بالأرقام.. الاحتلال يصّعد عدوانه ضد مخيمات اللاجئين بالضفة خلال الشهر الأخير

الإثنين 08 اغسطس 2022

 

تشهد مُخيّمات اللاجئين في الضفّة المحتلة منذ بداية العام 2022 تصعيداً عسكريّاً صهيونياً هو الأكبر منذ سنواتٍ طويلة، وازدادت وتيرة هذا التصعيد في الشهور الأخيرة من العام الجاري، حيث أدّى ذلك لاستشهاد وإصابة واعتقال المئات من سكّان المُخيّمات التي لا تطالها حملات الاعتقال فقط، بل التصاعد الملحوظ في مستوى العنف وعمليات التنكيل بحق سكّانها.

ومن خلال المتابعة اليوميّة للانتهاكات بأنواعها وخاصّة الاعتقالات التي ينفذها الاحتلال، رصد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال شهر تموز/ يوليو الماضي 44 حالة اعتقال، و7 إصابات من بينها بالرصاص الحي، و37 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 10 مُخيّماتٍ للاجئين الفلسطينيين بالضفة من أصل 19 مخيماً فلسطينياً.

وطالت انتهاكات الاحتلال خلال شهر تموز المُخيّمات التالية: مُخيّم عسكر الجديد، مُخيّم عسكر القديم، مُخيّم العروب، مُخيّم نور شمس، مُخيّم جنين، مُخيّم الجلزون، مُخيّم شعفاط، مُخيّم عايدة، مُخيّم الدهيشة، مُخيّم العزة.

الاعتقالات

ووفق تحليل الرصد الذي أجراه موقعنا، يتبيّن أنّ مُخيّم الدهيشة يتصدَّر في عدد الاعتقالات بمجموع 11 معتقلاً خلال شهر تموز، ومن ثم يأتي مُخيّم الجلزون في المرتبة الثانية بمجموع 10 معتقلين خلال ذات الشهر، وفي المرتبة الثالثة يأتي مُخيّم جنين بمجموع 7 معتقلين.

إصابات بالرصاص الحي

وخلال اقتحامات الاحتلال للمُخيّمات المذكورة، أصيب 7 لاجئين برصاص الاحتلال الحي، حيث كان مُخيّم عسكر الجديد في مقدمة المُخيّمات التي سُجلت فيها الإصابات بعدد 3 إصابات رصاص حي من أصل 7 توزّعت على بقية المُخيّمات، إلى جانب إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة.

مداهمات واندلاع مواجهات

وتبيّن أيضاً أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المُخيّمات المذكورة 37 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، إذ يوضّح الرصد أنّ مُخيّم شعفاط للاجئين الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة هو أكثر المُخيّمات اقتحاماً من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر المذكور، يليه من ناحية العدد مُخيّم الدهيشة، ومن ثم مُخيّمي نور شمس والجلزون.

التعذيب خلال الاعتقال

ولأنّ مسألة الاعتقال لأبناء المُخيّمات لا تنتهي بمجرد اعتقال الشخص ووضعه داخل آلية الاحتلال ومن ثم نقله إلى مراكز التحقيق، فإنّ الأمر ليس بهذه البساطة، فقد رصد موقعنا خلال شهر تموز تعرّض 7 شبّان فلسطينيين من عدّة مُخيّمات للتعذيب الوحشي خلال عمليات اعتقالهم ومن بينهم أطفال قصّر.

الاعتقالات في الضفة.jpg

وللتعقيب على ذلك، يقول الناشط محمد حمدان من مُخيّم الجلزون لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ الزيادة الكبيرة في اعتداءات الاحتلال بحق أهالي المُخيّمات بالضفة الغربية تأتي ضمن خطط ممنهجة لفرض أمر واقع يهدف الاحتلال لترسيخه منذ بداياته، وهو فرض مبدأ القوة والقوة المفرطة، وذلك من أجل السيطرة وإشعار جمهور اللاجئين أنّ الاحتلال وأجهزته الأمنيّة والعسكريّة على علمٍ ودراية بكافة التفاصيل للحياة اليوميّة للاجئ الفلسطيني، وهذا ما يترك آثاراً نفسية يسعى الاحتلال لخلقها في أذهان الشباب داخل المُخيّمات، والهدف من كل هذه الإجراءات هو التخفيف والحد من أنشطة المقاومة، إلّا أنّ هذه الإجراءات يعتبرها الشباب مكشوفة لا محالة.

لا يوجد من يعوّض خسائر المُخيّمات

ويلفت حمدان إلى أنّ الاحتلال يقوم بممارسة إرهابٍ كبيرٍ واستخدامٍ للقوّة المفرطة عند اقتحاماته للمنازل والمحلات التجارية والشوارع والحارات الفلسطينيّة داخل المُخيّمات، وهذا يؤدي إلى تدميرٍ كاملٍ أو جزئي لممتلكات اللاجئين، ولا يوجد من يعوّض هذه الخسائر، وهذا الإرهاب مقصود، حيث يقوم ضابط المخابرات بإخبار الشباب وتهديدهم بذلك دائماً عند طلبه تسليم الشبان لأنفسهم، وإلّا سيُقوم باقتحام المنزل وتدمير محتوياته، وهذا له آثار اقتصاديّة مترتبة على هذا الدمار، بالإضافة إلى أن الاحتلال يعلن بشكلٍ دائم بعض المناطق كمناطقٍ عسكريةٍ مغلقة لأسبابٍ واهية، وهذا الإعلان يعتبر بمثابة دمارٍ اقتصادي واجتماعي كامل للمنطقة وما تحتويه من محالٍ تجارية ومناطق صناعيّة أو زراعيّة.

 آثار نفسية خطيرة

وحول البعد الاجتماعي والنفسي، فيرى حمدان أنّ الأطفال والشبان في المُخيّمات يواجهون حالات من الرعب والذعر بشكلٍ يومي، مما أدّى لوجود حالات عديدة من الشبان المضطربين نفسياً وعقلياً نتيجة ممارسات الاحتلال وإرهابه وتخويفه، وللأسف المجتمع غير قادر على مساعدة هذه الحالات التي يكون مصيرها الضياع، وذلك بسبب ضعف الإمكانات والاهتمامات بهذا النوع من المشاكل النفسيّة والاجتماعيّة، عدا عن حدوث عددٍ كبيرٍ من هذه الحالات لأسرى محررين من السجون جرى عليهم العديد من الممارسات الممنوعة وفق القانون الدولي.

بالتوازي، ورغم شراسة هجمة الاحتلال على المُخيّمات، إلّا أنّ أهالي المُخيّمات يتصدّون بشكلٍ يومي لكل هذه الاقتحامات، بل شهدت بعض المُخيّمات وربما أبرزها مُخيّما جنين والدهيشة تصاعداً في أعمال المقاومة والاشتباكات المسلحّة التي ينفّذها مقاومون لصد عدوان الاحتلال المستمر.

ويرى الناشط حمدان وهو مسؤول اللجنة الإعلاميّة في مركز الشباب الاجتماعي بالمُخيّم، أنّ مجتمع المُخيّمات جزء أصيل من المجتمع الفلسطيني المتمسّك والمحافظ على ثوابته الوطنيّة، بل إن هناك ثقافة وطنيّة أكبر وأعمق في هذه التجمّعات السكانيّة بسبب قضية العودة واللجوء، وبالتالي يعتبر ساكن المُخيّم نفسه صاحب الحق الأوّل بالدفاع عن نفسه وعن وطنه، نتيجة ما تعرّض له من انتهاكاتٍ وطردٍ وتهجيرٍ له ولعائلته، مؤكداً أنّ اعتداءات الاحتلال مهما بلغت شدتها فلن تثني الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام وأهالي المُخيّمات بشكلٍ خاص عن ممارسة حقهم بالدفاع عن أنفسهم وعن حقوقهم بشتى الأشكال والوسائل.

مُخيّم شعفاط والعدوان المستمر

  مُخيّم شعفاط للاجئين الفلسطينيين كان أكثر المُخيّمات اقتحاماً من قِبل قوات الاحتلال، وحول هذه الانتهاكات المتصاعدة، يقول رئيس اللجنة الشعبيّة في المُخيّم محمود الشيخ لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ مُخيّم شعفاط هو المُخيّم الوحيد الموجود في بوابة شرقي القدس وثلثي سكّان المُخيّم يحملون الهوية المقدسيّة، لذلك تريد بلدية الاحتلال وداخليته السيطرة على هذا المُخيّم بأي طريقةٍ كانت، ورغم أنّ اللاجئ في مُخيّم شعفاط معفى من دفع الكهرباء والضرائب و"الأرنونا"، إلّا أنّ بلدية الاحتلال تريد أن تفرض الضرائب على السكّان، وهذا يُترجم من خلال الاعتقالات اليوميّة والاقتحامات للمحلات التجاريّة من أجل فرض الضرائب والمخالفات بحججٍ واهية.

ويُشير الشيخ إلى أنّ قوات الاحتلال تهجم يومياً على منازل المُخيّم وتُصادر البضائع من المحلات والملاحم بشكلٍ يومي، وأيضاً هناك هدم بيوت بشكلٍ مستمر بحجّة عدم "وجود ترخيص"، وهذا الحال لا يُرضي أحداً في ظل أنّ المُخيّم من الأساس يعيش أوضاعاً مأساويّة، فيما يؤكّد الشيخ أنّ اللاجئين في المُخيّم ومنذ 74 عاماً يعيشون في محطة الانتظار - المُخيّم - إلى حين العودة، وهم يتعرّضون لشتى أنواع الضغط، وهذا في ظل  تقصير من جميع الجهات بحق المُخيّم وسكّانه وخاصّة من قِبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، والسلطة الفلسطينيّة.

حاجز الموت العسكري

ويستذكر الشيخ حاجز مُخيّم شعفاط العسكري الذي يعد من أبرز أوجه المعاناة التي يُعانيها سكّان المُخيّم، إذ أنّ هناك أزمة سيارات متعِبة جداً وبشكلٍ يومي خلال الذهاب والإياب، ويقول الشيخ: بدون مبالغة، لو كان هناك مريض في المُخيّم وحالته خطرة من الممكن أن يموت وهو ينتظر على الحاجز العسكري، لذلك نقول:  إنّ الوضع مأساوي جداً في المُخيّم وحكومة الاحتلال تريد السيطرة الكاملة والشاملة عليه، وهذا كله إلى جانب الفقر والبطالة والبيوت المدمرة داخل المُخيّم الذي هو بالأساس عبارة عن قطعة أرض بمساحة 203 دونمات يسكنها أكثر من 100 ألف نسمة، أي أنّ الضغط السكّاني لا يمكن أن يتخيله عقل.

 يضيف الشيخ: أن لا أحد ينظر اليوم إلى المُخيّمات في ظل ما تُعانيه من أزماتٍ كبيرةٍ، إذ أضحت هذه المُخيّمات وهؤلاء اللاجئين ليسوا على خارطة أحدٍ من المسؤولين.

مؤسّسات الأسرى الفلسطينيّة تبذل جهوداً كبيرة من أجل توثيق انتهاكات الاحتلال بحق المدن والمُخيّمات الفلسطينيّة، إذ تظهر تقاريرها الشهريّة أنّ إجراءات الاحتلال سواء من ناحية الاعتقال أو المداهمات تتصاعد بحق المُخيّمات الفلسطينيّة وبشكلٍ لافت.

جذوة النضال تتمركز في المُخيّمات

في هذا الإطار، يؤكّد المستشار الإعلامي لهيئة شؤون الأسرى والمحررين حسن عبد ربه: أنّ استهداف سلطات الاحتلال لأبناء الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام ولأبناء مُخيّمات اللاجئين بشكلٍ خاص هو مؤشّر واضح على محاولات كسر إرادة هذا الشعب واخماد جذوة النضال والمقاومة الفلسطينيّة التي تتمركز بشكلٍ أساسي في مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيين وفي مختلف المحافظات.

 ويضيف عبد ربه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: أنّ هذا الاستهداف يُترجم يومياً من خلال الاقتحامات والاعتقالات وايقاع الإصابات في صفوف الفلسطينيين، بالإضافة إلى الشهداء الذين يرتقون في ساحات وأزقّة المُخيّمات، ولكن الأهم أنّ كل هذه الأعمال العدوانيّة والإجراميّة لن تثني الفلسطينيين داخل مُخيّمات اللاجئين عن مواصلة نضالهم، وسيبقون كما دائماً بؤراً ثوريّة متجدّدة للتصدي لهذا العدوان الغاشم.

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد