تستعد الأسر في لبنان لتأمين احتياجات أبنائها من المستلزمات المدرسية مع بدء العد التنازلي لاستقبال العام الدراسي الجديد، بعدما أعلن وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب "العودة إلى التدريس الحضوري في المدارس والثانويات والمعاهد والجامعات"، على أن ينطلق العام الدراسي في القطاع الرسمي على مراحل بدءاً من 27 أيلول/سبتمبر الجاري.
أمام هذا الإعلان الوزاري يقف الآلاف من أهالي الطلاب، لا سيما اللاجئين الفلسطينيين، عاجزين عن تأمين أدنى المطلوب من المستلزمات الإجبارية لخوض العام الدراسي الجديد كزي المدرسة، القرطاسية، وحتى ثمن النقل بواسطة الحافلات. فوالد الطالب الفلسطيني إن حالفه الحظ وحظي بعمل فبالتأكيد يتلقى راتبه بالليرة اللبنانية التي تنهار يوماً وراء يوم أمام الدولار الأمريكي.
غلاء فادح طال جميع مرافق الحياة والمواد الأساسية في لبنان، ولم تستثن منه متطلبات الدراسة التي تعد بالنسبة الطالب الفلسطيني وسيلة وحيدة نحو مستقبل أفضل مما يعيشه ذووه، لكن من يستطيع إلى ذلك سبيلا هو من سيشتري القرطاسية المدرسية هذا العام، فالغلاء لا يرحم بحسب ما يقول كثير من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
يومية زوجي تكفينا ثمن الفطور فقط
رولا الغضبان لاجئة فلسطينية في مخيم عين الحلوة سمعت كثيراً من جاراتها أن سعر قلم الرصاص وصل إلى 8 آلاف ليرة لبنانية بعدما كانت تشتري منه بكميات كبيرة لأطفالها الثلاثة كون سعره كان بـ 250 ليرة لبنانية فقط.
في حديث لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" تقول الغضبان: "كنت أشتري القرطاسية لكل ولد من أولادي بمبلغ يقدر بـ 50 ألف ليرة لبنانية، واذا دفعت كثيراً يصل مجموع مشترياتهم من القرطاسية إلى 200 ألف ليرة. حالياً باتت الـ 50 ألف تعادل 500 ألف، والمئة ألف تساوي مليون ليرة لبنانية سابقاً".
وتضيف: "أولادي الثلاثة حالياً يحتاجون إلى زي مدرسي لهم، وبالتأكيد سيكون سعر الزي مرتفعاً جداً كون ثمنه في السابق كان حوالى 60 ألف، أي ما يعادل 40 دولاراً قبل انهيار العملة اللبنانية فماذا عن اليوم؟".
تشير الغضبان إلى أن زوجها يعمل بشكل مياوم ومردوده اليومي لا يتعدى الـ 40 ألف ليرة لبنانية، وحالياً تساوي 2 دولار باليوم، وبهذه الليرات القليلة بالكاد تستطيع تأمين وجبة الفطور لأولادها فكيف ستستطيع تأمين قرطاسية وزي مدرسي لهم.
أولاد رولا يدرسون حالياً في مدارس داخل المخيم وهي تابعة لوكالة الأونروا فبالتالي سترتاح من تكلفة باصات النقل، لكن ماذا يعمل الوالد المجبر على تأمين باص لأولاده؟
وتحمل الغضبان المسؤولية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" كونها قادرة على حل أزمة الطلاب الفلسطينيين من خلال تأمين الزي المدرسي والقرطاسية للجميع، وبالتالي تخفف من هذه الأعباء على اللاجئين وهم بالكاد يجاهدون للعيش.
رولا تعمل في دق الزعتر والسمسم وبيعهم للناس قدر استطاعتها لتساعد زوجها في تأمين مصروف إضافي للمنزل، وهما بالكاد يؤمنان ثمن الطعام لأبنائهم، تبدو ملامح القلق والحيرة واضحة على محياها وهي تتحدث عن بدء العام الدراسي، الذي يبدو أنه لن يكون قاسياً على ذوي الطلاب فقط، بل على أصحاب المكتبات وسائقي الباصات، إذ يعتبر موسم بدء المدارس موسم رزقهم أيضاً.
60 دولاراً كانت تكفي طالباً من القرطاسية ومع انهيار الليرة صارت تعادل راتب شهر لعامل
"منذ عامين ونحن نعاني من قلة المبيع، فعملنا يعتمد على بيع الدفاتر والأقلام ومستلزمات المدرسة، وبسبب جائحة كورونا لم يعد هناك مدرسة فكيف نعيش؟" بهذه الكلمات يشتكي اللاجئ الفلسطيني فؤاد حوران صاحب مكتبة الهدى في مخيم عين الحلوة من ضيق الوضع المالي لديه بسبب تعطل حركة البيع والشراء داخل مكتبته.
يقول حوارن لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن الطالب الذي كان يشتري أغراضاً بقيمة 60 دولاراً أمريكياً أي 90 ألف ليرة لبنانية في السابق، لا يزال اليوم يأخذ بنفس الثمن لكن على سعر الدولار الصرف حالياً، أي لا يتعدى مجموع مشترياته 5 دولارات فقط، أما الـ 60 دولاراً صارت بالنسبة للاجئ الفلسطيني مبلغاً كبيراً جداً ويعادل راتباً شهرياً .
بشكل عام ارتفع ثمن جميع البضائع خاصة الورقيات، فيما البضائع الوطنية تم تخفيض ثمنها بالدولار الأمريكي قليلاً، لكنها لا تزال باهظة الثمن بالليرة اللبنانية، مثلاً شنطة المدرسة كانت 12 دولار أمريكي باتت اليوم 10 دولارات لكن بحسب سعر الصرف أي ما يعادل 180 ألف ليرة لبنانية وهو مبلغ باهظ بالنسبة للاجئ الفلسطيني مع انهيار قيمة العملة.
يؤكد حوران أن الأهالي غير مستعدين لدفع أكثر من 500 ألف ليرة لبنانية هذا العام لشراء مستلزمات طفل واحد للمدرسة، فكيف إذا كان لديهم أكثر من طفل بحاجة لهذه المستلزمات؟
وبحسب حوران فإن الأسعار ارتفعت بشكل كبير بحسب ما يلي:
- حقيبة المدرسة بنوعية عادية جداً ثمنها 200 ألف ليرة لبنانية، أما النوعية الجيدة بـ 400 ألف، وهي كانت تباع سابقاً بـ 20 ألف ليرة لبنانية
- علبة أقلام رصاص كان ثمنها 1500 ليرة لبنانية، حالياً 20 ألف ليرة كأقل تقدير، أما النوعية الجيدة وصل ثمنها 45 ألف ليرة لبنانية.
- أقلام الحبر كان ثمن أرخص نوع 250 ليرة، أما اليوم وصل لـ 2000 ليرة لبنانية
- الدفتر كان ثمنه 500 ليرة لبنانية حالياً وصل لـ 5000 ليرة، وهو يحتاج منه الطالب بالدزينات، بالتالي الدزينة الواحدة تساوي 60 ألف ليرة لبنانية بعدما كانت 4500 ليرة.
- دفتر الـ 5 مواد لا يقل اليوم سعره عن 100 ألف ليرة لبنانية بعدما كانت النوعية العادية تباع بـ 1500 ليرة لبنانية، هذا الدفتر يحتاج منه الطالب لـ 5 أنواع أقلها.
يؤكد حوران أنه في السابق كان يبيع بالدين إذ كان والد الطالب يقسم الدفعات إلى 3 شهور ولا مشكلة لديه، أما اليوم فهو لا يستطيع أن يدين أحداً كون المال بات قيمته تقل بين ساعة وأخرى، بحسب قوله.
أما عن أزمة سائقي باصات المدارس فتلك مشكلة أخرى تلقي بنفسها مع بدء العام الدراسي، فمع افتراض أن الأهالي استطاعوا دفع الاشتراك الشهري في الباص، فإن السائقين أنفسهم عاجزين عن تأمين مادة المازوت أو البنزين بأسعارها الخيالية.
ابراهيم سائق باص ينقل طلاب مدارس "أونروا" في مدينة صيدا يقول: "عندما كان سعر تنكة المازوت 18 ألف ليرة لبنانية كنا نأخذ من كل تلميذ كثمن نقل من عين الحلوة إلى مدينة صيدا 30 ألف ليرة كحد أقصى شهرياً، ذلك عندما كان الدولار الأمريكي يعادل 1500 ليرة لبنانية".
200 ألف ليرة من الأجدى أن تشتري فيها العائلة طعاماً بدلاً من ثمن نقليات للمدرسة
يتابع ابراهيم: "العام الماضي وبعد حدوث الأزمة الاقتصادية في لبنان وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، بدأ ثمن تنكة المازوت يرتفع رويداً رويداً، إلا أننا بقينا نقدّر أوضاع الناس وعدم قدرتهم على الدفع، فكنا نأخذ حوالى 30 ألف ليرة أسبوعياً ثمن النقل".
الدولة اللبنانية تسعر تنكة المازوت بـ 105 آلاف ليرة لبنانية لكن المازوت غير متوفر، فيضطر السائقون للجوء إلى السوق السوداء لشراء التنكة، حيث يصل ثمنها إلى 400 ألف ليرة لبنانية.
يقول ابراهيم: إن الحال هذه تجبرهم على تلقي مبلغ 250 أو 300 ألف ليرة من كل طالب شهرياً فقط لكي من أجل تأمين المازوت، وعندما يكون لديه 3 طلاب إخوة بدل أن يأخذ من كل واحد 300 ألف، سيراعي عائلتهم بـ 50 ألف ليرة ليصبح ثمن النقل 750 ألف للثلاثة.
ابراهيم يرى أنه بذلك لا يكون قد ربح كثيراً وهو يراعي الناس، ولكن لمن ما يزال يقبض معاشه اليومي بالليرة اللبنانية من الأهالي وهم الأغلبية العظمى في المخيمات الفلسطينية يعتبر هذا السعر باهظاً وغير مضمون تأمينه.
يؤكد ذلك ابراهيم نفسه الذي يقول: إن الأهالي لن تستطيع إرسال أولادها بهذه المبالغ وهي بالكاد تستطيع أن تعيش، فبالنسبة للعائلة 200 ألف ليرة من الأجدى أن تشتري فيها طعاماً بدلاً من ثمن نقليات للمدرسة، لذا هو يتوقع أن نسبة تسرب مدرسي كبيرة ستحصل في صفوف اللاجئين الفلسطينيين.
يبدو أن الطالب الفلسطيني أمام استحقاق مصيري في حياته، فهو إن كان يهوى مسار العلم كسبيل لواقع أفضل، إنما بات رهينة الواقع المعيشي الصعب في لبنان والذي يضيق الخناق بطبيعة الحال على أحوال ذويه.. فهل نشهد موجة تسرب مدرسي كبيرة حقاً؟ الأمر برسم المعنيين من منظمة التحرير والفصائل ووكالة "أونروا"