رغم تحدّيات جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان والصعوبات في قضية المواصلات لفقدان مادّة البنزين، بالإضافة إلى فقدان كثير من الأساسيات الأخرى للناس وانعكاسها سوءاً على حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أحيا اللقاء التشاوري للمؤسسات والجمعيات الأهلية في منطقة صيدا ومخيماتها  الذكرى 39 لمجزرة "صبرا وشاتيلا" عبر وقفة تضامنية عند النصب التذكاري لشهداء المجزرة " أمام مدخل مخيّم شاتيلا في بيروت.

كلمة الذكرى ألقاها مدير عام دار العودة ياسر علي، الذي شدد فيها على أنّ إحياء هذه المناسبات ليس ترفًا ولا نواحاً ولا عويلًا،  بل "لتذكيرالأنفس ولتعليم الأجيال القادمة أنّه ما ضاع حقّ وراءه مطالب وما ضاع حقٌّ وراءه مقاومة وما ضاع حقٌّ وراءه أجيالٌ تتذكّر حقوقها كي تستعيدها."

وفي حديثٍ لـ"بوّابة اللاجئين الفلسطينيين" أكّد علي، أنّ الفلسطينيين ليسوا مجرّد أرقام ولن يبقوا يموتوا على أيدي الجزّارين مدى الحياة، وأنّ الشعب الفلسطيني باقٍ على العهد من أجل الانتقام من المجرمين وإعادة الحقّ لأهالي الشهداء والجرحى، وأنّه سيواصل سعيه لمحاكمة الاحتلال وأعوانه أينما سنحت له الفرصة.

وأضاف علي، أنّ إحياء هذه المناسبات، يأتي للتأكيد على الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي غادروها عام 1948 والتعويض عليهم بما تنصّ عليه قرارات الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين في الشتات متمسك بالمقدّسات، وما يمسّ المقدسيين  من اعتداء يمسّهم أيضًا.

من واجب الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية وأهالي الضحايا العمل على إعادة تفعيل ملف الدعاوى ضد مرتكبي المجزرة

 

من جهته قال مدير منظّمة ثابت لحق العودة سامي حمود لموقعنا،  إنّ مجزرة صبرا وشاتيلا هي من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بتقادم الزمن، ولا يستطيع  مرتكبوا المجزرة من قادة وجنود الاحتلال الصهيوني والميليشيات اللبنانية التي عاونتهم في ارتكاب المجزرة، الإفلات من العقاب مهما طال الزمن.

ورأى حمّود أنه من واجب الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية وأهالي الضحايا العمل على إعادة تفعيل ملف الدعاوى ضد مرتكبي المجزرة والمطالبة بمقاضاتهم أمام المحاكم الدولية  والقصاص منهم، وعدم السماح لافلات مرتكبي المجزرة من العقاب مهما طال الزمن.

وأشار حمود إلى أنّه، ضمن فعاليات إحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، ستعقد منظمة "ثابت" ندوة حواريّة رقمية عبر تطبيق " Zoom" بعنوان: نحو تفعيل الملف القانوني لملاحقة مرتكبي مجزرة صبرا وشاتيلا، وسيشارك فيها نخبة من الشخصيات الأكاديمية والحقوقية، وستنشر "ثابت" بيانًا صحفيًا وبروشورًا يحتوي قائمة بأسماء شهداء المجزرة وتقريرًا إلكترونيًا حول المجزرة.

يروون ذاكرتهم وكأنّ المجزرة ما تزال طازحة

وما تزال مجزرة " صبرا وشاتيلا" محفورة في الذاكرة الفلسطينية، ووخصوصاً لدى أولئك الذين عايشوها و يتذكّرون أصغر التفاصيل رغم مرور عشرات السنين على وقوعها على أيدي مليشيات لبنانية بدعم وتغطية من جيش الاحتلال، على مدار ثلاثة أيام متتالية في 16 سبتمبر أيلول 1982، وراح ضحيتها نحوثلاثة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين.

 حمزة البشتاوي الكاتب والإعلامي، وصف لنا ما حدث وكأنّه بالأمس، يقول بشتاوي: "مازالت مشاهد الموت الذي كان يحاصر المخيم من كل الجهات حاضرة حيث كان أهالي المخيم يصرخون بأعلى صوتهم بأن هناك مجزرة و بتجهون إلى نقطة أخرى من المخيم، فيشاهدون أهالي اخرين من المخيم يتجهون صوبهم بنفس الصرخات، هذا المشهد ترافق مع صوت الرصاص وإضاءة ليل المخيم و انتشار رائحة الموت حتى شعرت بأن الخناجر و الرصاص ينهالون من كل الاتجاهات و أغرب شيء متوقع هو النجاة!"

ولفت بشتاوي في مقابلة مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إلى أنه منذ أعوام تأسست لجنة (كي لا ننسى صبرا وشاتيلا) وهي تضم عدد من المؤسسات والشخصيات و متضامنين من عدة دول يحيون بالتعاون مع بلدية الغبيري كل عام ذكرى المجزرة، و كل عام يزداد عدد المتضامنين من اوروبا وأميركا لكن بسبب جائحة "كورونا" لن تحضر هذه الوفود المتضامنة بل سيتم إحياء الذكرى على مدار ثلاثة أيام في إيطاليا و في سبعين كنيسة في أمريكا.

وشدد بشتاوي على أنهم كانوا و ما زالوا يطالبون بالقصاص من القتلة و تحقيق العدالة، وكلّ عام يجددون العهد للضحايا بأنهم سوف يستمرون بملاحقة القتلة ولن يستقيم مفهوم و دور المجتمع الدولي، دون أن يتحمل مسؤولياته تجاه هذه المجزرة التي مازالت تداعياتها مستمرة، كوابيس تؤرق صباحات و ليالي المخيم منذ العام ١٩٨٣ حتى الآن.

الموت يحتلّ أيضًا الجزء الأكبر من ذاكرة اللاجئ الفلسطيني محمد سرور، الذي كان شاهدًا على المجزرة التي أفقدته والده وأربعة أشقاء، يروي سرور حكاية اليوم الأسود لموقعنا، "حتى الآن مشهد قتل عائلتي عالقٌ بذهني، مشهد قتل جارنا وقطع رأسه وتعليقه على باب المنزل،جارتنا قتلوها وهي ترضع طفلها، ولا زلنا نعاني من المجزرة".

يقول سرور: "في صباح الجمعة 17 أيلول/ سبتمبر التقى بشخص قال له إنهم قتلوا أبا أحمد سرور وأولاده، لم يكن يعلم أنني ابنه، توجهت إلى مستشفى غزة، كان أخي يبكي، سألت شقيقتي نهاد عن والدي وأشقائي فلم تستطع الإجابة، أخبرتني أنه حوالي الساعة الخامسة صباحاً، كانت والدتي تعد الفطور من دون أن تعلم بوجود مجزرة.

 صعدت جارتنا ليلى مجذوب إلى الطابق العلوي برفقة أخي نضال، حينها رآها المسلحون وصرخوا: بعدكم طيبين؟ انزلوا، طلبوا منها أن يتحدثوا إلى والدي، سألوه إن كان يحمل السلاح والمال، وطلبوا من الجميع الوقوف على الحائط وبدأوا بإطلاق النار، مات والدي! كان أخي نضال مختبئاً خلف الخزانة لكنهم أصابوه، فيما تظاهرت أمي وشقيقاتي بالموت، فغادر المسلحون، حينها سارعت والدتي إلى اصطحاب أختي نهاد إلى المستشفى".

ويضيف سرور، "الجثث كانت مكدّسة فوق بعضها البعض، أحياء تم هدمها فوق رؤوس قاطنيها الأبرياء، نساء بُقرت بطونها، نساء قطّعت أثدائهن، أطفال صلبوا، رجال قطّعت رؤوسهم وعُلقّت على الأعواد، شيوخ حرقوا، جثث رميت على أطراف الطرقات، تلك المشاهد تراودني كلّ يوم، أسعى إلى نسيانها لكنّ الجرح والجرم أكبر بكثير".

فؤاد عبد اللطيف لاجئ فلسطيني كان يبلغ من العمر اثنا عشر عامًا وقت وقوع المجزرة، يقول "رغم المآسي التي نعيشها حاليًا ورغم مرور٣٩ عامًا على المجزرة إلّا أنّ أحداثها الدامية لا تزال محفورة بداخلنا، فالذاكرة تأبى أن تنسى القتل والمجازر.

 ويضيف عبد اللطيف أنّه نجا وعائلته من موت محتمٍ كان يحاصر مخيم شاتيلا، فالعصابات التي كانت تقتل الناس بشكلٍ عشوائي بدون تمييز بين كبير وصغير، رغم عتادها العسكري وقوتها الميدانية، إلا أنها كانت  ضعيفة أمام قوّة وشجاعة الشبان الفلسطينيين الذين قاوموهم بأسلحتهم البسيطة ومنعوهم من اقتحام المخيم من الداخل، فتركّز القتل على أطرافه.

39 عاماَ مرت، ولا يزال اهالي الشهداء ينتظرون العدالة في جريمة دُوّنت على أنها من أفظع مجازر التاريخ الحديث، ولا يزال المجرمون أحراراً طلقاء.

متابعات/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد