منذ اتباع آلية تقنين الدعم الحكومي للسلع الغذائيّة الأساسية عبر تقنيّة "البطاقة الذكيّة" في سوريا، حُرم الأطفال الفلسطينيون دون سن 14 عاماً، من التسجيل والظفر بالكميّات المخصصة لكل فرد من أفراد الأسرة، وهو ما أحدث فرقاً سلبيّاً كبيراً على الصعيد المعيشي للأسر الفلسطينية اللاجئة في سوريا، التي تضطر لسد احتياجاتها من الأسواق وفق السعر الحر.
ورغم شحّ الكميّات المدعومة التي تباع عبر "البطاقة الذكيّة" والتي جرى اعتمادها منذ شباط\ فبراير 2020 الفائت، وتحدد كيلوغراماً واحداً لكل فرد من أفراد الأسرة شهريّاَ من مادتي السكّر والأرز، إضافة إلى ضمّ مادة الخبز ضمن مفردات البطاقة، إلّا أنّه وبالمعايير السوريّة الجديدة، وبالأخص المجتمع الفلسطيني السوري الذي يجتاحه فقر مطلق بنسبة 91% بحسب أرقام " أونروا"، قد يُحدث الكيلوغرام من أيّ نوع غذاء، فرقاً ملموساً في اليوميات الغذائيّة للأسرة، فكيف إذا كانت مكوّنة من 4 أشخاص، اثنان منهم دون سنّ الـ 14 عاماً؟
وفي هذا الصدد، ارتفعت أصوات اللاجئين الفلسطينيين كثيراً، للنظر في ما بات يوصف بـ " التمييز" غير المألوف، تجاه الفلسطينيين في سوريا، منذ إقرار مسألة تقنين الدعم عبر "البطاقة الذكيّة"، وخصوصاً أنّ تاريخ إدارة الدعم الحكومي للسلع، قد مرّ بعدّة محطات لإعادة هيكلته أو "توجيهه لمستحقيه" ونذكر هنا إجراءات اتخذت عام 2007، رفعت بموجبها الحكومة أسعار السلع المدعومة، وحصرت بيع المحروقات بموجب "بون" يُمنح لحاملي دفتر العائلة، وكانت الحجج حينها حصر الدعم بالمواطنين ومن في حكمهم (أي اللاجئين الفلسطينيين)، والحد من تهريب المادة إلى دول الجوار، دون أن يمس ذلك في وصوله إلى الأسر الفلسطينية أو يستثني شريحة عمريّة منها.
إجراءات "تكامل" فوق القانون؟
لم تُنقص مؤسسة حكوميّة أوخاصة في سوريا، تعمل تحت القانون السوري الذي يساوي اللاجئ الفلسطيني بالمواطن السوري منذ العام 1956، أي تقديم للاجئ الفلسطيني دوناً عن المواطن السوري، إلّا أنّ ذلك قد حصل بالفعل، في إجراءات شركة " تكامل" وهي شركة خاصة أبرمت عقداً مع الحكومة السوريّة لإدارة مشروع "البطاقة الذكيّة" وتعود ملكيتها لشخصيات مقرّبة من رأس السلطة السياسة في البلاد، ويرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال السوري مهنّد الدباغ ابن خالة زوجة رئيس النظام السوري أسماء الأسد حسبما كشفت مواقع سوريّة.
وتحدد "تكامل" شروط التسجيل للحصول على البطاقة، بتقديم الرقم الشخصي المدوّن على بطاقة الهويّة، علماً أنّ اللاجئ الفلسطيني لا يحصل على ذلك الرقم، قبل عبوره سنّ 14 عاماً، أمّا قبل ذلك فتعتمد المؤسسات الحكومية السوريّة "إخراجات القيد" الصادرة عن "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" والمعترف بها من قبل الحكومة السوريّة وفق القانون (260) الصادر عام 1956، والمعمول به دون تعديلات حتّى تاريخه.
وفي تصريح إذاعي وحيد له وهو أحد المسؤولين الأوائل عن إدارة شؤون اللاجئين الفلسطنيين مع الدولة السوريّة، قال مدير" الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" علي مصطفى، في آذار\ مارس المنصرم: إنّ "الجهات القائمة على البطاقة الذكيّة ترفض تسجيل الأطفال الفلسطينيين حديثي الولادة ومن هم دون سنّ الـ 14 للحصول على المخصصات المدعومة".
وأكّد مصطفى في تصريحاته، أنّ الجهات المختصّة بالبطاقة الذكيّة، لا تعترف ببيانات هئية اللاجئين، لحصول الأطفال الفلسطينيين على البطاقة الذكيّة، مؤكّداً مخاطبة كل الجهات المعنيّة لأجل ذلك، ولكن دون ردّ."
"بين إجراءات شركة خاصّة، والقانون، أيّهما أقوى؟" تساؤل طرحه "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" على المحامي السوري المختص بالقانون الدولي عبد القادر الزعبي، الذي أكّد أنّ "الإجراء الخاص بالشركات، لا يمكن أن يخالف القانون، وخصوصاً أن الشركة الخاصّة تعمل بالشراكة مع الدولة ووفق محدداتها."
لا يمكن لشركة خاصّة، أن تفرض قانوناً خاصاً بها دون لوائح قانونية صادرة وفق الأصول
وأضاف الزعبي، أنّ قوانين الشركات الخاصّة وإجراءاتها، تنطبق على نظمها وإدارة شؤونها الداخليّة، وذلك يتفاوت بحسب طبيعة كل دولة ونظام ومدى تدخّل الدول في عمل القطاع الخاص، وتقوم كل شركة بعملها بحسب النظم القوانين التي تنظم عملية التجارة أو الصناعة أو الخدمات المعمول بها في كل دولة ومنظومة وتحت سقفها.
أمّا اذا كانت الشركة الخاصّة تعمل مع الدولة وفق عقد شراكة كما هو الحال مع "تكامل"، فإنّها تعمل وفق محددات القانون المعمول به في الدولة، وبالتالي لا يمكن لشركة خاصّة، أن تفرض قانوناً خاصاً بها دون لوائح قانونية صادرة وفق الأصول، ولا يمكن أن ترفض ما هو قانوني ومعمول به أصولاً في سوريا منذ عقود، الّا اذا كانت هناك تعديلات قانونية على القانون (260) الخاص باللاجئين الفلسطينيين، وجرى تعميم التعديلات وجعلها نافذة في كافة مؤسسات الدولة، وهذا الأمر لم يحدث ولم تصدر بخصوصه أي تعميمات رسميّة، بحسب المحامي الزعبي.
وبالعودة إلى تصريحات مدير "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" علي مصطفى، كان قد أشار فيها إلى "تواصلات عدّة أجرتها الهيئة مع وزارت ومسؤولين، ولكن دون تلقّي جواب، وآخرها توجيه كتاب أُرسل إلى وزارة الداخلية وحماية المستهلك يوم 24 شباط/ نوفمبر 2021، وقبلها خطاب إلى وزارة النفط والثروة المعدنيّة يوم 15 آذار/ مارس من العام 2020 الفائت، إضافة إلى توجيه كتاب رسمي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في تشرين الثاني/ نوفمبر من ذات العام، ولكن دون تلقي أي رد حتّى اليوم.