تشهد مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفّة المحتلة منذ بداية العام 2022 تصعيداً عسكريّاً صهيونياً هو الأكبر منذ سنواتٍ طويلة، وازدادت وتيرة هذا التصعيد في الشهور الأخيرة من العام الجاري، حيث أدّى ذلك لاستشهاد وإصابة واعتقال المئات من اللاجئين الفلسطينيين في المخيّمات التي لا تطاولها حملات الاعتقال فقط، بل التصاعد الملحوظ في مستوى العنف وعمليات التنكيل بحق سكّانها.

الانتهاكات طاولت 16 مُخيّماً للاجئين في الضفة

ومن خلال المتابعة اليوميّة للانتهاكات بأنواعها وخاصّة الاعتقالات التي ينفذها الاحتلال، رصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال شهر أيلول/ سبتمبر ارتقاء 10 فلسطينيين 5 منهم فقط في مُخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين، وبقية الشهداء توزعوا على مُخيّمات: الجلزون والدهيشة والفارعة وقلنديا، فيما تم رصد 61 حالة اعتقال، و91 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و59 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 16 مخيماً بالضفة من أصل 19 مخيماً فلسطينياً.

وأظهر الرصد تصاعداً كبيراً في عدد اعتداءات الاحتلال على المخيمات الفلسطينيّة بالضفة مقارنةً بالشهر الذي سبقه، حيث استشهد فلسطينيان اثنان في آب/ أغسطس، مقارنةً بشهر أيلول/ سبتمبر الذي ارتقى فيه 10 فلسطينيين نصفهم في مخيم جنين.

وخلال أيلول/ سبتمبر، طالت انتهاكات الاحتلال المخيمات التالية: مُخيّم العروب، ومُخيّم نور شمس، ومُخيّم جنين، ومُخيّم الجلزون، ومُخيّم شعفاط، ومُخيّم عايدة، ومُخيّم الدهيشة، ومُخيّم العزة، ومُخيّم الفارعة، ومُخيّم عين بيت الماء، ومُخيّم الأمعري، ومُخيّم قلنديا، ومُخيّم عسكر الجديد، ومُخيّم الفوار، ومُخيّم بلاطة، ومُخيّم عقبة جبر.

الشهداء

ووفق تحليل الرصد الذي أجراه موقعنا، يتبيّن أنّ مخيم جنين نال النصيب الأكبر في عدد الشهداء، إذ ارتقى جرّاء استمرار عدوان الاحتلال على هذا المُخيّم بالتحديد 5 شبّان خلال شهر أيلول/ سبتمبر، فيما ارتقى شابان من شبّان مُخيّم الجلزون، وارتقى شاب في مُخيّم الدهيشة، وآخر في مُخيّم الفارعة، والشهيد الأخير كان في مُخيّم قلنديا.

الاعتقالات

يتبيّن حسب الرصد، أنّ مُخيّم جنين يتصدَّر في عدد الاعتقالات بمجموع 15 معتقلاً خلال الشهر المذكور، يليه مخيم الدهيشة بعدد 8 معتقلين، ثم يليه مخيم الجلزون بذات العدد، ويأتي مُخيّم عايدة في المرتبة الرابعة بمجموع 6 معتقلين.

إصابات بالرصاص الحي

وخلال اقتحامات الاحتلال للمُخيّمات المذكورة، أصيب 91 لاجئاً برصاص الاحتلال الحي وهو العدد الأكبر منذ شهور، حيث كان مخيم جنين في مقدمة المُخيّمات التي سُجلت فيها الإصابات بعدد 55 إصابة منها بالرصاص الحي، يليه مُخيّم العروب بعدد 15 إصابة، وذلك من أصل 91 إصابة توزّعت على بقية المخيمات، إلى جانب إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة.

مداهمات واندلاع مواجهات

وتبيّن أيضاً أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المخيمات المذكورة 59 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، إذ يوضّح الرصد أنّ مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين هو أكثر المُخيّمات اقتحاماً من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر التاسع من عام 2022، يليه من ناحية العدد مخيم العروب، ومن ثم مُخيّمات الجلزون وقلنديا.

12-1.jpg

وللتعقيب على ذلك، يقول نائب رئيس اللجنة الشعبيّة لخدمات مخيم العروب أمجد الطيطي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:  لا يمر نهار واحد إلا ويرتكب الاحتلال جرائمه وبكثرة في مُخيّمات اللاجئين في الضفة المحتلة.

الهدف حرف البوصلة وطمس الهويّة

ويعزو الطيطي هذه الهجمة الصهيونيّة المستمرة على مُخيّمات اللاجئين إلى حقيقة أنّ هذه المخيمات الفلسطينيّة هي بمثابة الشاهد الوحيد على النكبة والهجرة والتشريد الذي مورس بحق الشعب الفلسطيني على يد العصابات الصهيونيّة في العام 1948.

وبرأي الطيطي، أنّ هذه الهجمة الشرسة على مُخيّمات اللاجئين بالضفة تتساوق مع محاولات الاحتلال لطمس الهويّة الفلسطينيّة وتغيير الجغرافيا الوطنيّة، ويعمد الاحتلال إلى توسيع دائرة استهداف المخيم من أجل دفع الشباب إلى الهجرة وتغيير معالم اللجوء المؤقّت.

ويُضيف: أمام هذه التحديات يجب علينا أن نحافظ ونتمسك بثوابتنا الوطنية، وأن نتحدى الغطرسة الصهيونيّة والهجمة التي تُمارس علينا من قبل الاحتلال وأعوانه، ونسعى بكل السبل لصد الهجمة المسعورة على المخيمات.

تحريض متواصل على أهل المُخيّمات

الاعتقالات والعمليات الخاصّة التي أصبح الاحتلال ينفّذها بشكلٍ يومي في المُخيّمات الفلسطينيّة تأتي كترجمةٍ عمليةٍ للتحريض "الإسرائيلي" المتواصل على هذه المخيمات، إذ يحرّض قادة الاحتلال علناً بدءًا من رئيس الحكومة "يائير لابيد" وحتى أصغر مسؤول أمني، بأنّه "طالما أنّ السلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة لا تقوم بالعمل المنوط بها وفق الاتفاقيات الموقّعة وإيقاف عنف المُخيّمات سنقوم نحن بذلك وفي أي مكانٍ وزمان"، على حد قول ووصف مسؤولي الاحتلال في تصريحاتٍ مختلفة.

في هذا الإطار، يرى مدير مكتب إعلام الأسرى في فلسطين أحمد القدرة، أنّ تركيز الاحتلال على المُخيّمات واستهدافها بالطريقة التي نراها اليوم هي محاولة من هذا المحتل لأن يسيطر على هذه المُخيّمات الثائرة التي بات من الصعب وبكل وضوح وصراحة على أجهزة أمن السلطة السيطرة على هذه المُخيّمات المتفاعِلة والثائِرة والمُحرِضة، وبالتالي جاء الاحتلال ليُداهم هذه المُخيّمات في محاولةٍ منه للسيطرة وإرجاع الوضع إلى ما كان عليه، لا سيما وأنّه طمح قبل ذلك إلى السيطرة على كل مكونات القضيّة الفلسطينيّة من خلال إغراق أبناء شعبنا بالقروض والأمور الاقتصاديّة ومحاولة إلهاء هذا الشعب عن قضيته الكبرى، قضية التحرير وإرجاع الأرض.

المخيمات هي أصل القضية الفلسطينيّة

ويؤكّد القدرة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ أصل الحقد الصهيوني على هذه المُخيّمات واستهدافها على الدوام، هو أنّ هذه المُخيّمات هي أصل القضية الفلسطينيّة، وفيها اللاجئون الذين دائماً يتمسكون بقضيتهم وحقهم بالرجوع إلى كامل أرضهم في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وهذا معناه أنّ الاحتلال بالمطلق لا وجود له وأنّه سارق هذه الأرض، في ظل أنّ اللاجئين في المُخيّمات ما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم وأوراق أرضهم الثبوتيّة، وبالتالي يسعى الاحتلال دائماً إلى طمس قضية اللاجئين وإغراق هذه المُخيّمات إمّا من خلال الإيقاع بين أهلها، أو من خلال تخديرها، أو من خلال محاولة القفز دائماً عن قضيتهم، وبات هذا الاستهداف ظاهراً ومعروفاً تجاه المُخيّمات خاصّة وأنّها أصبحت المزعِج الحقيقي له ولكيانه.

المخيمات تثور في وجه الجميع

ويُشير القدرة إلى أنّ سكّان هذه المخيمات الضيقة والمليئة بالأزمات المعيشيّة والاقتصاديّة يقولون اليوم لهذا العالم الذي يزعم الديمقراطية وحقوق الانسان: "إنّنا نعيش في هذه المُخيّمات بعد أن سُرقت بيوتنا وأراضينا، إلّا أنّ الاحتلال يُلاحقنا ويداهم بيوتنا داخل هذه المُخيّمات ولا يريدنا حتى أن نتكلم، وفقط يريد من أهل المُخيّمات البحث عن كسرة الخبز، لكنّهم اليوم يثورون في وجه الجميع ويُطالبون بحقهم في الرجوع إلى قراهم ومدنهم المهجّرة."

ويشير القدرة إلى أنّ التركيز من خلال حملات الاعتقال على المخيمات يأتي لترهيب كل فلسطيني ثائر وفاعل وتغييبه في غياهب السجون لاستمرار الوضع الأمني المستقر لدى كيان الاحتلال، وألّا يكون هناك فوهة بركان تنفجر في أي لحظة، واليوم نرى كيف يتسلّط الاحتلال على الفلسطينيين بالاعتقال الإداري الذي هو سيف مسلّط بدون لا قانون ولا لائحة اتهام ويُغيّب الأسرى من جميع المناطق وخاصّة مُخيمات اللاجئين في السجون ولسنواتٍ طويلة تحت ذرائع أمنية وتهم جاهزة ومغلّفة بشكلٍ غير قانوني كما الاحتلال نفسه.

ويؤكد القدرة، أنّ هذه الاعتقالات جميعها تصب في خانّة واحدة وهي إيقاف هذه الثورة في المخيمات التي نأمل أن تصبح أيقونة للتحرك في كامل الأرض الفلسطينية المحتلة كما ثارت وتحركت جنين ونابلس في وجه هذا الاحتلال.

أحمد حسين – صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد