منذ احتلال بريطانيا لفلسطين وتوافق الدول الاستعمارية الكبرى على انتدابها عام 1920  لم ينقطع تهجير الفلسطينيين، وإذا كانت النكبة عام 1948 هي الحدث الأكثر محورية في مسار التهجير فإنه لا يمكن الإشارة لها كنقطة صفر لبداية التهجير، فمنذ بناء المستوطنة الأولى، كان التخلص من الفلسطينيين هو محور مشروع الغزو الصهيوني الاستعماري لينمو كيان الاحتلال وبنيته كمنظومة مخصصة لهذا الهدف...  سلب الأرض و طرد وقتل أهلها أو حشرهم في أضيق المعازل، وجلب مستوطنين جدد كمورد بشري لمشروع الاحتلال الاستعماري الاستيطاني.

بعد أكثر من مائة عام من المقاومة الفلسطينية، يزداد فهم الصهاينة، كما داعميهم الدوليين، لعدم قدرتهم على إبادة جميع الفلسطينيين بالقتل المباشر، ولكن منظومتهم بقطاعاتها وأذرعها المختلفة تستخدم القتل كما الفصل العنصري والتنكيل، كأدوات للتخلص من وجود الفلسطينيين كشعب، وإذ يعبر زعماء هذه المنظومة ونخبها اليوم عن مخاوفهم بشأن بقاء هذا الكيان الاحتلالي  فذلك انطلاقا من رؤيتهم بالأساس أن مجرد بقاء الفلسطينيين كشعب يجسد هويته الواحدة المرتبطة بأرضه، وتمسك هذا الشعب بمسعاه لأجل العودة وتقرير المصير ونضاله المتواصل على أرض فلسطين يحمل عوامل فنائهم

ارتباطاً بما سبق يمكن قراءة ما يربط هجوم جنود الاحتلال على نعش الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة بكون الاحتلال منظومة تهجير، فالسيطرة العسكرية على مدينة القدس، وتهجيرهم المستمر لسكانها، وأطواق الحصار والعزل التي فرضوها على المدينة، لم تمنع جنازة شهيدة فلسطينية من استعادة المدينة لقليل من الوقت، ومشهد جموع الفلسطينيين العائدين لمدنهم هو تحديداً جوهر التناقض بين الشعب الفلسطيني والغزاة الصهاينة، فهذا المشهد هو لحظة الحقيقة بالنسبة للصهاينة، كابوسهم، وفي المقابل فإن المشهد ذاته هو الحلم الذي يجمع الفلسطينيين وتدور حوله تصوراتهم لمستقبلهم المشترك، لحظة العودة.

ولعل أبرز ما يوضح استمرار افتراق السياسة الفلسطينية عن جماهيرها، تجاهلها لقدرة هذا الحلم الجامع على تعظيم قدرة الفلسطينيين في المواجهة مع عدوهم، وإعادة حشد طاقاتهم، ناهيك عن كون هذا الشعار الجامع يتجاوز "انعزالية" هذه السياسة واقتصارها على تمثيل حلم نخبها في الحصول على دولة أو ما يشبه الدولة على بعض من الأرض الفلسطينية.

وإذا كان حلم الصهاينة هو أرض بلا فلسطينيين، فإن حلم أصحاب الارض بعد مئة عام الصراع هو العودة، وهذا يتناقض مع  أولويات و مسعى النخبة الفلسطينية السياسية لبناء منظومتها حتى لو كان على حساب بقاء شعبها في معازل الداخل ومخيمات التهجير والشتات، وتفتيت هوية الشعب وحلمه وتمزيق بنيته المتصلة.

بعد كل هذه السنوات من الصراع، يمكن القول بإمكان بنى النضال الفلسطيني أن تتجاوز مفاعيل الهزيمة، وقيود المنظومة الدولية على السياسة الفلسطينية، عبر نهوضها بواجب بناء أدوات وأساليب نضالية تنصب نحو تحقيق عودة أكبر عدد من الفلسطينيين للأرض التي هجروا منها.

فاعتقاد النخب المهيمنة على القرار والسياسة الفلسطينية بتفرعاتها المختلفة، باستحالة العمل لأجل العودة الآن، ليس أكثر من تجلي لبعدين أساسيين: الأول هو قناعة هذه النخب بأن هزيمتها وعجزها هي هزيمة لإرادة الشعب الفلسطيني، والثاني قناعتها بأن عليها أن تواصل الخضوع للمحددات التي تطرحها القوى الدولية بشأن فلسطين.

واليوم في الذكرى الـ 74 للنكبة، الجواب لاستعادة المبادرة لمصلحة إرادة الجماهير وحلمها الموحد وهدف نضالها المشترك، ينطلق من كون نضال الفلسطينييين الضحايا المهجرين وأيضاً بقيتهم الصامدة في أرضها والمحاصرة بسياسات وجرائم العدوان وأسواره، ليس أداة للبحث عن "حل سياسي" بقدر ما هو سعي لصنع أفق سياسي إنساني، وبديل عن الاستسلام لمحددات الاستعمار الصهيوني وسياسات القهر المسلح.

وما يحدد النضال وفرصه هو قدرة المجموع الفلسطيني الذي يخوضه وتنظيمه وجدية مسعاه وليس فقط "المعادلة الدولية"، فلو كانت معادلة القوة الدولية هي المحدد ربما كان على الفلسطينيين أن يستسلموا منذ إعلان وعد بلفور، ولكن مائة عام من النضال الدامي تؤكد أن بالإمكان صناعة مسار بديل للتاريخ، يفي لإنسانية الضحية، ولحق شعبٍ في العودة و تقرير مصيره، كما حقه في اشتقاق الطريق والأدوات الكفاحية التي سينتزع عبرها حقوقه.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد