قدّم المفوّض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، اليوم الخميس 23 يونيو/ حزيران، شرحاً مفصلاً أمام مؤتمر المانحين الذي تستضيفه الأمم المتحدة في نيويورك، عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين والأزمة المالية القاهرة التي تُعاني منها الوكالة الأمميّة.
وأكَّد لازاريني في كلمته أمام المؤتمر، أنّه قدّم في السابق ميزانية برامج لعام 2022 يكون النمو فيها صفراً، وذلك للسنة الثالثة على التوالي، وهذه الميزانية تعني تعليم أكثر من نصف مليون فتاة وفتى، وتقديم الرعاية الصحية الأولية لما يقرب من مليوني شخص، وتوفير شبكة أمان اجتماعي لما يقرب من 400,000 لاجئ فلسطيني من الأكثر فقراً.
وشدّد لازاريني على أنّه وفي سبيل تقديم هذه الخدمات للاجئين الفلسطينيين فإنّ الوكالة بحاجة إلى 817 مليون دولار أمريكي بالتمام والكمال.
ولفت لازاريني إلى أنّ الوكالة بحاجة إلى 48 مليون دولار أمريكي بشكلٍ عاجل للاستمرار في تقديم المساعدات الغذائية والنقدية الطارئة للاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن، مُشيراً إلى أنّ تكلفة السلّة الغذائية ارتفعت في قطاع غزّة بأكثر من 40 في المئة بالمقارنة مع متوسط تكلفتها في عام 2021، وهذا يتركنا أمام فجوة تمويلية هذا العام تبلغ 72 مليون دولار أمريكي للحفاظ على إمدادات الغذاء إلى ما بعد الربع الثالث من العام لأكثر من مليون لاجئ فلسطيني.
وقال لازاريني: لقد أصبحنا شريان الحياة لواحد من أكثر المجتمعات عوزاً في المنطقة، ألا وهو مجتمع اللاجئين الفلسطينيين، واليوم تتعرّض كل إنجازاتنا الجماعية للخطر، فطوال العقد الماضي، إطّردت التحديات بوجه وكالة "أونروا" للإيفاء بالولاية التي أسندتها إليها هذه الجمعية العامة ذاتها لأن الأموال التي أتيحت لوكالة "أونروا" على مدى السنوات العشر الماضية أصابها الركود، ومن ثم فإن انقطاع التمويل أو انخفاضه من المانحين الرئيسيين، بمن فيهم المانحين من المنطقة، وانعدام قدرة "أونروا" على التنبؤ بالدخل أرغمنا على العمل على مدى عقد من الزمن بمتوسط عجز يبلغ حوالي 100 مليون دولار أمريكي، وفي الوقت نفسه، ازدادت احتياجات اللاجئين وارتفعت تكلفة تقديم الخدمات ذات الجودة.
وشدّد لازاريني في كلمته، على أنّه لا مجال لمقارنة "أونروا" بأيّة وكالة إنسانية أخرى للأمم المتحدة، فلقد فوضتم "أونروا" بتقديم خدمات شبيهة بالخدمات الحكومية، ولكننا لا نملك الأدوات الضريبية والمالية للحكومات، بل نعتمد اعتماداً شبه كامل على المساهمات الطوعية، بالأساس من الدول الأعضاء، وخلال سنوات أدرنا نقص التمويل المزمن من خلال تدابير داخلية مثل ضبط التكاليف والتقشف واعتماد نمو صفري للميزانيات، واليوم، أعلن لكن أنّنا استنفدنا احتياطاتنا المالية ووصلنا إلى أقصى حدود ضبط التكاليف وتدابير التقشف، لكنّ التقشف الآن يؤثّر على جودة الخدمات، ولإيضاح التقشف، فكّروا في 50 طفلاً في صفٍ مدرسي واحد، أو زيارة طبية يقضي الطبيب فيها أقل من ثلاث دقائق مع المريض.
وأشار إلى أنّ الموظفين البالغ عددهم 28,000 في "أونروا" أُرهقوا ومعظمهم من اللاجئين الفلسطينيين ومنهم المعلم أو الممرض أو الطبيب أو المهندس أو عامل النظافة، فيما نواصل نحن مطالبتهم بالمستحيل: بتحقيق المزيد كلّ عام بقدر أقل من الموارد وبعدد أقل من الموظفين.
وحول التحديات المالية التي تواجه "أونروا"، أكَّد أنّها لا تحدث من فراغ، فقد أدى تغيّر الأولويات الجيوسياسية والديناميات الإقليمية، ونشوء أزمات إنسانية جديدة، إلى تراجع أولوية النزاع "الإسرائيلي-الفلسطيني"، وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين، فإنّ إضعاف وكالة "أونروا" يحدث في غياب حلّ سياسي "للنزاع" يكونون هم جزءا منه وهذا هو جوهر المسألة بالنسبة لوكالة "أونروا"، فالخوف من تخلي المجتمع الدولي عن اللاجئين الفلسطينيين يتغلغل في جميع محادثاتي معهم، ووكالة "أونروا" تظل بالنسبة لهم آخر ركيزة قائمة لالتزام المجتمع الدولي بحقهم في حياة كريمة وحقهم في حل عادل ودائم، وتتنامى مشاعر اليأس والقنوط في مُخيّمات اللاجئين، فالأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس، تتدهور في حين يعاني اللاجئون الفلسطينيون من مستويات عالية من نزع الملكية والعنف وانعدام الأمن، وما تزال غزة تسعى جاهدة للتعافي من أثر حرب العام الماضي، وبرغم ما أحرزناه من تقدم في إعادة تأهيل وإعادة بناء المساكن المتضررة، فثمة مسألة أخرى سيستغرق إعادة بنائها وقتاً أطول بكثير، وهي الرفاه النفسي-الاجتماعي للفلسطينيين في غزة، ولا سيّما الأطفال منهم.
وخلال كلمته، قال لازاريني: لقد أدى الوضع في أوكرانيا إلى تفاقم الارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، الأمر الذي يؤثر تأثيراً خطيراً على الاقتصاد الأسري المعيشي للاجئين الفلسطينيين، وفي مناطق عملياتنا الخمس، ارتفعت معدلات الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين لتصل إلى 80 في المئة أو أكثر في لبنان وسوريا وغزة، ويفيد عدد كبير جداً من اللاجئين بأنّهم يقتاتون بوجبة واحدة في اليوم، وقد ضغط ذلك على الوضع المالي الهش لوكالة "أونروا".
وأوضح لازاريني، أنّ وكالة "أونروا" تستمر في انضوائها تحت ثلاثة بنود من التوقعات الحادة وهي: أولاً، التزام الجمعية العامة، بدعم شبه شامل، بإعلاء حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتوجيهاتها لوكالة "أونروا" لتقديم الخدمات الأساسية إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم. ثانياً، الافتقار إلى التمويل الكافي من الدول الأعضاء لتنفيذ هذه الولاية، ومطالبة بعض المانحين لوكالة "أونروا" بتعديل عملياتها حتى تعيش في حدود إمكانياتها. وثالثاً: اعتراض البلدان المضيفة ومجتمعات اللاجئين على تخفيض الخدمات أو تسليمها إلى طرف ثالث، وهو ما ينظر إليه على أنه يمثل تعدياً على حقوق اللاجئين وخطوة نحو تفكيك وكالة "أونروا"، والفشل في التوفيق بين هذه المطالب سيدفع الوكالة نحو الانهيار المالي.
وتابع: لقد طلبت من المانحين الذين خفضوا التمويل أن يعيدوا النظر في أثر قرارهم على استقرار المنطقة، وناشدت جميع المانحين أن يكفلوا ألا يصبح اللاجئون الفلسطينيون رهينة للأحداث في أوكرانيا، وتماشياً مع ولايتنا، نستكشف أيضاً إمكانية عقد شراكات مع وكالات الأمم المتحدة الشقيقة، ونحن بصدد سنّ سلسلة من الإصلاحات الإدارية الداخلية لتحديث الطريقة التي نقدم بها الخدمات ولتعزيز الشفافية والمساءلة والكفاءة في كلّ ما نضطلع به، وفي عام 2017، دعا الأمين العام الدول الأعضاء إلى التماس حلول تجعل الأونروا مستدامة مالياً، وبعد خمس سنوات، أجلس أمامكم، مكرراً ما قاله أسلافي، ولكن بمزيد من الإلحاح لأننا استنفدنا القدرة الداخلية على التصدّي، لوحدنا، إلى النقص المزمن في التمويل، وانقطاع الخدمات لن يكون فشلاً لوكالة "أونروا" فقط، بل سيكون فشلاً جماعياً وفشلاً لنهج تعددية الأطراف.