مازال الوضع الاقتصادي يرخي بظلاله على اللاجئين الفلسطينيين داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، وتكاد الشوارع والأزقة تخلو من روادها من الذين اعتادوا قبل قدوم عيد الفطر بأيام أن يصطحبوا أطفالهم لشراء حاجياتهم من كسوة العيد والحلويات واللحوم والهدايا، ولكن يبدو هذا العيد مختلفاً.
صمت مؤلم يلف الشوارع والسوق في مخيم الرشيدية بمدينة صُور جنوبي لبنان، لا أطفال لا نساء لا رجال ولا عربات متجولة إلا ما ندر، يكسر هذا الصمت رجل خمسيني ينادي أطفالاً لكي يركبوا المراجيح مجاناً استعداداً لقدوم العيد.
المتجولون في الشوارع أجمعوا أنّ فرح العيد منقوص، مع عدم قدرة الأغلبية العظمى على توفير متطلباته من لباس وحلويات، مع ارتفاع الأسعار المصاحب لانهيار قيمة العملة المحلية أمام الدولار بشكل غير مسبوق.
عيد دون لحم أو حلويات
يقول اللاجئ الفلسطيني محمد حمد وهو من سكان مخيم الرشيدية: "أعيش في المخيم كباقي الناس فكلنا نعيش ذات الأزمة وهو الوضع الاقتصادي الصعب الذي أغرق الناس بالهموم وجعلهم أسرى بيوتهم وجعلهم في هذه الايام غير قادرين على شراء حاجياتهم الاساسية".
يتحدث حمد عن لاجئين فلسطينيين داخل المخيم لا يستطيعون جلب قوت أولادهم بسبب الغلاء، والتسعير بالدولار فيما أجور العاملين في المخيم تكون متدنية و بالليرة.
محمد غير قادر على شراء لحم في العيد لمجاراة طقوسه في مخيمات لبنان، وأحدها أن يكون الغداء في اليوم الأول لحماً مشوياً، هو العيد الأول لعائلته الذي سيسقطون فيه هذا الطقس الاحتفالي، يؤكد أن كيلو اللحم تجاوز مليون ليرة لبنانية، وصحيح أنه يساوي أكثر من 10 دولارات بقليل لا أن هذا المبل قد لا يتوفر في بيوت كثيرة بالمخيمات الفلسطينية على تدنيه، مع تصاعد نسبة الفقر في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو أيضاً أسقط شراء كعك العيد أو صنعه في المنزل من حسابات هذا العيد لأن أسعار المواد الأولية من التمر والسميد والسكر والغاز والقمح تفوق قدرته الشرائية.
حال اللاجئة الفلسطينية أم خالد معروف ليست بالأفضل، فهي ايضاً لا تشعر بفرحة العيد ولا ببهجته بسبب الظروف الحالية، وتؤكد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: ان العيد هذه السنة صعب جداً على اللاجئين بسبب الظروف الاقتصادية القاسية، وتتابع: "الله يعين العالم على هالوضع الصعب ولولا بعض المساعدات من الناس والجمعيات لماتت الناس من الجوع والعطش".
تقول: إن الفرحة التي كانت تشعر بها في ايام العيد السابقة لم تعد موجودة، متمنية يكون العيد المقبل أفضل حالاً على جميع اللاجئين الفلسطينيين.
أسعار بالدولار وأجور بالليرة!
تحبس أم حسين الجنداوي دمعتها عند سؤالها عن اجواء العيد وتقول: "العيد لم يمر علينا ما في عيد أبداً، أنا اشاهد الناس لا أحد قادر على شراء شيء الا من يقبض بالدولار".
لم تستطع أم حسين شراء الحلويات ولا اللحم وتقول: إنها ستلزم أولادها في المنزل لأنها لم تشتري لهم ثياب العيد.
كذلك الأمر مع اللاجئة الفلسطينية هبة لعبليني، التي اشتكت من عدم قدرتها على شراء ملابس كافية لأطفالها كما الأعياد السابقة، وكذلك الأمر بالنسبة لحلويات العيد، وتضيف: أن سعر كيس حلوى واحد يعادل الأجر اليومي لزوجها العامل، أيعقل أن تصرف مرتبة اليومي على كيس حلوى؟
وتعتمد المحال التجارية لبيع الألبسة والأحذية التسعير بالدولار وقبض ثمن البضاعة من الزبائن بالدولار، فيما يقبض زوج هبة راتبه لالليرة اللبنانية ولا يتوفر الدولار في يديها، كما أغلب اللاجئين الفلسطينيين، ناهيك عن ارتفاع سعره.
تقول: "انا قمت بجولة على محلات الثياب والاحذية ولكنني لم استطع شراء شيء، كل الأحذية والثياب بالدولار وبأرقام مخيفة لا تقل عن 35 دولاراً للقطعة، عدت إلى البيت وأنا ابكي على حال أطفالي الذين سيمضون العيد لأول مرة دون ثياب جديدة".
ووسط هذا الوضع المليء بالوجع والأمنيات بحال أفضل، ينصب محمود ضاهر أراجيح العيد ويدعو الأطفال لارتيادها، يقول: إنه نصبها منذ منتصف رمضان ليترزق منها مع مراعاة لأحوال الناس وأطفالهم.
يضيف ضاهر: أوضاع الناس صعبة جداً وبالكاد تستطيع ان تأكل وتشرب فيكف لها أن ترسل أولادها للعب على المراجيح، وأنا اشعر بالناس وأريد أن أدخل الفرحة إلى قلوب الصغار، أحاول أن تكون أسعاري مناسبة للجميع وهي 30 الف للجولة الواحدة للأرجوحة، والطفل الذي أشعر أنه لا يستطيع ان يلعب او انه لا يملك مالاً سوف يلعب مجاناً".