استطاع الطفلان الفلسطينيان علي زماعرة (14 عاماً) وشقيقه أحمد (10 أعوام) توثيق تاريخ قرابة 85 قرية فلسطينيّة مهجّرة، في مبادرة تقوم على تصوير فيديوهات ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، تحت عنوان "هذه فلسطين"، عملاً منهما على حفظ الذاكرة الفلسطينيّة، ما لاقى رواجاً واسعاً واهتماماً من قبل الجمهور.

علي وأحمد القاطنان في مدينة رام الله في الضفة المحتلة وأصلهما من حلحول بمدينة الخليل الخليل، يهدفان من هذه المبادرة إلى توثيق القرى والبلدات والمدن الفلسطينيّة المهجرة على يد قوات الاحتلال إبان النكبة الفلسطينيّة عام 1948، وبرغم صغر سنّهما إلّا أنّهما نجحا بأسلوبهما السردي البسيط والشيّق في إنجاح ما عملا عليه ونشره.

ولادة الفكرة

يقول علي وهو الأكبر سناً لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ الفكرة جاءت حينما كان شقيقه أحمد يدرس في المدرسة قبل قرابة عامين عن القرى والبلدات الفلسطينيّة المهجّرة، وفي يوم من الأيّام درس عن قرية لفتا المهجّرة وتعمّق في البحث عنها وعن تاريخها فدخلت قلبه وأحبّ أن يزورها بشكلٍ حقيقي ويتعرّف عليها وعلى معالمها عن قرب، وبعد فترةٍ قرّر زيارتها.

 وقبل الزيارة بساعات اقترح علي على أحمد أن يأخذ معه كاميرا ومعدات بسيطة حتى يوثّق هذه الزيارة بمقطع فيديو وينشرونه من باب توثيق زيارة هذه القريّة.

 

 

ويُضيف علي ابن الصف التاسع الإعدادي: عندما عاد أحمد من الزيارة جلسنا سوياً وعملنا على مونتاج مقطع الفيديو ونشرناه، حيث انتشر المقطع على نطاقٍ واسع وحصد عدداً كبيراً من المشاهدات، وعقب ذلك قرّرنا إطلاق مبادرتنا "هذه فلسطين" انطلاقاً من هذه القرية المهجّرة، بعد أن لمسنا رجع الصدى الإيجابي لفيديو توثيق قرية لفتا المهجّرة.  

وثّقنا 85 قصّة وحكاية

يُشير علي إلى أنّهما وحتى منتصف شهر آب/ أغسطس الجاري أنتجا قرابة 85 فيديو وقصّة وحكاية عن المدن والقرى والبلدات الفلسطينيّة المهجّرة في الداخل المحتل عام 1948 وفي الضفة الغربيّة، وذلك لتسليط الضوء عليها وعلى تاريخها، ولكي يقولوا للعالم هناك بيوت بقيت كما هي على حالها وما زالت شامخة منذ النكبة الفلسطينيّة بانتظار عودة أهلها وأصحابها، وذلك بالرغم من كل محاولات الاحتلال إزاء طمس هذه المنازل والقرى والأهم طمس تاريخها.

وحول ردود الفعل، يوضح علي: "جميع الأهل والأصدقاء والأقارب أحبوا الفكرة، وشجعونا على المواصلة في هذا التوثيق الهام، وبالفعل كان لذاك أثر إيجابي ودافع لمواصلة تطبيق هذه الفكرة. لدى هذين الطفلين عدداً من المصادر، منها الكتب التي توثّق تاريخ القرى والبلدات الفلسطينيّة، ومنها شبكة الانترنت، يأخذون هذه المعلومات ويتأكدةن من دقتها من خلال الأجداد وكبار السن الذين حتى يكونا دقيقين فيما يطرحان ويعرضان.

 

ربما يعتقد البعض أنّ ما يفعله علي وأحمد هو شيء بسيط، بل يتضح من خلال حديثهما لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ الأمر أكبر من ذلك، إذ لديهما نوع من الفيديوهات يتم تصويرها داخل المنزل مثل فيديو التضامن مع غزة تحت عنوان "الحرب انتهت، بس القضية ما انتهت!"

 وهذا النوع يأخذ تقريباً من ثماني إلى عشر ساعات من الوقت ما بين كتابة السيناريو والتصوير والمونتاج والنشر، أمّا النوع الآخر من هذه الفيديوهات هو الذي له علاقة بزيارة القرى والبلدات فيأخذ وقتاً وجهداً أكبر بمقدار من 10 أو 14 ساعة ما بين التنسيق والزيارة والتصوير والذهاب والعودة.

تصوير الفيديوهات.jpg

مضايقات الاحتلال

وهل ستشفع الطفولة لهذين الطفلين، وتجنبهما مضايقات واستهداف الاحتلال "الإسرائيلي" جنوداً ومستوطنين .. بالتأكيد لا

يؤكد علي أن أكثر الصعوبات التي تواجههما تكون عند زيارة المواقع والقرى في الداخل المحتل عام 1948 ، بسبب حواجز وعوائق الاحتلال التي يفرضها عليهما.

يقدمان للحصول على تصريح دخول وفي بعض المرات يتم رفض منحنهما مثل هذه التصاريح، وحتى إن دخلا ووصلا إلى لمكان المقصود يعمل جنود الاحتلال والمستوطنين على مضايقتهما أثناء التصوير ويحاولون عرقلة عملهما.

محتوى هادف في ظل انتشار السطحي و"المؤذي" بين فئة الأطفال والشباب

كان لافتاً أنّ هذه الفكرة وهذا الجهد الذي تقوم به مؤسّسات بالعادة -على قلّتها- يقوم به طفلان، لا سيما وأنّ الأعمّ الأغلب من هذا السن يكون منشغلاً في أشياء أخرى في ظل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت ومنها تطبيق "تيك توك" ذائع الصيت الذي ينتشر مثل النار في الهشيم بين صفوف الشباب والأطفال، وفي الغالب تكون أضرار هذه التطبيقات أكثر من منافعها للأطفال والمراهقين.

وفي هذا الجانب، قدّم الطفل علي نصيحةً للأطفال والشباب على حدٍ سواء، يقول: رسالتنا لكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 سنوات إلى 20 سنة، أي فلسطيني أو أي إنسان حر من الممكن أن يجد قضيّة أو أي فكرة حتى يصنع محتوى هام عنها، ويمكن أن يوعّي باقي الناس والأطفال في عمره عبر التعلّم من هذه الفكرة، ونحن اليوم مثلاً لدينا 30 ألف متابع على موقع "فيسبوك" وسنستمر إلى نحو المليون والعشرة مليون متابع وإلى ما أبعد من ذلك، لذلك نقول لكل الأطفال في عمرنا وأكبر منّا دائماً كونوا وراء حلمكم ولا تتراجعوا، ونحن كان حلمنا صناعة المحتوى الفلسطيني عن القرى والبلدات والتاريخ الفلسطيني وها نحن قد نجحنا.

وخلال هذه الرحلة لأحمد وعلي، عملا على توثيق العديد من القرى والمدن في شمال فلسطين المحتلة، ولعل أبرزها قرية الجاعونة الواقعة قرب مدينة صفد المحتلة والتي ما زالت تضم بيوتاً تعود إلى ما قبل النكبة، وأيضاً قرية حطين المُهجرة التي تبعد ثماني كيلومترات شمال غرب بحيرة طبريا في شمال فلسطين، كما وثّقا قرى وبلدات على الساحل الفلسطيني إلى جانب يافا وعكا واللد والرملة.

 

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد