في مخيم برج البراجنة في العاصمة اللبنانية بيروت حياة اللاجئ الفلسطيني تضيق عليه فوق الأرض كما تحتها. لم يقف الحرمان عند الخدمات الأساسية المغيبة عن سكان المخيم أسوة ببقية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ليطال أيضاً أبسط الحقوق في إيجاد قبر يوارون به الثرى به بعد الموت.

حماة اللاجئة الفلسطينية ابنة مخيم برج البراجنة، خديجة أبو طاقة، توفيت منذ أيام قليلة، ليضطر أهلها لدفنها فوق ابنها وهو خطيب خديجة الذي توفي منذ نحو 8 سنوات، بسبب عدم توفر قبر لها، أو دفنها في مقبرة سبلين للاجئين الفلسطينيين، وهي تبعد عن منطقة بيروت مقدار نصف ساعة بالسيارة.

توسيع المساحات

تقول خديجة أبو طاقة: إن سكان المخيم طالبوا بتوسيع المساحات المحيطة وفتحها على المقبرة لكن للأسف لم يصغ لهم أحد وتم بناء بنايات حولها.

وحول عدم دفن سكان مخيمات بيروت موتاهم في مقبرة سبلين، تضيف أبو طاقة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنه من غير المعقول أن الناس تسكن في بيروت وتذهب لسبلين وتدفن موتاها، وحين تريد زيارتهم ستضطر للذهاب هذه المسافات الطويلة، "الوضع لا يسمح مادياً ومعنوياً وجميع النواحي".

وترى أنه إذا تعثرت أمور الدفن، فإن الحل الوحيد هو فتح القبور وتجميع العظام وحفر المقبرة من جديد ودفن منتظم مع المحافظة عليها وتشييد غرف تحت الأرض لكل عائلة، داعية المسؤولين عن حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عامة، ومخيم برج البراجنة خاصة ، إلى إيجاد حلول لأزمة ضيق المقبرة بأسرع وقت قبل فوات الأوان.

موت مكلف مادياً

تعددت الاقتراحات والرفض واحد، تقول سماح ديراوي اللاجئة الفلسطينية في مخيم برج البراجنة "منذ مدة عرض بعض أهالي المخيم اقتراحاً يتجسد بدفن الرجال فوق بعضهم والنساء فوق بعضها، إلا أن بعض العائلات رفضت ذلك، الأمر الذي عقد الأزمة أكثر".

 تضيف ديراوي: إن حفر القبور الجديدة بات يتم بطريقة يتضاعف فيها عمق القبر ليتسع لخمسة أشخاص تقريباً، بالإضافة إلى الصب فوق القبور، أي أنه في حال توفي شخص جديد من عائلة المتوفى القديم يتم دفته في القبر ذاته دون أن يؤثر عليه"

وبحسب ديراوي فإن موت الإنسان الفلسطيني في لبنان بات مكلفاً، ليست حياته فقط، فكلفة القبر والحفر باهظة جداً، وأبسط حقوق الإنسان محروم  منها الفلسطيني حتى بعد الموت. مطالبة بتأمين  مقبرة قريبة على مخيمات بيروت لتسهيل عملية دفن موتاهم، فليس معقولاً أن يتم دفن خمسة أشخاص سوياً، أو يتوفي فلسطيني وليس بمقدور أهله دفع كلفة الدفن.

وفق أخر إحصاء لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة 16 ألفاً، لكن العدد ازداد في الأعوام الماضية. ويلجأ جميع سكان المخيم بمن فيهم المهجرون من سوريا إلى دفن موتاهم في مساحة صغيرة لا تتعدى مائة متر مربع، كانت سابقاً عبارة عن ملعب لكرة القدم أسسته مؤسسة الأشبال الفتوة التابعة لحركة فتح عام 1981.

ومع بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ومن ثم حرب المخيمات بين عامي 1985 و1988، لم يكن باستطاعة أهالي المخيم دفن موتاهم في مقبرة الشهداء خارجه نظراً لصعوبة التحرك، فطلبوا من القيادة الفلسطينية آنذاك أن يتحول هذا الملعب إلى مقبرة.

ومع مرور السنوات، امتلأت المساحات داخل المقبرة ولم تعد قادرة على استيعاب المزيد من قبور الموتى، الأمر الذي فاقم الأزمة لدى أهالي المتوفين كونهم باتوا يلجأون إلى دفن موتاهم فوق بعضهم البعض.

250 قبراً جديداً

في خطوة من شأنها أن تخفف من حدة أزمة عدم توفر القبور لفترة قصيرة، أطلقت حركة الجهاد الإسلامي مشروع استحداث مئتين وخمسين قبراً في مقبرة الشهداء في مخيم برج البراجنة.

 يقول مندوب حركة الجهاد الإسلامي في اللجنة الشعبية لقوى "التحالف الفلسطيني" في مخيم برج البراجنة، أبو أشرف محمود: إن الحركة اتخذت المبادرة بناء على مناشدات من أهالي المخيم، فرصدت 375 مليون ليرة لاستحداث 250 قبراً بين القبور القديمة المبنية عشوائياً في مقبرة الشهداء حرصاً على رفع معاناة أهالي المخيم.

وحول الأسباب التي دفعت إلى إطلاق هذه المبادرة، يوضح محمود: "إضطررنا لهذا المشروع نظراً لعدم توفر قبور جديدة، بعد أن وصلت الأمور لأن ندفن في القبر الواحد من اثنين حتى خمسة أشخاص و العدد قابل للزيادة".

وأكد أن "هذه المبادرة ضرورية لتنظيم الدفن بشكل أدق، خاصة أنه ما قبل العام 1995 كانت عملية الدفن تتم بطريقة عشوائية، إلى أن تم تدارك الأمور وبدأنا بتنظيم القبور بعد أن شارفت على الامتلاء".

وحول كلفة الدفن في المقابر خارج المخيمات، يشير إلى أن "مقبرة سبلين رغم بعدها والمشقة على أهل المتوفى، أصبحت تأخذ 100 دولار من الفلسطيني اللبناني، وللفلسطيني القادم من سوريا بالمجان، أما تكلفة مقبرة بئر حسن تصل إلى نحو ألف دولار أمريكي، في مدافن أخرى غير مسموح للفلسطيني أن يدفن فيها".

ولفت محمود إلى أن الأزمة يمكن أن تحل عبر استغلال مساحات داخل المقبرة واستحداث قبور جديدة"، داعياً الوجهاء وممثلي الروابط في المخيم التعاون لتنفيذ المشروع من أجل المصلحة العامة.

يقع اللاجئ الفلسطيني في لبنان بين مطرقة غلاء كلفة القبور وعدم قدرة بعضهم على دفعها، وبين سندان منعهم من الدفن في مقابر خارج المخيمات، وخصيصاً في منطقة بيروت، الأمر الذي يزيد من مصابهم الأليم في حال الوفاة. ما يدعو إلى تحرك عاجل من قبل المعنيين عن  متابعة شؤون اللاجئين الفلسطينيين قبل فوات الأوان، فإكرام الميت دفنه.