قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، إنّ وكالة "أونروا" ورغم ترحيبها هذا العام بعودة الولايات المتحدة بصفتها أكبر المانحين الداعمين لها، إذا أنّ الدخل من المانحين لا يزال دون الاحتياجات لأن الكثيرين إمّا خفضوا التمويل أو حتى توقفوا كلياً، وأنا أدرك بشكل مؤلم أن الأخبار عن الوضع المالي الصعب لوكالة "أونروا" تضيف طبقة أخرى من الضيق إلى حياة اللاجئين.
ولفت لازاريني في رسالةٍ وجهها للاجئين الفلسطينيين، إلى أنّه عندما ينهار كل شيء من حول اللاجئين، تصبح القدرة على إرسال أطفالهم إلى المدرسة والحصول على الرعاية الصحية والمشاركة في شبكة الأمان الاجتماعي بمثابة شريان حياة، ومنذ توليت منصب المفوض العام في نيسان/ إبريل 2020، كانت أولويتي دائماً الحفاظ على استمرار جميع الخدمات في العمل. واليوم أشعر بالارتياح لأننا نجحنا في إبقاء 710 مدارس و140 عيادة مفتوحة هذه السنة، وحمينا شبكة الأمان الاجتماعي لصالح ما يقرب من 400,000 لاجئ فقير في شتى أنحاء المنطقة.
وشدّد لازاريني على أنّ الأزمة المالية التي شهدناها هذه السنة ليست أزمة أخرى جديدة، فقد ظل تمويل المانحين للوكالة راكداً منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وظل قاصراً عن ملاقاة المبلغ اللازم لضمان استمرار الخدمات بجودة عالية، وفي الوقت نفسه، استمر عدد اللاجئين في النمو، فيما ارتفع الفقر ومجالات الضعف بصورة حادة، لذلك فإنّ الأزمة المالية ذات طبيعة وجودية.
كما أكَّد على أنّ بعض القرارات المتعلقة بتخفيض الدعم لوكالة "أونروا" أو وقفه ما هي إلا قرارات سياسية، فمنذ عام 2018، تعرضت الوكالة وولايتها لهجمات سياسية متزايدة تهدف هذه الهجمات إلى الإضرار بسمعة الوكالة، وهي تستند إلى فكرة حمقاء وخاطئة مفادها أنها، بإغلاق "أونروا"، ستمحو 5,8 مليون لاجئ فلسطيني، وأؤكّد لكل اللاجئين أن حقوقكم بما في ذلك حقكم في العودة والتعويض، مكرسة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ولا علاقة لها بولاية "أونروا"، ولمواجهة النقص المزمن في التمويل، استنفدت "أونروا" ما لديها من احتياطيات منذ بضع سنوات، وأدخلت إصلاحات لزيادة الكفاءة، واعتباراً من عام 2015، اعتمدت الوكالة تدابير متزايدة للتقشف ومراقبة التكاليف سمحت لنا بمواصلة تقديم الخدمات، ومنذ عام 2019، أصبحنا أيضاً نقوم بتحميل التزامات كبيرة الحجم من سنة إلى أخرى، مما يعني أننا نبدأ كل سنة ونحن مديونون.
وتابع لازاريني: اليوم بلغ التقشف حده الأقصى وأصبح يؤثر على جودة خدماتنا، إذ يصل التقشف إلى حده الأقصى عندما نضع 50 طفلاً في غرفة صفية واحدة أو نترك الأطفال الأشد حرماناً دون وسائل نقل أو قرطاسية، ويصل التقشف إلى حده الأقصى عندما لا يتمكن الطبيب من قضاء أكثر من ثلاث دقائق مع المريض، ويصل التقشف إلى حده الأقصى عندما يكون العديد من المعلمين وعمال النظافة عاملين بالمياومة، وهؤلاء هم موظفون في الخطوط الأمامية ويؤلمني حقاً أن "أونروا" لا يمكنها حتى الآن منحهم وظائف أكثر استقراراً، ويصل التقشف إلى حده الأقصى عندما لا نتمكن من زيادة عدد اللاجئين الفقراء الذين نستطيع دعمهم في وقت يتفشى فيه الفقر.
ورأى لازاريني أنّه ومواجهة هذه المحنة، فإن الشيء الصحيح الوحيد الذي ينبغي القيام به هو الدفاع بدون كلل عن حقكم في حياة كريمة وإخبار المانحين بأن الإعياء والأولويات المنافسة ليست عذراً لنقص التمويل، وفي المؤتمر الدولي الذي تشاركت في استضافته الأردن والسويد في بروكسل في تشرين الثاني/ نوفمبر، قلت للمانحين بوضوح إن "أونروا" واللاجئين الفلسطينيين لا يمكنهم أن يحملوا على عاتقهم نتائج فشل المجتمع الدولي في التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم، وكررت التأكيد على أنه في غياب حل سياسي عادل، يجب أن تكون "أونروا" قادرة على العمل دون أن تظل تحت تهديد مستمر بنقص الأموال.
وأشار إلى أنّ ولاية "أونروا" واضحة وتحظى بتأييد دولي واسع النطاق، ويجب الآن ترجمة هذا الدعم السياسي إلى موارد تعادله، أمّا "أونروا" فعليها أن توفق بين الخدمات المتوقعة منا والأموال المتاحة، وقد حذرت المجتمع الدولي مراراً وتكراراً من أن عدم القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى التعجيل بانهيار الوكالة.
وجدّد تأكيده على أنّ نجاح الوكالة مرهون بقدرتها على الاعتماد على تمويل كافٍ ومستدام ويمكن التنبؤ به، وستحتاج إلى مزيد من التمويل الطويل الأجل من المانحين الحاليين، وتوسيع قاعدة المانحين، وزيادة حشد التمويل بالقنوات الرقمية، بما في ذلك التبرعات الإسلامية، كما يتطلب ذلك منا النظر في آليات ونماذج الشراكة والتمويل المبتكر لضمان استمرار وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى جميع الخدمات، كما أن النجاح يتطلب منا حماية الوكالة من أولئك الذين يحاولون الإضرار بسمعتها ونزاهتها وأغراضها، وذلك أدرك المانحون الآن هذه المخاطر ووافقوا على دعمنا في حماية الوكالة، ولكن علينا أن نظل يقظين لأن المتحاملين علينا سيستغلون أية حادثة لتقويض سمعة الوكالة.
وبيّن لازاريني أنّ "أونروا" ستستمر في العمل بقوة على صد الاتهامات الكاذبة والساعية للإثارة التي تتهم "أونروا" بأنها تعلم الكراهية في مدارسها أو تتهم موظفينا بأنهم يروجون للعنف، وسنواصل أيضاً الدفاع عن حق أطفال اللاجئين الفلسطينيين، أينما كانوا، في التعرف على هويتهم وتراثهم الفلسطيني، ولن تحاول مدارسنا أن تنكر الظروف الصعبة التي يعيشون فيها، مثل المعاناة التي يعيشها أكثر من 300,000 طفل لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية نتيجة لعواقب الاحتلال.
وفي ختام رسالته، قال لازاريني إنّ "أونروا" وصلت إلى نقطة تحوّل في تاريخها، وسيتطلب الأمر اتخاذ قرارات جريئة لضمان استمراركم أنتم وعائلاتكم في الوصول إلى خدمات عالية الجودة تشكل جزءاً من حقكم في حياة كريمة، وهذا هو الهدف الرئيسي للإدارة العليا لوكالة "أونروا"، ولن ندخر جهداً للدفاع عن حقكم في العيش بكرامة.