يستمر الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزّة منذ 15 عاماً في التنكيل بأهالي هذا القطاع الذي يقطنه مليوني فلسطيني غالبيتهم من اللاجئين الفلسطينيين، ما يدفع أبناء القطاع إلى الهجرة بحثاً عن العمل والملاذ الآمن لحيواتهم من أجل تأمين مستقبلٍ كريم لهم، وبين الحين والآخر يُفجع أهالي القطاع بغرق مراكب الهجرة التي يستقلها أبناؤهم ويُصبحون في عداد الموتى والمفقودين.

بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري غرق مركب للتهريب قبالة السواحل التونسيّة كان على متنه مجموعة من الشباب الفلسطينيين من قطاع غزّة وأيضاً من هم من حملة الوثيقة السوريّة، لتبدأ رحلة جديدة من معاناة الأهالي الذين كانوا ينتظرون أجمل الأخبار عن أبنائهم، إلّا أنّ أخبارهم وصورهم عادت كأخبارٍ عاجلة مفجعة تتناقلها المواقع الإخباريّة والإذاعات المحليّة.

وبينما أعلنت خارجية السلطة الفلسطينية أن جثامين 4 شبان فلسطينيين من قطاع غزة تم انتشالها بعد حادثة غرق المركب، ظل مصير 18 آخرين مجهولاً، وصار القلق يأكل قلوب ذويهم.

تقول عائدة عطايا، والدة المفقود محمد أبو عطايا اللاجئ في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة: إنّ هؤلاء الشبان كانوا ينوون الهجرة إلى ايطاليا من ليبيا ومن ثم إلى بلجيكا، وبكل تأكيد السبب الرئيسي هو الفقر المدقع الذي يعيشونه في قطاع غزة.

تضيف عطايا لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن سفير السلطة الفلسطينية لا يقول لنا إلا "مقبل بخير.. مقبل بخير" – ومقبل هو أحد الشبان الذين كانوا على متن المركب المنكوب-  والليلة أخرجوا مقبل جثة، ونحن أولادنا كانوا برفقة مقبل، ونريد أن نعرف مصير أولادنا وأخبرنا إذا كانوا أمواتاً أم أحياء.

مناشدة لمسؤولي السلطة وحماس بالكشف عن مصير المفقودين

وناشدت عطايا رئيس السلطة محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية ورئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار وكل مسؤول وأن يسمعها صوت ابنها، "بدناش اياهم خليهم محبوسين بس الصوت نعرف أولادنا بخير"

تتحدث عن وضع ابنها المادي وهو السبب الذي دفعه لسلك هذا الطريق المميت "هو حكالي يمّا أنا طالع وبدي أهاجر وأنشلكم "أخرجكم" من الفقر، وأعيل أسرتي، وكان له 3 سنين أو 5 سنين وهو خاطب ولا يستطيع الزواج".

وتوضح عطايا: ابني قضّى عمره يبيع قهوة ويصرف على عيلته وعلى أبوه، وأخوته، وفي فصل الشتاء كان يبيع بكرج قهوة واحد، والله لا يوري حدا (يجعله يجرب المأساة)... الله لا يذوق نار أم على ولدها، وزي ما الكل عارف اللاجئين صفر شو وضعهم؟ صفر ايش اللاجئين؟ بالنسبة النا صفر، الناس اليوم كلها بتصيد السمك وبتاكله، احنا الفلسطينيين السمك بياكل أولادنا، وإلنا 22 يوماً نناشد السفارة الفلسطينية بس تبلغنا خبر عن أولادنا، فقط بيردوا: بخير بخير.

وتشير عطايا إلى أنّ ابنها كان في نفس المركب الذي غرق مؤخراً، تتابع: هم أحضروا 8 أسامي من يلي كانوا معهم بالمركب، بس ما بنعرف أحياء ولا أموات، وبناشد كل العالم يشوفوا حل، يعني هو كان يقول: "في ببلجيكا شغل وموفر وأحسن من عيشتنا في غزة، يعني هون في غزة ما حدش سائل فيهم يعني زي هالشباب ولا واحد إله وظيفة ولا واحد إله شغل".

.

طريق محفوفة بالمخاطر.. تعرضوا للخطف ذات مرة

ليلى بكر من مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، والدة المفقود محمود بكر، تقول لموقعنا: هم هاجروا على ليبيا.، طلعوا الاثنين على ليبيا –وتقصد ولديها أسعد ومحمود-  ومحمد ابن بنتي طلعوا مع بعض وزوج بنتي من دار اللوح، يعني 4 طلعوا مع بعض وانحبسوا أول مرة بليبيا وبعد ما انحبسوا طلعوا وغرقوا في البحر أول مرة وطلعوهم انحبسوا كمان مرة وأنقذوهم وهم على الشواطئ الليبية وخطفوهم وحطوهم تحت الأرض وما بينوا من 20 يوم، وطلبوا عليهم فدية تعون المافيا، وأول اشي طلبوا 8 آلاف بعدين خلوها 4 آلاف بعدين قالوا 2000، بعدين قالوا: المهرب دفعلنا على كل راس ألف وهم كانوا 22 شخص مع المهرب.

8-1.jpg

وتتابع بكر نقل الرواية التي وصلتها: حكولنا انهم حطوا على كل واحد ألف وطلعناهم بدهم يروحوا من ليبيا على ايطاليا ومن ايطاليا على بلجيكا، وبعد ما انخطفوا قعدوا شهر بعدين رجعوا على البحر ثاني وهاي كانت آخر مرة، المهرب أخذ اثنين وترك اثنين من الأربعة أخذ ابني وابن بنتي وترك أسعد (ابنها) وزيد (صهرها) بحطوهم في حواصل في مخرن، والهم محمد (حفيدها) ومحمود (ابنها) من 2 الشهر تشرين الأول/ أكتوبر مش مبينين ما منعرفش اشي عنهم، وصرنا نبلغ السفارة ونسأل أولادنا وين؟ مش لاقيين ياكلوا هذا ابن بنتي قضى حياته على بكرج القهوة بجيب عشرة شيكل وهذا أبو الولايا – تقصد ابنها محمود ولديه - مش لاقي ياكل، فهو قال بده يطلع يترزق، قال بدي أطلع أشتغل يمّا.

الفقر .. السبب الأول للهجرة

زوجة المفقود محمود بكر "ميماس بكر" تؤكد أن  سبب الهجرة هو الوضع الاقتصادي الصعب جداً، "محمود كان يعمل على بسطة، وكانت تيجي البلدية ترفع البسطات بالقوة، يعني احنا وضعنا صعب جداً، بعدها فكر محمود في الهجرة".

8-2.jpg

ويتشارك في ذات الألم ديب بكر، والد المفقود محمود بكر، والذي يؤكّد لموقعنا، أنّ المهربين يعلمون تماماً أنّ ظروف الناس في غزة سيئة جداً ويتاجرون بهم، يصفهم بتجار الموت ويقول: إنهم يكتبون على الشباتن سنندات أمانة يضعون عليه السعر الذي يريدونه ويخبرونهم أنه مستحق السداد بعد الوصول إلى أوروبا ولكن   لو مات هذا الشخص أثناء عملية التهريب تصبح مهمة سداد المبلغ على أهل المتوفى.

8-3.jpg

وصباح اليوم، أفاد المستشار السياسي في وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة السلطة الفلسطينيّة أحمد الديك، بأنّ الجهود في الجمهورية التونسية ما تزال متواصلة للتعرف على مزيد التفاصيل بشأن فاجعة غرق المركب قبالة السواحل التونسيّة.

وأوضح الديك في بيانٍ له، أنّ قائمة مجموعة الفلسطينيين الذين كانوا على الأراضي الليبية تضم 16 فلسطينياً، منهم اثنين من حملة وثيقة السفر السورية (مؤمن محمد علي، وخالد محمد الأبطح) وهما معتقلان حالياً لدى السلطات الليبية، كما أن اثنين من المجموعة استطاعا الوصول إلى الجزائر، وهما: محمد ماهر زغرة، ومصطفى محمود بكر، من قطاع غزّة.

وجدد الديك التأكيد أنّه تم التعرف، على خمس جثث تعود لفلسطينيين، 3 منهم من أبناء شعبنا في قطاع غزة، والجهود متواصلة مع السلطات التونسية المختصة لبحث إمكانية التعرف على الجثث الأخرى الموجودة لدى الجانب التونسي، وكذلك جارٍ التواصل والتشاور مع الجهات التونسية المختصة لبحث إمكانية نقل جثامين الشهداء إلى ذويهم في قطاع غزة، بالتنسيق مع السفارة الفلسطينيّة في القاهرة، وهو الأمر الذي يعتمد على قرار السلطات التونسية ووضع الجثامين.

وينضم هؤلاء الشبّان إلى العديد من أبناء قطاع غزّة الذين قضوا في دول اللجوء الأوروبي، هرباً من الظروف المعيشيّة والأمنيّة المترديّة في قطاع غزّة جرّاء الحصار "الإسرائيلي" المتواصل منذ 16 عاماً والاعتداءات "الإسرائيلية" المتكرّرة على القطاع.

 
عائلات المفقودين في غرق مركب المهاجرين قبالة تونس تبكي على مصير أبنائها المجهول

شبان من مخيمات #اللاجئين في #قطاع_غزة في عداد المفقودين بعد غرق مركب طالبي لجوء - كانوا على متنه - قبالة السواحل التونسية هذه عائلاتهم يعتصر قلوب أفرادها الألم والقلق بشأن مصيرهم المجهول #مراكب_الموت

Posted by ‎بوابة اللاجئين الفلسطينيين‎ on Monday, October 24, 2022

 

متابعات/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد