لم يمض على انتهاء مؤتمر المانحين الذي رعته الأمم المتحدة في نيويورك سوى بضعة أيّام، ويبدو أنّ إدارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" استجابت لحملة التحريض التي سبقت وترافقت مع هذا المؤتمر الهام الذي لم يلبي الحد الأدنى من تطلّعات الوكالة الأمميّة التي كانت ترغب بوضع حلولٍ جذريّةٍ لأزمتها الماليّة، إذ لم يستطع المؤتمر سوى جمع 160 مليون دولار فقط، ما يعني أنّ العجز المالي المزمن سيبقى مستمراً.
في تصريحٍ مفاجئ، خرجت نائبة المفوّض العام لوكالة "أونروا" ليني ستينسيث، مساء أمس الثلاثاء، مُعلنةً فصل ستة موظفين "إدارياً" من عملهم بزعم أنّهم لم يلتزموا بمعايير "الحيادية" ونشروا على صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ما وصفته بـ"التحريض" وعدم الالتزام بالحياديّة.
مبدأ "الحيادية" يحظُر على الموظفين في وكالة "أونروا" المشاركة في أي نشاط سياسي يتعارض أو ينعكس سلباً على الاستقلال و"الحياديّة" المطلوبة منهم بصفتهم الوظيفيّة، ما يضع عاملي "أونروا" محل اتهامٍ في حال تعاطيهم الطبيعي مع القضيّة الفلسطينيّة، ويُعرّضهم ذلك للعقوبة.
موظف "أونروا" لا يُخالف وطنيته
وعلم "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" من مصدرٍ مطّلع في اتحاد موظفي "أونروا" فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنّ هؤلاء الموظفين الذين تعرّضوا للفصل الإداري مارسوا حقّهم الطبيعي على وسائل التواصل الاجتماعي بوضع إعجابٍ على منشورٍ وطنيٍ هنا أو هناك، ومنهم من نشر منشوراتٍ وطنيّة تتماشى مع الحالة الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل تزايد وتيرة جرائم الاحتلال.
ويُبيّن المصدر، أنّ هؤلاء الموظفين يقعون ضحيّة التحريض المتواصل من جانب الاحتلال وأدواته في المؤسّسات الدوليّة الذي يحرّضون ليل نهار على الوكالة الأمميّة والعاملين فيها، لا سيما بعد التقرير المسموم الذي نشرته منظمة "UN Watch" والذي يزعم وجود 120 من معلمي وموظفي "أونروا" يحرّضون على العنف و"معاداة الساميّة"، وربّما تغازل "أونروا" بهذه القرارات المانحين الدوليين من أجل جلب التمويل وتغطية عجزها المالي، ولا ننسى اتفاقية "الإطار" الخطيرة.
وتعقيباً على قرار إدارة "أونروا" بالفصل الإداري للموظفين الستة، رأى منسق اللجنة المشتركة للاجئين محمود خلف، أنّ توقيت حملة التحريض "الإسرائيليّة" على وكالة "أونروا" ليس بريئاً بالمطلق، بل يدعو إلى الشك والريبة، حيث تهدف هذه الحملة إلى تحريض المجتمع الدولي لعدم الوقوف إلى جانب "أونروا" في الوقت الذي يجري فيه التحضير لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل التصويت على تجديد التفويض لوكالة الغوث لثلاث سنوات جديدة، إضافة إلى محاولة إعاقة ايجاد حلول للأزمة الماليّة التي تعصف بالوكالة.
ويُشير خلف خلال حديثه لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، إلى أنّ: السلوك "الإسرائيلي" المعادي لوكالة "أونروا" هو تحريض علني على عدم التصويت ايجاباً لتجديد التفويض ومحاولة للتأثير على مواقف بعض الدول، لذلك ندعو إلى الحذر الشديد والانتباه من كل هذه المحاولات المحمومة التي تأتي في وقتٍ حساس للغاية.
ودعا خلف إدارة "أونروا" للتراجع الفوري عن هذه الخطوة التي تعتبر استجابة للضغوط "الإسرائيليّة" ضد موظفي ومعلّمي "أونروا"، لأنّنا ننظر بخطورةٍ كبيرة لهذا الموقف من الإدارة، الأمر الذي يشجّع الاحتلال على التمادي والتدخّل في شؤون "أونروا" وسوق المزيد من الحجج والمزاعم للتحريض على الوكالة وموظفيها، الأمر الذي يفسح المجال لمزيدٍ من الضغوط على إدارة "أونروا" لاتخاذ إجراءات تتناقض مع حريّة الرأي والتعبير للموظفين اللاجئين.
ماذا عن المناهج "الإسرائيليّة"!
وفي ذات الوقت، طالب خلف بالاطّلاع على المناهج الدراسيّة التي تدرّس للطلاب داخل المدارس "الإسرائيليّة" وخاصّة المدارس الدينيّة اليهوديّة المليئة بالتحريض على العنف والكراهية والتي تدعو صراحةً إلى قتل العرب وتصفهم بأوصافٍ مشينة، داعياً إدارة "أونروا" للتراجع عن هذا الإجراء بشكلٍ فوري وعدم الاستجابة للضغوط والاملاءات "الأمريكيّة والإسرائيلية" التي تستهدف في الجوهر تقويض عمل "أونروا" واضعافها وصولاً إلى تصفيتها كشاهدٍ سياسيٍ هام على قضية ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين في الأقطار الخمسة.
وختم خلف حديثه لموقعنا بالقول: إنّ جميع اللاجئين يقفون إلى جانب وكالة "أونروا"، ونعمل جميعاً من أجل تقويتها للقيام بالدور المطلوب منها وفقاً للتفويض الممنوح لها من المجتمع الدولي، وهو تقديم الخدمات الضرورية لمجتمع اللاجئين إلى أن يتحقّق الحل السياسي لقضية اللاجئين الفلسطينيين بتطبيق القرار الأممي 194 وممارسة حق العودة إلى القرى والبلدات التي هُجّروا منها في العام 1948.
خلال مؤتمر المانحين الأخير في نيويورك، كان التحريض "الإسرائيلي" حاضراً ضد وكالة "أونروا"، حيث طلب سفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان من أعضاء الأمم المتحدة تجميد مساهماتهم في وكالة "أونروا"، وذلك طالما لم يتم صرف المدرسين العاملين في هذه الوكالة والذين يتهمهم أردان بدعم "الإرهاب وقتل اليهود"، على حد زعمه.
مؤشر خطير لانتزاع المعلّم من قلب قضيته
من جهته، وفور صدور تصريح فصل الموظفين على خلفية انتهاك مبدأ "الحياديّة"، أصدر وليد العوض رئيس لجنة اللاجئين في المجلس الوطني الفلسطيني بمُنظمة التحرير الفلسطينيّة تصريحاً مقتضباً عبر صفحته الرسميّة في موقع "فيسبوك"، إذ عقّب قائلاً: إنّ تصريح نائب المفوّض العام لوكالة "أونروا" بأنّها منحت 6 موظفين مدرسين إجازة إداريّة بحجة كتابة منشورات على مواقع التواصل لهو مرفوض تماماً ويجب اسقاطه فوراً.
ورأى العوض أنّ ذلك جاء نتيجة التحريض المعادي لشعبنا الفلسطيني من قِبل منظمة "UN Watch"، إذ ينحاز الموظفون في منشوراتهم المعتادة إلى قضيتهم الوطنية ويؤكّدون على حق شعبنا في مقاومة الاحتلال.
ويُشير العوض أيضاً إلى أنّ قرار "أونروا" مؤشر خطير يهدف لانتزاع المعلّم من قلب قضية شعبه الفلسطيني.
ويُشار إلى أنّ الاحتلال الصهيوني لا يترك مؤتمراً أو مناسبة دوليّة إلّا ويحرّض وكالة "أونروا" ويدعو إلى وقف التمويل الأوروبي لها، وذلك تمهيداً لإغلاقها، وطي صفحة اللاجئين الفلسطينيين للتخلّص من قضيتهم ومن الوكالة التي توفّر لهم الشاهد السياسي إلى حين عودتهم.
"موظف أونروا" كبش الفداء
وعلى مدار السنوات الماضية، تقدّمت منظمة "يو إن ووتش" (UN WATCH) المعروفة بدعمها لكيان الاحتلال بشكاوى ضد موظفين يعملون في وكالة "أونروا" في قطاع غزّة والضفة الغربيّة وسوريا ولبنان، وذلك على إثر تعبيرهم عن مواقفهم السياسيّة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث ادّعت أنّهم يخالفون بذلك قوانين المنظمة الدوليّة التي توجب عليهم "التزام الحياديّة" وقيم الأمم المتحدة.
اللافت أنّ وكالة "أونروا" نفسها أصدرت بياناً أعقب تحريض هذه المنظمة قبل أيّام، إذ أكَّدت أنّ منظمةً معروفة ذات دوافعٍ سياسيّة حاولت خلال مؤتمر المانحين نزع الشرعيّة عن عمل وكالة الغوث، مُشددةً في ذات الوقت أنّها ملتزمة التزاماً تاماً بدعم مبادئ الأمم المتحدة وقيمها، ولا تتسامح مطلقاً مع خطاب "الكراهية والتحريض على التمييز أو العداء أو العنف".
وفي ذات البيان، أكَّدت "أونروا" أنّها تأخذ جميع مزاعم "سوء سلوك بعض الموظفين" على محمل الجد، وهي تنظر بالفعل في هذه التهم الموجهة حديثاً، مع ملاحظة أنّه لم يتم مشاركتها مع "أونروا" قبل الإعلان عنها، وهنا البيّنة على من ادّعى وواضح من بيان الوكالة أنّه لم يصلها أي شكوى رسميّة مدعومة بدلائل خطيرة أو تجاوزاتٍ قانونيّة تستوجب معاقبة هذا الموظّف أو ذاك، لكنّ التحريض المتواصل ضدها واستجابتها للضغوط المختلفة يكون فيها "موظّف أونروا" الذي هو بالأساس لاجئ فلسطيني كبش الفداء لإرضاء هذا المموّل أو واستمالة ذاك المانح.