خلال الأعوام العشرة الأخيرة، يسيطر هاجس الهجرة على الشباب الفلسطيني في قطاع غزّة بشكل لافت، فمنهم من سلك هذا الطريق مرغماً ليبحث عن مكانٍ آمن للعيش، أو دولةٍ تلبّي الحد الأدنى من طموحات الشباب الفلسطيني المُحاصَر منذ أكثر من 15 عاماً من قِبل الاحتلال الصهيوني.
يقول أحمد أبو شاويش من مُخيّم النصيرات وهو لاجئ فلسطيني من قرية برقة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّه لو أتيح له المجال فسيكون من أوائل المسافرين هرباً من قلّة العمل وانتشار البطالة في صفوف الشباب، خاصّة بعد مرحلة التخرّج من الجامعة.
خلود أبو شاويش أيضاً وهي طالبة جامعية في مُخيّم النصيرات تحلم بالسفر والهجرة وتبرر ذلك بأن: هناك الآلاف من الخريجين ممن لديهم أحلامهم الخاصّة وطموحات يتمنون تحقيقها، لكنّ في غزّة لا يستطيعون، لا سيما منهم اللاجئون الذين يعيشون في المخيمات ولا يملكون أي مصدر رزق بينما تنهش البطالة أحلامهم ويدفنها واقع الفقر والحصار.
تتأمل خلود أن تجد طريقاً للشفر خارج قطاع غزة من أجل الحصول على عمل بعد تخرجها، معبرة عن فقدانها للأمل من إيجاد فرصة عمل داخل القطاع المحاصر بفعل الاحتلال الصهيوني.
يشاركها الرأي محمد عويضة من بلدة المغار وهو لاجئ فلسطيني إلى مُخيّم النصيرات، ويتحدث عن صعوبة الحياة في قطاع غزة خصوصاً لدى شريحة الشباب.
يشرح أكثر بالقول: تجد الشاب بلغ من العمر 40 عاماً ولم يتزوّج بعد، وحاولنا أكثر من مرّة أن نسافر لكن الأمور أيضاً صعبة على الفلسطيني أينما ذهب وخاصّة الفلسطيني الغزّي، مشيراً إلى أن أخاه سافر إلى تركيا وحتى الآن أموره صعبة وما يكمّل حياته بشكل لائق بعد "يبلغ من العمر 30 سنة وحتى الآن غير متزوج".
اللاجئ الفلسطيني فهمي عبد القادر أب لثلاثة شباب مهاجرين إلى أوروبا، ومن حسن حظهم أنهم وصلوا إلى بر الأمان، في ظل حالات الفقدان على طرق البر والبحر.
عبد القادر المنحدر من قرية يازور ويعيش حالياً في مُخيّم النصيرات يقول: إنّ عدم وجود العمل والظروف الاقتصادية التي نعيشها والانقسام البغيض هما السبب الرئيسي في هجرة الشباب الذين يفتقرون إلى العمل في بلدانهم، وتجد الشاب يريد أن يبني بيتاً ومستقبلاً فلا يجد عملاً مناسباً له، وهذا ما يدفع الشاب إلى الخروج من المخيم أو القطاع والذهاب إلى تركيا ومن تركيا يرمون بأنفسهم في البحر أو في الغابات.
عبد القادر حزين لبعد أبنائه عنه، لكن هذا الحزن ممزوج بشيءٍ قليلٍ من الفرح، لا سيما وأنّ أبنائه خرجوا ليجدوا فرصة عمل وليكوّنوا بيوتهم وليبحثوا عن حياتهم الجديدة.
في المقابل، فإنّ هذا الطريق -طريق الهجرة- ليس مفروشاً بالورود، بل كلف عشرات الشباب من قطاع غزة حياتهم بمعنى الكلمة، ولذلك يُفجع أهالي القطاع من حينٍ إلى آخر بفقدان شباب في عمر الورود على طريق الهجرة إلى أوروبا، إمّا غرقاً أو يبقون في عداد المفقودين.
يؤكّد ماهر نسمان رئيس اللجنة الشعبية للاجئين في مُخيّم النصيرات، أنّ الشعب الفلسطيني يعيش الهجرة والتهجير أبّاً عن جد ولأجيالٍ متلاحقة، ووضع الهجرة الذي يعيشه الشباب الفلسطيني داخل قطاع غزة في ازدياد مضطرد والموضوع ليس فقط متعلقاً بمن هاجروا لأنّه لا يوجد إحصائيات دقيقة للمهاجرين الشباب، لكن هناك بعض المؤسّسات الأمميّة تتحدث عن حوالي 70 ألف مهاجر ما بين عام 2014 لعام 2020 وهذا طبعاً عدد مهول إن صح هذا الرقم.
ويرى نسمان، أنّ المشكلة الأكبر هي أن الشباب الموجودين الذين لم تتح لهم الفرصة للهجرةما زالت لديهم الرغبة في الهجرة، وآخر دراسة لجامعة الأقصى تقول إن حوالي 51% من الشباب الفلسطيني داخل قطاع غزة يفكّر في الهجرة، وهذه الهجرة تعني الذهاب إلى المجهول ومحفوفة كلها بالمخاطر في الوقت الذي فيه تأتي فيه "إسرائيل" بكل يهود العالم ليستوطنوا في أراضينا المحتلة.
وأشار نسمان إلى أنّ السبب الأّول والرئيسي هو الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وأيضاً ما يزيد ويعزّز من هذه المعاناة هي حالة الانقسام والتشرذم الفلسطيني في الحالة السياسيّة بشكلٍ عام.
يُشار إلى أنّه لا توجد أي إحصائيّة رسميّة صادرة عن الجهات الحكوميّة في غزّة أو حتى المؤسسات الحقوقيّة بشأن أعداد الشباب والعائلات التي هاجرت من قطاع غزّة خلال السنوات الأخيرة التي أعقبت عدوان 2014.
وتحيي الأمم المتحدة اليوم العالمي للمهاجرين في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، وقد يختلف مفهوما الهجرة واللجوء اختلافاً جذرياً في التعريف وأسباب الفعل والتداعيات السياسية لكل من الحالتين، وحتى الالتزامات المترتبة من قبل المجتمع الدولي والدول المضيفة سواء للمهاجرين أو اللاجئين تجاه هاتين الشريحتين من المجتمع.