يزداد القلق يوماً بعد يوم على حياة الأسرى الستّة الذين حرّروا أنفسهم بعمليةٍ معقدةٍ من سجن "جلبوع" المُسمى بـ"الخزنة" لدى الاحتلال الصهيوني، سواء ممن نجحوا في التخفّي لعدّة أيّام وأعاد الاحتلال اعتقالهم ولاشك يمرون بظروف اعتداء قاسية، أو حول الأسيرين الذين لا يزالان يتنسّمان الحريّة وهما: مناضل نفيعات، وأيهم كممجي.
الأسرى الأربعة الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم خلال الأسبوع الماضي هم: زكريا الزبيدي من مُخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين، ومحمود العارضة، ومحمد العارضة، وقاسم قادري، وجميعهم من جنين وبلداتها، في حين يفرض الاحتلال تعتيماً كبيراً حول تفاصيل التحقيق معهم أو حول حالتهم الصحيّة وخاصّة الأسير الزبيدي الذي تقول عائلته: إنّه يُعاني من عدّة إصابات سابقة ومن المؤكّد أنّه تعرّض لتعذيبٍ شديدٍ بعد اعتقاله الأخير.
مجموعات صهيونية تنشر معلومات متضاربة حول زكريا الزبيدي ما يزيد من الخوف عليه
يقول الحاج أبو أنطون الزبيدي، عم الأسير زكريا لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ العائلة لا يوجد لديها معلومات مؤكّدة عن صحّة زكريا، وطلب المحامون رؤيته للتأكّد من صحته إلّا أنّ محكمة الاحتلال رفضت ذلك وأوعزت بنقل زكريا إلى المشفى، لكن هناك مجموعات صهيونيّة تنشر بين الحين والآخر معلومات متضاربة حول حالته الصحيّة وهذا ما يدعونا للخوف أكثر.
ويُضيف العم أبو أنطون: نحن كعائلة في حالة قلقٍ دائم على زكريا ورفاقه الثلاثة الآخرين الذين يتعرّضون لتحقيقٍ قاسٍ داخل أقبية "الشاباك"، حتى وإن ظهرت ملامحهم جيّدة على التلفاز ولكن لا ندري ما تخفي ملابسهم تحتها من آثار التعذيب المُميت، لأنّنا نعرف الأساليب الفظيعة التي يستخدمها جهاز المخابرات في التحقيق العسكري بهدف سحب معلومات سريعة من الأسير.
من الواضح أن المحققين الصهاينة يتعاملون مع زكريا ورفاقه من منطلق ثأري
وعن زكريا وصلابته، يُكمل أبو أنطون: منذ بداية حياته وهو إنسان معروف بالنضال والمقاومة وخاض العديد من التجارب البطوليّة في مقارعة الاحتلال، وبحسب التقارير الصحفيّة التي نُشرت من جانب الاحتلال خلال الفترة الماضية تؤكّد أنّ زكريا يُطبّق أسلوب الثوّار المعروف خلال الخضوع للتحقيق (لا أرى، لا أسمع، لا أتكلّم) حتى داخل المحكمة، ومن الواضح من ذلك أنّ المحقّقين يتعاملون معه من منطلقٍ ثأري، ونتمنى له السلامة هو وكل رفاقه أبطال عملية "نفق الحرية".
أمّا عن الوضع في مُخيّم جنين، يُؤكّد أبو أنطون رداً على تهديدات الاحتلال المُستمرة باقتحام أو اجتياح المُخيّم: بكل صراحة الجو متوتر جداً في المُخيّم خاصّة بعد تصريحات قادّة الاحتلال المُتكرّرة وتهديد المُخيّم وسكّانه بالاجتياح، والكل يعلم أنّ الإمكانيات الموجودة لدى أبناء المُخيّم متواضعة ولا تُقارن بعدّة وعتاد الاحتلال، ولكن بكل صراحة أيضاً لسان حال أهل المُخيّم يقول للاحتلال: أهلاً وسهلاً، فلتتفضّلوا وتقتحموا المُخيّم ولكل حادثٍ حديثْ.
مصير أيهم ومناضل ما يزال مجهولاً وعائلتيهما في حال قلق
زكريا كان من ضمن الأسرى الأربعة الذين اعتقلوا بعد عملية "نفق الحريّة" فيما يواصل الاحتلال بحثاً مكثفاً عن الأسير أيهم كممجي، والأسير مناضل نفيعات التي تُشارك عائلته عائلة الأسير الزبيدي ذات القلق على حياة ابنها.
يتحدّث نضال نفيعات، شقيق الأسير المُحرّر مناضل لموقعنا حول أوضاع العائلة خاصّة بعد سماعها لخبر تحرّر مناضل وامتزاج فرح العائلةِ بحزنها في آنٍ واحد.
يقول نضال: نحن كعائلة نكثّف الدعاء ليل نهار لشقيقي مناضل لأنّ يظّل بخير هو وبقيّة رفاقه، وهذا بالتأكيد في ظل أنّنا نعيش حالة من القلق المستمر والحالة الأمنيّة المتوتّرة، ونتمنى من كل أبناء شعبنا الدعاء للأسرى بأن يحميهم الله من كل سوء.
ويضيف نضال أنّ العائلة بالتأكيد تلقت خبر تحرّر نضال من سجون الاحتلال بفرحٍ عارم كما بقية عوائل الأسرى الآخرين، ولكن سرعان ما تحوّل هذا الفرح إلى صدمة وخشية حقيقيّة على حياته، يُضيف: مصير مناضل ما زال مجهولاً ولا نعلم عنه شيئاً حتى اللحظة منذ أكثر من أسبوع، وطوال الوقت نترقّب أي خبر على أعصابنا.
ويُشير نضال في ختام حديثه لموقعنا، إلى أنّ أهالي البلد لم يقصّروا في شيء مع العائلة، ودائماً يزورونا ويقفون بجانبنا من أجل طمأنتنا ومشاركتنا هذه الفترة العصيبة إلى أن نطمئن على شقيقي مناضل.
بدوره، أكَّد المتحدّث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر يحيى مسودة في بيانٍ له، أنّ اللجنة تبذل قصارى جهدها لزيارة الأسرى الذين أعادت سلطات الاحتلال اعتقالهم، بعد تمكنهم من تحرير أنفسهم من سجن "جلبوع"، مُعبراً عن تقدير اللجنة لقلق الأهالي على أبنائهم الأسرى، وأنّها ستقوم خلال الأيّام المقبلة، بزيارة الأسرى الأربعة، ومن ضمنهم زكريا الزبيدي، لطمأنة ذويهم، خاصة مع انتشار الحديث عن تدهور حالته الصحيّة، وعدم تمكّن المحامين من زيارتهم.
هذه المخاوف تتشاركها مؤسّسات الأسرى، خاصّة في ظل تهديدات الاحتلال باتخاذ مزيدٍ من الإجراءات الانتقاميّة بحقهم في السجون.
الاحتلال يُحاول ضرب معنويات الفلسطينيين عبر بث الشائعات بخصوص أسرى نفق الحرية
يقول مدير هيئة شؤون الأسرى في جنين سيّاف أبو سيّاف لـبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ سلطات الاحتلال بأجهزتها الأمنيّة تفرض تعتيماً إعلامياً كبيراً حول أوضاع الأسرى الأربعة، وفي حال خرجت معلومة صغيرة تكون غير دقيقة لإشعار الناس وأهالي الأسرى أنّ هذا العمل البطولي يؤدّي إلى نتائج سلبيّة على حياة هؤلاء الأسرى، أي لضرب المعنويات.
ويوضّح أبو سيّاف أنّه من الطبيعي أن يقوم الاحتلال ببث الإشاعات لاستهداف معنويات الشعب الفلسطيني، مُؤكداً أنّه وبناءً على بعض المعلومات التي ترشح من بعض المحامين، فإنّ الأسرى الأربعة معنوياتهم عالية جداً، والاحتلال ركّز الاستهداف على زكريا الزبيدي لأنّ لديهم ثارات شخصيّة معه في شوارع وأزقّة مُخيّم جنين وأذاقهم الويلات في السنوات السابقة.
"إسرائيل" تُمارس قوانين شريعة الغاب
وفيما يتعلّق بمُخالفة الاحتلال للقانون الدولي من خلال الاعتداء الوحشي على الأسرى، يُشدّد أبو سيّاف على أنّ "إسرائيل" تُمارس قوانين شريعة الغاب بحق الشعب الفلسطيني وغير معنية إطلاقاً بقوانين حقوق الانسان والقوانين الدوليّة التي تكفل حقوق الأسرى في السجون، بل تضرب بعرض الحائط كل هذه القوانين كونها دولة تعتمد أسلوب القوّة الغاشمة مع الأسرى الفلسطينيين ولا تلقي بالاً لكل المؤسّسات الدوليّة ذات العلاقة بقضايا الأسرى والمعتقلين.
وعلى إثر الهجمة الشرسة التي يشنّها الاحتلال على بقية الأسرى داخل السجون، قرّرت الحركة الأسيرة التصعيد في وجه إدارة سجون الاحتلال التي تواصل عمليات التنكيل بالأسرى وقمعهم وعزلهم والبطش بهم على أيدي وحداتها القمعية في مختلف السجون، حيث قرّرت الحركة الدفاع عن حقها وكرامتها في الحياة والحريّة من خلال الشروع بإضرابٍ مفتوحٍ عن الطعام على شكل دفعات بدءاً من الجمعة المقبلة تحت شعار "معركة الدفاع عن الحق"، حسبما أفادت هيئة الأسرى في بيانٍ لها، إذ ستضم الدفعة الأولى من الإضراب 1380 أسيراً من عدّة سجون.
وفي ضوء القلق المتزايد على مصير الأسرى الستّة، وعلى مصير أكثر من 5000 أسيرٍ في سجون الاحتلال يواجهون أقسى أنواع الإجراءات الانتقامية، وجهت مؤسّسات فلسطينيّة قبل أيّام نداءً عاجلاً للأمم المتحدة لتوفير الحماية للأسرى في ظل التاريخ الأسود الذي تمتلكه سلطات الاحتلال في انتهاك حقوق الأسرى الفلسطينيين منذ بدء الاحتلال ومعاملتهم بشكلٍ قاسٍ حتى يومنا هذا