يذكر من حُوصر في مخيم اليرموك لمدة 5 سنوات متواصلة بدءاً من تموز/ يوليو 2013 وحتى أيار/ مايو 2018 جيداً اسم طبيب الأسنان الفلسطيني المنحدر من مدينة طبريا المهجّرة سليمان محمد محمد.
كان طبيب الأسنان الوحيد في كل المنطقة الجنوبية المحاصرة من دمشق آنذاك، تحمّلَ آلامَ الحصار الخانق على المخيم لمدة 7 شهور متواصلة وانتقل بعدها إلى يلدا المحاصرة بطبيعة الحال حيث افتتح عيادته، وآثر البقاء وعدم الخروج من عيادته ليطبب آلام أبناء شعبه حتى آخر لحظة، لم يكتف بذلك بل كان ناشطاً سياسياً يطلق الصرخات من أجل فك الحصار عن عن حوالي 1200 فلسطيني بقوا طيلة هذه السنوات في المخيم يأكلهم الحصار ولا يجدون ما يقتاتون به، ويطالب بإدخال المواد الطبية والغذاء إليهم.
وحين خرج من بقي في اليرموك لم يقبل بالاستسلام والمصالحة، تبع أبناء شعبه المهجرين إلى الشمال السوري وبقي هناك حيث هم في خيامهم ومنفاهم الجديد، عله يقدم لهم ما يستطيع عبر مهنته في طب الأسنان، وعندما كان قادراً على الخروج إلى تركيا ومنها إلى أوروبا كباقي من بحث عن حياة كريمة آمنة، لم يفعل.
بقي مع زوجته وابنيه الاثنين صهيب وجعفر في مدينة جنديرس بريف حلب ليقضوا سوية جراء الزلزال المدمر الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا يوم الاثنين 6 شباط / فبراير 2023.
وهكذا اختتمت مسيرة لاجئ فلسطيني استطاع أن يقدم خلال سني عمره القصيرة نسبياً كل ما أمكنه في خدمة أبناء شعبه وقضيته، ليذكره من حوصر وهُجّر وعانى وذاق مرارة النكبة الثانية التي حلت بالفلسطينيين في سوريا.
سيذكرون سليمان محمد ابن طبريا الذي نشأ وتعلم في مدارس مخيم اليرموك، ثم انتقل إلى جامعة دمشق ليدرس طب الأسنان، ولم يكتف بذلك بل درس الترجمة أيضاً ليترجم ما يمكن من كتب طب الأسنان إلى العربية، ترجم الكثير من كتب تقويم الأسنان إلى العربيّة، وكان أوّل من يدخل علم تقويم الأسنان إلى العربيّة.
قدّم ما أمكنه قبل أن يرحل مع 95 فلسطينياً في زلزال مدمر، دمر معه قلوب عشرات الآلاف من عوائل وأصدقاء الضحايا، ودمعت على ضحاياه مُقل كثيرين في شتى أصقاع الأرض، لا سيما فلسطينيين وسوريين شتتههم الحرب والحصار وأبعدتهم المنافي عن بعضهم البعض، لينتهي بهم المُطاف يبكون أحباءهم ضحايا هذه الزلزال من بعيد غير قادرين حتى على ضم جثامينهم وتوديعها.