حين تمطر السماء تغرق بيوت اللاجئين وشوارعهم وقد يلقى بعضهم مصرعه بفعل تداعيات ذلك على بنية المخيمات التحتية المنهارة، شهداء يسقطون بفعل الصعقات الكهربائية أو اختناقاً بأدوات التدفئة البدائية وغيرها من الحوادث المميتة.
هذا الحدث المتكرر يتم النظر إليه كوضع طبيعي، فمن البديهي حسب النظرة السائدة أن تكون المخيمات بائسة ورديئة البنى التحتية، فهؤلاء بالنهاية لاجئون فقراء تنقصهم الموارد، يعانون من جراء فقدانهم لبلادهم ومساحة عيشهم وأملاكهم منذ أكثر من ٧٤ عاماً.
الإشكال أن هذا الحكم بحتمية بؤس حياة اللاجئين بات يهيمن على كامل عمليات رسم السياسات تجاههم، بحيث تصاغ المشاريع وتبنى الخطط والموازنات وفقاً لمعايير الحد الأدنى وما دونه، وهكذا يتم إنفاق ملايين الدولارات على مئات المشاريع الترقيعية المكررة.
هذه المشاريع شكلت بديلاً للبنية التحتية وتتكون من خليط من الشبكات المتنافرة غير الفعالة، كما أنها كدست آلاف أنواع التمديدات في شوارع ومساحات المخيمات -معظمها ملغاة ولا تعمل-، وجميعها لا تفي بالحد الأدنى من معايير السلامة.
إن وعي اللاجئين الفلسطينيين بما تم إحداثه في مخيماتهم ومساحة حياتهم، وشهاداتهم حول ذلك، يشكل إجابة على أي تساؤلات أو ردود قد تتذرع بقلة الموارد، وإذا كان المعتاد في التغطية الإعلامية حول مجتمعات اللاجئين هو نقل خطاب وتفسيرات الجهات الدولية والمؤسسات المسؤولة عن إدارة حياتهم وتشكيل ظروفهم، فإن هناك واجباً يحتم إظهار صوت اللاجئين المكتوم والمهمش تجاه هذه المسائل، فتغييب هذا الصوت بحجة امتلاك هذه المؤسسات لدراية أكبر بشأن قضايا تقنية معقدة كهذه، يحمل حكماً بإزدراء وعي اللاجئين بظروف حياتهم وبتأثير السياسات التي تُخطط من الأعلى بمعزل عنهم ويتم إسقاطها عليهم.
في سلسلة من المقابلات التي أجراها بوابة اللاجئين الفلسطينيين مع سكان المخيمات الفلسطينيين في لبنان، يشير معظم اللاجئين إلى فشل في التخطيط لازمَ معظمَ المشاريع التي تمَّ تنفيذُها في المخيمات فيما يتعلق بالبنية التحتية، وكيف تضاربت هذه المشاريع، وبدلاً من التخطيط الشامل لبنية تحتية متكاملة، تم على الدوام إحلال شبكات أحدث وأقل قدرة، وإلغاء شبكات أقدم بدلاً من العمل على تحقيق احتياج السكان في توسيع وتطوير الشبكات القديمة وزيادة قدرتها.
بشأن أحد المشاريع الخاصة بالصرف الصحي يجادل اللاجئين بأن ما حدث هو إضافة شبكة من مواسير جديدة أصغر قطراً وقدرة بدلاً من تلك القديمة الأوسع والأقدر على استيعاب المياه فيما تم إلغاء القديمة وتعطيلها، وهو ما يقود سنوياً لغرق المخيم.
مواصلة إخبار اللاجئين بأن عليهم الغرق بمياه الأمطار والموت بالصعقات الكهربائية لأنهم لاجئون يستحيل إقامة بنى تحتية لائقة وآمنة في مخيماتهم هو محض جريمة، لا يمكن توصيفها بأقل من ذلك، وأي تنظير سياسي أو تقني يسعى لتبرير استمرارها هو جزء من الاستلاب المستمر لحق اللاجئين في الحياة وأيضاً لصوتهم الذي يجب أن يسمع بشأن قضاياهم بما في ذلك تلك المعيشية منها.
واحدة من أسوأ التقنيات الخطابية المستخدمة ضد اللاجئين لإسكات صوتهم وتأبيد بؤسهم هي مقاربة كل محاولة منهم للمطالبة بتحسين ظروف عيشهم باعتبارها انتقاصاً من حق العودة، وهذه المقاربة تحمل غبناً مضاعفاً بحقهم، فهي تتجاهل أولاً حقهم الإنساني بالحياة والحفاظ على أرواحهم، كما أنها تنتقص من التزامهم بحقهم في العودة لبلادهم، فهذا الحق لم ينتج عن بؤس الحياة في المخيمات فحسب، و لم يفرضه أحد على اللاجئين الفلسطينيين دون غيرهم، بل هو احتياج ضروري لأي مجموعة بشرية تتعرض لمثل الجريمة التاريخية التي تعرض لها الفلسطينيون بتهجيرهم من ديارهم، وتمسكهم به هو جزء من سعيهم لتحقيق ذاتهم وتقرير مصيرهم وتحديد مستقبل أجيالهم وبناء هويتهم التي ينتجها تفاعل الإنسان مع أرضه وبيئته ومساره في مواجهة التحديات التاريخية التي تُلقى على أي جماعة بشرية.
العودة قرار اللاجئين المحتوم ولكن البؤس والموت بالصعقات الكهربائية كما التهجير ليس قدرهم ولم يختاروه ولا يجب أن يطالبهم أحد بالاستسلام له.