تكرّس اليوم العالمي للمرأة والذي يصادف الثامن من آذار في كل عام كرمزٍ لنضال المرأة من أجل انتزاع كامل حقوقها في كافة المجالات ومُحاربة كل أشكال الاضطهاد والتمييز والإفقار، بينما ما تزال المرأة الفلسطينيّة بشكلٍ عام، واللاجئة في المُخيّمات على وجه الخصوص تُعاني من مرارة استلاب الحقوق وقساوة الحياة التي تعيشها بين جدران المُخيّم، وكل ذلك بفعل الاحتلال الصهيوني، وسياسات السلطة الفلسطينية.
المرأة الفلسطينيّة في المُخيّم تُعاني من عدم الاستقرار في ظل أنّ المُخيّمات الفلسطينيّة بالضفة المحتلة تحتل مرتبةً أولى في عمليات المداهمة والاعتقال والاغتيال التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني بشكلٍ يومي، وتطال هذه الاعتقالات النساء في المُخيّمات ويُزج بهنّ في سجون الاحتلال، كما تعاني من قوانينٍ عرجاء لا تسند المرأة ولا تحقّق لها ما ترنو إليه من حقوقٍ منصفة في ظل الواقع الاجتماعي والاقتصادي الهشّ في هذه المُخيّمات.
تحدياتٍ مختلفة أمام المرأة في المُخيّم
تقول عضو اتحاد لجان المرأة الفلسطينيّة مريم المصري، وهي من سكّان مُخيّم بلاطة شرقي نابلس: إنّ من أبرز التحديّات التي تواجه النساء الفلسطينيات في المُخيّم هي حالة الاكتظاظ الكبيرة، فمثلاً مُخيّم بلاطة يوجد فيه أكثر من 27 ألف نسمة على مساحة ربع كيلو متر مربّع، إلى جانب انتشار الفقر الذي يعدّ أيضاً تحدياً أمام النساء، بالإضافة إلى أنّ نسبة البطالة عالية جداً وتتجاوز نسبة 50% داخل المُخيّم.
حكومة السلطة الفلسطينيّة شبه مغيّبة عن نساء المُخيّمات
وتضيف المصري أن هذه المشاكل تترافق مع ندرة فرص العمل في المُخيّمات الفلسطينيّة للشابات والخريجات الفلسطينيّات، إذ أنّ الكثير منهن يضطررن للعمل في أماكن بعيدة عن تخصصاتهن وخارج المُخيّم، وهناك من يلجأن مضطرّات للعمل في مستوطنات الاحتلال ومصانع التمور الموجودة في أريحا ومناطق الأغوار للحصول على دخلٍ يؤمّن لهنّ قوت أطفالهن، وهذا بالتأكيد بفعل عدّة عوامل أبرزها قلّة فرص العمل لفتيات المُخيّمات، فيما أشارت إلى أنّ عمليات الاعتقال التي ينفذها الاحتلال تؤثّر بشكلٍ مباشر على نساء المُخيّم، فإذا لم تكن هي معتقلة يكون زوجها أو ابنها أو أخوها، وهذا يحملها العبء الأكبر خاصّة إذا كانت هي الزوجة، إذ يصبح على كاهلها تحمّل مسؤولية بيتها كاملةً في ظل غياب زوجها بفعل الأسِر، والكثير من الزوجات هنّ من يستلمن عمل أزواجهن سواء في الأعمال الخاصّة أو الأعمال التجاريّة لتسيير أمور حياتهن، وقد تكون أعمال شاقة بحاجة إلى قوة عضلية.
أمّا على صعيد الدور الرسمي في دعم المرأة الفلسطينيّة في المُخيّمات، فترى المصري أنّ حكومة السلطة الفلسطينيّة شبه مغيّبة عن نساء المُخيّمات، لا سيما وأنّ الجميع يعلم عن مسألة تأخير صرف الرواتب إلى جانب عدم دفع مخصّصات الشؤون الاجتماعية لآلاف الأسر الفلسطينيّة في المُخيّمات منذ قرابة أكثر من عام، فهذه الأسر تعتاش على هذه المخصصات التي هي بالأساس قليلة جداً ومن المفترض أن تُصرف كل ثلاثة شهور، إذ لا تكفي هذه المُخصصات الموظّف العادي لشهرٍ واحد، وحالياً الأسر الفقيرة والنساء في المُخيّمات يعانين الأمرّين بفعل تأخير الحكومة التي لا تقوم بدورها المطلوب في تأمين الحياة الكريمة لهنّ وخاصّة في المُخيّمات التي تعتبر مهمّشة ولا يجري التركيز عليها مثل المدن.
تقليصات "أونروا" طالت كل شيء ولم تعد الوكالة تلعب دوراً كالسابق
وحول دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تقول المصري: إنّ تقليصات وكالة "أونروا" طالت كل شيء، حيث لم تقتصر على المواد الغذائيّة المقدّمة للاجئين فقط، بل لم يعد هناك فرص عمل ثابتة، والأغلب يعمل اليوم على نظام "العقود" لمدّة شهر أو شهرين ما تسبّب بزيادة نسبة الفقر، مُشيرةً إلى أنّ وكالة "أونروا" أصدرت مؤخراً قراراً يقضي بمنع توظيف الأقارب من الدرجة الأولى للموظفين الموجودين في مؤسّسات وكالة الغوث، مايقلل على اللاجئات الفلسطينيات فرص عمل جديدة لتأمين حياةٍ كريمةٍ لهنّ.
وشدّدت المصري وهي منسقة إداريّة في مشروع دعم المرأة بالمنتدى التنويري، على أنّ وكالة "أونروا" لم يعد دورها كما السابق، وهناك تقصير كبير من جانبها تجاه المُخيّمات والمرأة الفلسطينيّة، وأيضاً هناك قرارات غير منصفة بحق جميع اللاجئين بحيث تتأثّر المرأة في المُخيّم بشكلٍ مباشر من كل هذه القرارات والتقليصات بحكم أنّها جزء أساسي من مجتمع اللاجئين.
نساء المُخيّم لا يأخذن فرصهن
مُخيّمات اللاجئين بالضفة مليئة بالطاقات النسويّة والكوادر والنخب، ودائماً ما تُخرّج النساء والفتيات اللواتي يصلن إلى مراتبَ متقدّمة وفي مجالاتٍ عديدة، ويبدعن ويخلقن من ظروفهن أروع صور النجاح.
في هذا الإطار، تقول الناشطة الاجتماعيّة آلاء دويكات من مُخيّم عسكر الجديد: إنّ المرأة في المُخيّم ذات كفاءة ومُكافِحة، ولكن لا تأخذ فرصتها كما الرجل، بالرغم من أنّها مبتكِرة ومبدِعة، لذلك المطلوب بشكلٍ أساسي هو دعم المرأة وتوفير فرص العمل لها لتمكينها اقتصادياً كي تعتمد على ذاتها بعيداً عن التبعيّة لأي أحد، مُقترحةً عمل دوراتٍ توعويّةٍ وتدريبيّةٍ للنساء في المُخيّمات من أجل صقل مهاراتهن وتقديمهن لسوق العمل.
افتتحت مشروعي الخاص "أكلات عمتي"
دويكات التي افتتحت مشروعها الخاص وهو مطبخ بعنوان "أكلات عمتي" في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أكَّدت أنّها ومن خلال هذا المشروع اعتمدت على نفسها وتسوّق كل منتجاتها عن طريق صفحة المشروع الخاصّة على موقع "فيسبوك"، كما تُشارك في كل يوم سبت في معرضٍ للمنتجات النسائيّة في نابلس للترويج عن الأكلات المختلفة التي تصنعها، لكنّها شدّدت في ذات الوقت أنّ يوماً واحد في الأسبوع غير كاف في ظل أنّ مكان "البازار" غير معروف وحركة المشاة قليلة جداً فيه ما ينعكس بشكلٍ مباشر على الحركة الشرائيّة.
ودعت دويكات وكالة "أونروا" بشكلٍ أساسي لدعم النساء في المُخيّم وتوفير المعارض الخاصّة لهن لتقديم منتجاتهن من خلالها، فغالبيّة نساء المُخيّمات مبدعات ويصنعن الأطعمة والمطرّزات والحلويات والإكسسوارات والمنتجات المختلفة، فلماذا لا تقوم وكالة "أونروا" بفتح مثل هذه المعارض في كل مُخيّمات الضفة لمساعدة نساء المُخيّم في تمكين أنفسهن اقتصادياً داخل المُخيّم الذي هو بالأساس يُعاني من الفقر والتهميش.
النساء في مخيمات الضفة تزيد نسبتهن عن 50 % من عدد اللاجئين
كما لفتت دويكات خلال حديثها لموقعنا، إلى أنّها فتحت مشروعها كي تُساعد نفسها وتدرس في الجامعة، وبالفعل هي الآن تدرس تخصّص الخدمة الاجتماعيّة في جامعة القدس المفتوحة، مُجددةً دعوتها لوكالة "أونروا" المسؤولة عن المُخيّمات بشكلٍ أساسي لاستثمار القاعات المتوفّرة في المُخيّمات من أجل عمل معارض خاصّة لنساء المُخيم، حتى أنّ نظرة المجتمع للمرأة في هذه الحالة ستكون أقل حدّة لو كانت "أونروا" أو الجهات الرسميّة هي القائمة على هذه المعارض وليس مشروعاً فردياً غالباً ما يلقى الانتقادات في بعض الأحيان لأنّ القائمة عليه هي امرأة.
النساء في مُخيّمات اللاجئين بالضفة واللواتي يمثّلن نحو 50.6% من أصل عدد اللاجئين الذين يمثلون نحو 29.2% من عدد سكّان الضفة الغربية وفق تقارير وكالة "أونروا"، تتشابه معاناتهن في غالبيّة المُخيّمات، ودائماً ما تخرج الدعوات لحكومة السلطة ووكالة "أونروا" على وجه التحديد للعمل على تمكينهن اقتصادياً واجتماعياً وحمايتهن من خلال قوانين فعّالة تضمن حقوقهن كافة، ولكن بشكلٍ جادٍ وحقيقي بعيداً عن الشِعارات التي لا تُفيدهن بشيء يُذكر.