انتهت العمليات العسكريّة في مخيّم حندرات للاجئين الفلسطينيين منذ العام 2016، و "استقرّت" الأوضاع الأمنيّة في عموم مدينة حلب شمال سوريا بعد انتهاء المعارك بين قوات النظام السوري من جهة، ومجموعات المعارضة السوريّة المسلّحة من الجهة الثانية، منذ خمس سنوات، أمّا حالة الدمار والتهجير التي طالت المخيّم وأهله لم تنته بعد.

انتظار طويل ما تزال تعيشه عائلة اللاجئ الفلسطيني من أبناء المخيّم والمهجّر إلى مدينة اللاذقية "أبو رياض حميدة"، الذي طالما حلم ببساطة وعفوية، الحلم الطبيعي المشترك بين الكثير من الأسر الفلسطينية في مخيّمات سوريا، بأن يبني لابنه الوحيد منزلاً صغيراً فوق منزل العائلة، ليتزوّج بعد إتمام دراسته وخوضه في سوق العمل، وينجب أطفالاً، يترعرعون في كنف الجد والجدّة والأخوات.

هي الحياة الطبيعية التي كانت، على بساطتها وبكل مافيها من صعوبات، ما يحلم "أبو رياض" للعودة إليها، ولا يريد شيئاً آخرَ من الحياة، حسبّما عبّر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين،إلا أنّ هذا الحلم قد تكسّر، ولم يعد في العمر الكثير لانتظار المجهول، فابنه رياض قد كبر، وصار يفكّر في حياته ومستقبله بعيداً عن هذه الحال.

يقول اللاجئ "أبو رياض حميدة" وهو أبّ لابنتين وشاب وحيد، إنّ وحيده بات يفكّر بالهجرة ويسعى اليها كمخرج وحيد لحياته، بعد أن هاجرت ابنتاه وزوجاهما قبل سنتين.

لا نستطيع أن نفرض على أبنائنا البقاء معنا ولو أنّ خيار الهجرة بات خطراً أكثر من البقاء في البلد

فابنه البالغ من العمر الآن 19 عاماً، قضمت الحرب وظروف التهجير سنيّ حياته، التي لا تبدو نهايتها قريبة بحسب قناعات "أبو رياض"، في ظل حالة اليأس التي تحتل نفوس اللاجئين المهجّرين إزاء العودة إلى مخيّماتهم المدمّرة منذ سنوات، وتوالي الانهيارات الاقتصادية والمعيشيّة في سوريا، وحصارها لأحلام الشباب في بلد لم يعد يتيح لسكّانه سوى التنفّس بصعوبة "عم نتنفّس بطلوع الروح" وفق تعبيره.

يقول أبو رياض: إنّ "الأوضاع التي فرضتها ظروف التهجير الطويل الذي نعيشه، جعلتنا لا نستطيع أن نفرض على أبنائنا البقاء معنا، ولو أنّ خيار الهجرة بات خطراً أكثر من البقاء في البلد.

ويضيف : منذ انتهت العمليات العسكريّة عام 2016 واستقرّت الأوضاع، اعتقدنا أننا سنعود إلى المخيّم من أجل استئناف حياتنا وأحلامنا، لنكتشف لاحقاً  أنّ الأمور أكبر من حلمنا، وليس بيدنا أيّة حيلة.

كان لـ" أبو رياض" في مخيّم حندرات منزل على مساحة 110 مترات، وكان يجهّز لبناء طابق ثاني لوحيده، ويدخّر الليرة فوق الأخرى في سبيل ذلك، على أمل أن يكتمل المطلوب مع بلوغ ابنه الذي كان طفلاً قبل الحرب، السنّ المناسب للزواج، حسبما روى لموقعنا، مشيراً إلى أنّ منزله أصبح ركاماً منذ عام 2014 حين تعرّض لقصف بقذائف الهاون في المعارك التي أخذت من المخيّم ميداناً لها حينذاك، وكان اللاجئ وأسرته قد خرجوا نازحين إلى مناطق الجوار، قبل اختيار مدينة اللاذقية كمستقر.

وقع دمار منزل أبو رياض كان بالغ الشدّة على نفسه، وهبط بوضعه إلى دون الصفر، "فليس لنا كلاجئين فلسطينيين سوى مخيماتنا، ومنازلنا التي بنيناها بتعبنا أو ورثناها عن آبائنا"كما يقول، إلّا أنّ ترك المخيّم دون إعمار وأهله بحالة تهجير منذ عام 2016، أفقده الأمل ولم يعد قادراً على إقناع ابنه بالبقاء.

"فلم يعد المنزل هو الهمّ الوحيد"رغم أن إعادة إعماره مكلفة جدّاً، في ظل غياب أي جهة تقدّم تعويضاً للاجئين عمّا فقدوه، إضافة لحال المخيّم الذي طاول الدمار كلّ شيء فيه ولا يوجد بداخله ما يحفّز على عودة الحياة. وإلى جانب هذا الهمّ، يقول أبو رياض: بأنه يعتاش من معونة وكالة "أونروا"، وكذلك على عمله كبائع في مستودع أغذية ودخله بالكاد يكفي أجرة المنزل والطعام، فكيف  يقنع ابنه في ظل انعدام فرص العمل والمستقبل على البقاء، يتساءل بأسى.

حال أبو رياض هذه مشتركة بين آلاف اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين داخلياً في سوريا بعد دمار مخيّماتهم، وخصوصاً أهالي مخيّم حندرات الذين لم يتح لهم انتهاء العمليات الحربيّة، تجاوز نكبة مخيّمهم رغم مرور سنوات طويلة من الوعود والحديث عن إعادة الإعمار.

منذ استقرار الأوضاع الأمنية لم تسجل أي عمليات جدية لإعادة إعمار الأحياء المدمرة

ويعيش أهالي المخيّم حالة تهجير متواصلة عن مخيّمهم منذ عام 2016، حيث تعرّض المخيّم إلى عمليّة عسكريّة واسعة أدّت إلى تدمير قرابة 70% من عمرانه وبناه التحتيّة.

والجدير بالذكر، أنّه منذ "استقرار" الأوضاع الأمنية في المخيّم، لم تُسجّل أيّة عمليات جديّة لإعادة إعمار الأحياء المدمّرة، وبحسب ما رصد " بوابة اللاجئين الفلسطينيين" منذ العام 2016، باستثناء بعض الترميمات الفرديّة لعائلات عادت ولم تتخطَّ أعدادها 250 عائلة من أصل 8 آلاف.

فيما يتوزّع أهالي المخيّم المهجّرون، بين مناطق مدينة حلب وضواحيها إضافة إلى قصد عدد منهم ضواحي مدينة دمشق، فيما هُجّر المئات منهم قسراً إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمالي سوريا،  وتعيش نحو 100 أسرة في مدينة اللاذقيّة، وسط ظروف معيشيّة صعبة، يضطّرون كما سائر المهجّرين لدفع إيجارات منازل مرتفعة، في في ظل شحّ فرص العمل وارتفاع الأسعار، واعتماد شبه كامل على معونات وكالة "أونروا" الشيحية.

وتصنّف وكالة "أونروا" المخيّم على أنّه منطقة غير آمنة، لعدم قيام الجهات المختصّة بأي مشاريع جدّية لإزالة مخلّفات الحرب من ألغام وذخيرة حيّة لم تنفجر، ما يدفع الوكالة الدوليّة لإرجاء عمليات إعادة تأهيل منشآتها داخل المخيّم، فيما يحول الدمار الكبير وعدم القيام بعمليّات إعادة إعمار وتأهيل دون عودة سكّانه.

فيديو قديم حول مخيم حندرات

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد