تتكثّف مفردات الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان، على واقع مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في البلد، الذي يعاني أزمات مركّبة، يحتل الشق السياسي منها وتعقيداته التي تفرضها الخصوصيّة اللبنانية، مساحة واسعة من دائرة أسبابها، وتعرقل بوادر أي حلّ منظور، وهو ما يعطي مؤشرات جليّة على انهيارات أوسع، تفوق تجلياتها ما يحاصر المقيمين على الأراضي اللبنانية حاليّاً، من أزمات صحيّة وغذائيّة وفي تأمين مستلزمات الحياة من كهرباء ووقود وسواها.
"فلأوّل مرّة يتساوى اللاجئ الفلسطيني في لبنان مع المواطن اللبناني، ولكن هذه المرّة بالبؤس" يقول رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" آسفاً.
فالأزمة التي يشهدها لبنان هي الأشدّ في تاريخه، بل ولم يعرف العالم مثيلاً لها منذ عقود حسبما أشارت تقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي.
إلّا أنّ انعكاساتها على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين أشدّ وطأة من سواهم، نظراً لكونهم لاجئين خارج أرضهم، وهي أزمة متواصلة على حياة اللاجئ الفلسطيني منذ عقود، وهو ما يجعل أوضاعهم أكثر ضعفاً وهشاشة في مواجهة الأزمة الاقتصاديّة اللبنانية، وفق الوزير منيمنة، الذي نبّه في حوار لموقعنا، إلى جملة من المحاذير والضرورات، المنوط بالقيادة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وكافة الجهات المعنيّة بحياة اللاجئ الفلسطيني أخذها بعين الجديّة والمعالجة.
نأمل من الفلسطينيين كما فعلوا في السنوات الماضية أن يتجنبوا أي مس بالوضع الأمني
ولعلّ أكبر وأخطر تجلّ مرتقب للأزمة الاقتصاديّة اللبنانية، هو احتمال تحوّلها إلى فوضى اجتماعيّة شاملة، وهو مالا يتمنّاه أحد، رغم أنّ احتمالات هذا المآل كبيرة وكلّ شيء وارد بحسب الوزير منيمنة. وبدأت الأزمة بالفعل تدفع الناس إلى الشوارع في حراك احتجاجي متزايد ومرشّح للتصاعد، ويرافقه أحياناً أعمال عنف ودخول أطراف ذات أهداف متعددة، وبالتالي هناك تخوّف من دخول هذه الأمور إلى المخيّمات، حسبما نبّه الوزير، مشيراً إلى الخصوصيّة الفلسطينية في لبنان، واستغلال اللاجئ الفلسطيني من قبل قوى سياسية، ما انفكّت دائما إلى إحالة الأزمات وتحميل المسؤوليات للاجئين الفلسطينيين.
يقول منيمنة في هذا الصدد :" نحن نأمل من الفلسطينيين كما فعلوا في السنوات الماضية أن يتجنبوا أي مس بالوضع الأمني، لانه سينعكس سلباً على الوضع اللبناني وأكثر على الوضع الفلسطيني، حيث إنها ستكون حجة للبعض في لبنان لوضع الفلسطينيين في الزاوية، نتيجة أي أعمال محتمل أن تحدث بسبب ازدياد حدة الازمة الاقتصادية."
وتمنّى رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، على منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل والقيادات السياسية، والمجتمع المدني الفلسطيني، أن تحول دون أي انخراط للمخيّمات بأي انفجارات اجتماعيّة محتملّة، كي لا يتجرع الفلسطينيون مزيداً من المصائب.
المطلوب من القيادة الفلسطينية مباشرة خطة عملية وعدم الاكتفاء بتقديم المقترحات
ولتجنيب مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، المزيد من الانهيارات وتداعياتها الخطيرة، أكّد الوزير منيمنة، على ضرورة أن تباشر القيادة الفلسطينية مجتمعة، في إعداد خطّة عمليّة وتنفيذها بشكل عاجل، وعدم الاكتفاء بالمواقف وتقديم المقترحات.
وقال الوزير في هذا الصدد: إنّ على منظمة التحرير الفلسطينية، أن تزيد من مساعداتها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، سواء على الصعيد الإغاثي أو الصحّي أو التعليمي، كما يُطلب من وكالة "أونروا" دائماً أن تطلق نداءات دوليّة لتوفير الدعم، فهو أمر مطلوب اليوم من القيادة الفلسطينية، أن تتوجّه إلى الدول والمجتمعات الفلسطينية في الخارج، وتطلق نداءات لتقديم مساهمات داعمة للاجئين الفلسطينيين، حسبما أضاف.
وشدد منمينة على ضرورة أن تبذل الجهات الفلسطينية المعنيّة جهوداً جبّارة في ظل الأوضاع الراهنة، التي تضع كافة المقيمين في لبنان، تحت تهديد وضع استثنائيّ مرعب، ينذر بتوقّف المستشفيات عن العمل نتيجة شحّ الوقود والأدوية والعجز المالي، إلى جانب فقدان حليب الأطفال والعديد من الأساسيات الحيوية.
ولابد أنّ تتمظهر تلك الجهود بشكل فوري بحسب الوزير منيمنة، عبر طرق كافة المؤسسات الدوليّة والصناديق العربيّة، والمجتمعات المدنيّة الفلسطينية المنتشرة حول العالم، وقسم منهم رجال أعمال ومتموّلون، لذلك المطلوب تأمين التواصل والثقة مع هؤولاء لرفد مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بمقوّمات الدعم وتعزيز الصمود، وتجنيبه الانهيار الشامل والفوضى الاجتماعيّة، مشيراً إلى أنّ حفظ الأمن الاجتماعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، هو مصلحة فلسطينية لبنانية مشتركة.
على القيادة الفلسطينية التدخل لحل الأزمات اليومية في المخيمات
وفي تفاصيل الأزمة اليوميّة، شهدت بعض مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حالات وصفت بالتمييزيّة، من قبل السلطات اللبنانية إزائها، في توزيع حصص المازوت لمزودي خدمة اشتراك الكهرباء، وهو مافاقم الأوضاع المزريّة داخل المخيّمات، وانعكس ظلاماً مطلقاً كما في مخيمي عين الحلوة والمية ومية في صيدا، قبل نحو أسبوع.
وعلّق الوزير منيمنة في هذا الصدد قائلاً : "إنّ السلطات اللبنانية دائما ما تنظر للمخيّمات على أنّها من مسؤوليّة وكالة أونروا وتعتقد أنّ المخيّمات ليست من شأنها، إنما من شأن الوكالة التي تستند إلى تكليف أممي"، مشيراً بذات الوقت إلى أنّ أزمة تأمين الوقود هي أزمة لبنانية حادّة، وبدأت تهدد أكبر مستشفيات البلاد بالتوقّف كمستشفى الجامعة الأمريكية.
لذلك، أناط منيمنة بالقيادات والفصائل الفلسطينية، مسؤوليّة التدخلّ اليومي لحل هذه الأزمات، وبذل جهود متواصلة، سواء من جهة التواصل مع الشركات المستوردة، أو مع السياسيين النافذين بالبلد، لتأمين نسبة من الوقود للمخيّمات، "فالأمور لا تحل بشكل فردي" حسبما أضاف.
كان هناك خلاف بين الفصائل و"أونروا" حول آلية تقديم المساعدات للاجئين
ورغم النداءات الواسعة المتواصلة من قبل مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بإعداد خطّة طوارئ عاجلة، وخصوصاً في هذه الفترة بالذات، التي أقرّ فيها لبنانياً رفع الدعم عن المحروقات،و الذي ينتظر دخوله حيّز التنفيذ، ومن المحتمل أن يطال كافة القطاعات المدعومة، وسط حديث عن حلول من قبل الدولّة للشرائح اللبنانية الأكثر تضرراً تتمثّل بـ"البطاقة التمويليّة"، تكتفي الوكالة بإقرار بعض المساعدات الماليّة التي شهدت طبيعتها وآليات توزيعها انتقادات كبيرة في اوساط اللاجئين.
في هذا الصدد، يشير الوزير منيمنة، إلى أنّ وكالة "أونروا" هي المسؤولة أممياً عن رعاية اللاجئين الفلسطينيين، الّا أنّ أزماتها الماليّة القديمة المتجددة، انعكست سلباً على خدماتها، وقلّصت بموجبها التقديمات الصحيّة والماليّة سواها منذ ما قبل الأزمة، لذلك ينبغي تكثيف جهودها لحشد الدعم الدولي.
وحول تحركات لجنة الحوار تجاه "أونروا" قال منيمنة، إنّ عدّة إجتماعات عُقدت خلال الأسابيع الماضيّة، مع الوكالة، ومع الفصائل والوكالة مجتمعين، في محاولة لمعالجة مسألتين، وهما موضوع الدعم المالي والتعليم.
فيما يخص الدعم المالي، أشار منيمنة إلى وجود خلاف في وجهات النظر بين الوكالة الأممية والفصائل الفلسطينية، حول حجم الدعم وطريقة تقديمه. مضيفاً أنّه تم التوصّل إلى اتفاق حول صيغة لإيصال هذا الدعم.
التعليم .. همّ كبير من هموم الأزمة برسم "أونروا"
وفيما يخص مسألة التعليم، وصفها الوزير منيمنة بأنها "همّ كبير" يتوجّب معالجته بأسرع وقت، نظراً لخطورته الكبيرة على جيل فلسطيني بأكمله، وتتمثّل الأزمة بانقطاع وكالة "أونروا" عن العمليّة التعليمية منذ سنتين، بسبب وباء "كورونا".
وقال منيمنة: إنّ لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني طلبت من الوكالة أن تستأنف فتح المدارس، نظراً لمخاطر التأخّر الدراسي، والانقطاع لمدّة عامين، وهي مدّة طويلة جدّاً لم تحصل في أيّة دولة حول العالم، و ستلقي بتبعاتها على الأطفال وخصوصاً أبناء المراحل التعليمية المبكرة والمتوسطة، ومن المتوقّع أن يدخل الانقطاع عامه الثالث اذا لم تقدّم حلول فوريّة، تجنّب الطلبة الفلسطينيين التسرّب الدراسي، والتدني بمستوى تحصيلهم العلمي.
وطالبت اللجنة من الوكالة، تنفيذ عدّة مقترحات لاستئناف العمليّة التعليمية، ومنها القيام بالإجراءات المطلوبة، لجهة تطعيم كافة الكادر التربوي في كل مدرسة من الآذن إلى المدير، وإلزامهم بأخذ اللقاح، لأنّ المسألة ليست شخصيّة بحسب الوزير منيمنة، لأنّ المعلّم سيقابل التلاميذ وزملائه، لذلك يجب أن تكون عمليّة تطعيم الكادر التربوي من الشروط الوظيفيّة. إلى جانب اتباع آلية للتباعد الإجتماعي بين التلاميذ وتقسيم الدوام، لمتابعة سير العمليّة التعليمية. مشيراً إلى أنّ المقترح لاقى موافقة الوكالة والفصائل الفلسطينية.
آلية تعاطي "أونروا" مع الدول المضيفة بحاجة إلى تغيير
وتسود في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في مخيّماتهم، مخاوف من أن تطغى الإشكاليات المزمنة التي تعتري عمل "أونروا" واللجان الشعبيّة والمؤسسات، على تنفيذ أي خطّة طوارئ أو تقديمات طارئة للاجئين الفلسطينيين، وقوامها ما خبره اللاجئون من عمليات هدر وفساد ومحسوبيّات وتعقيدات إجرائيّة، وانعدام ثقة، لذلك تبرز عدّة تساؤلات حول الخطط و اليات تنفيذها، ودور لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني ازاء هذا الأمر.
ووصف الوزير منيمنة هذا الأمر بالهام، الّا أنّ وكالة "أونروا" بالمحصّلة، تعمل وفق تكليف من الأمم المتحدة، ولا تسمح لأحد أن يتدخّل بعملها باستثناء تقديم المشورة والرأي، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر يشكّل مشكلة كبيرة بالتعاطي مع وكالة "أونروا".
ولفت منيمنة، إلى أنّ تعاطي وكالة "أونروا" مع الدول المضيفة بحاجة إلى تغيير، موضحاً أنّ الوكالة منذ أن تأسست، كان من المأمول أن ينتهي عملها خلال بضع سنوات بعد حل مشكلة اللاجئين، ولكنها استمرّت أكثر من 70 عاماً وما تزال تعمل وفق التكليف القديم الذي يحدد أنّها هي المسؤولة دون سواها، دون إشراك الدول المضيفة بشكل حقيقي ورسمي بإدارة شؤونها. واعتبر أنّ هذه الملاحظة موجودة فيما يتعلّق بإدارة عمل الوكالة، وموضوع حلّها لدى الفلسطينيين.