبرج الشمالي، لما يشكّله من أمن وحماية لأهالي المخيّم.