صورة حصرية للجريمة البشعة

العامل أمين وردة من مخيم النصيرات ذهب للعمل في الداخل المحتل وعاد في نعش

الأحد 30 ابريل 2023
العامل الشهيد اللاجئ في مخيم النصيرات أمين وردة
العامل الشهيد اللاجئ في مخيم النصيرات أمين وردة

حبست عائلة وردة من مُخيّم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزّة أنفاسها لخمسة أيّام متتاليّة قلقاً وفزعاً على ابنها أمين عبد القادر وردة (60 عاماً) الذي اختفى بظروفٍ غامضة خلال عمله في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إذ خرج أمين من بيته قاصداً العمل وجلب الزرق لأسرته، إلّا أنّه عاد محمولاً إلى عائلته التي وزّعت دموعها على المُخيّم ومن فيه من جيرانٍ عاشوا معها حالة الحزن ومرارة الفقدان.

فور تلقّي خبر وفاة العامل أمين اتهمت عائلته الاحتلال الصهيوني وعصابات مستوطنيه بعملية قتله بشكلٍ مُباشر، مُطالبة بضرورة مُحاسبتهم وردعهم كي لا تتكرّر هذه المأساة مع عائلاتٍ فلسطينيّة أخرى.

يروي محمد وردة نجل الشهيد المغدور لبوابة اللاجئين الفلسطينيين تفاصيل ما جرى من اللحظة الأولّى لبدء هذه القصّة، يقول: والدي حصل على تصريح العمل في الداخل المحتل في منتصف شهر رمضان الماضي، وتوّجه إلى العمل يوم السبت الموافق ثاني أيّام عيد الفطر، وبالفعل تسلّم عمله يوم السبت واستمر للأحد وظهر الاثنين فقدنا الاتصال معه كلياً.

امين وردة.jpg

تعرّض لضربٍ مبرح وانتقامي على أيدي المستوطنين

يُتابع محمد: تواصل معنا العمّال الذين كانوا برفقة والدي وبعض الجهات الأخرى أخبرتنا أنّه مفقود ولا يوجد معلومات دقيقة عمّا جرى معه، وعقب ذلك قمنا بالتواصل مع مسؤوله في العمل ليبحث عنه، وبعد عملية بحثٍ مطوّلة في مراكز الشرطة والمستشفيات لم يجدوا له أي أثر، وذهبوا إلى المنطقة التي كان يوجد فيها آخر مرّة فلم يجدوه، ما اضطّرنا لإبلاغ الصليب الأحمر الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان ولكن دون جدوى.

وبحسب محمد الابن الأكبر للفقيد المهجّر من بلدة سلمة قضاء مدينة يافا المحتلّة، فإنّ العائلة تواصلت مع الارتباط الفلسطيني من أجل البحث عنه: "بعد أيامٍ من المعاناة تبلّغنا من الارتباط ظهر الخميس الماضي أنّ والدنا موجود في معهد الطب العدلي أبو كبير للتشريح، فتأكدنا أنّه ليس بخير وهناك مكروه ما أصابه، وتلقينا بعد ذلك الخبر الفاجعة"

يؤكد محمد أنّ الوفاة لم تكن طبيعيّة لأنّه وعند معاينة الجثمان شاهدنا كدمات مخيفة تُبيّن أنّه تعرّض لضربٍ مبرح وانتقامي على أيدي المستوطنين، وكانت الكدمات والضربات مركّزة في منطقة الرأس والرقبة والصدر، أي في أماكن لا يؤدّى الضرب عليها إلّا للموت.

صور حصريّة للجريمة البشعة

يختم محمد: هدّدوا العمّال الذين كانوا يعملون مع والدي في ذات المصنع بألّا يخبرونا بما جرى وإلّا ستُسحب منهم تصاريح العمل، لذلك لم يكن هناك أي معلومة عنه أثناء فترة اختفائه التي عشنا فيها كعائلة أوقاتاً صعبة للغاية، هذا هو الاحتلال، رحمك الله يا والدي.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين حصل من العائلة على صورٍ خاصّة للشهيد أمين وردة الذي كان يعمل في مستعمرة "كريات ملاخي"، إذ تُظهر الصور حجم بشاعة الجريمة التي تعرّض لها، ولا تبيّن هذه الصور سوى شيء واحد ألا وهو حقد المستوطنين على الإنسان الفلسطيني.

آثار الكدمات والجروح على جسد الشهيد أمين وردة.jpg
آثار الكدمات والجروح على جسد الشهيد أمين وردة

هذه المأساة لم تطل عائلة وردة لوحدها، بل طالت ثلاث عائلاتٍ فلسطينيّة منذ بداية العام 2023، حيث استشهد أبناؤها خلال العمل في الداخل المحتل، وهم: العامل محمد الجبلي (59 عاماً)، ارتقى في 20 نيسان/ إبريل إثر تعرّضه لنوبةٍ قلبيّة خلال عمله في مدينة رهط بالنقب، والعامل زياد الغول الذي توفي مطلع مارس/ آذار الماضي إثر سقوط رافعة بناء عليه أثناء عمله، والعامل مجدي صبحي أبو كرش (54 عاماً) الذي استشهد بصعقةٍ كهربائيّة خلال عمله بالداخل المحتل في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي.

وتعقيباً على ذلك، حمَّل رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي الاختلال الصهيوني مسؤولية تصاعد حالات الوفيات في صفوف عمّال غزة بالداخل المحتل التي كان آخرها، ارتقاء العامل الحاج أمين أبو وردة من سكّان مُخيّم النصيرات.

50 عاملاً من الضفة الغربية وقطاع غزة قضوا في الداخل المحتل خلال 2022

وقال العمصي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ حجم وعدد الضحايا العمال الفلسطينيين يتصاعد سنة بعد أخرى، إذ توفي العام الماضي أكثر من 50 عاملاً من الضفة والداخل المحتل، وفي 2021 توفي 66 عاملاً في ورش الصناعة والتجارة والبناء والخدمات الزراعية، و65 عاملاً توفوا عام 2020، و47 في عام 2019، و39 عاملاً عام 2018.

ويؤكّد العمصي لموقعنا، أنّ زيادة أعداد الوفيات في الداخل المحتل، تنبّه إلى انعدام الأمن في مواقع العمل "الإسرائيليّة" وإجراءات السلامة المهنية، لا سيما وأنّ المطلوب منهم توفير إجراءات السلامة في مواقع العمل ووقف التمييز العنصري، إذ يدفع أرباب العمل بالعمّال الفلسطينيين للعمل في الأعمال الخطرة دون توفير أدنى إجراءات السلامة.

نصف سكّان غزّة بلا دخلٍ يومي ومعدل الفقر في ارتفاع

وعشيّة يوم العمّال العالمي الذي يُصادف الأوّل من أيار/ مايو، يرى العمصي، أنّ هذا اليوم مناسبة ليتجدّد فيها الحديث عن الفصول المؤلمة لمأساة العمال الفلسطينيين وخاصّة عمّال قطاع غزّة الذين يعيشون تحت وطأة الحصار الصهيوني المفروض على القطاع منذ 16 عاماً في أبشع جريمة عقابٍ جماعي لم يشهد العالم لها مثيل.

 ويضيف العمصي، أنّ استمرار الحصار وارتفاع نسبة البطالة لنحو 50% يعني أنّ نصف سكّان قطاع غزّة يعيشون بلا دخلٍ يومي، إلى جانب ارتفاع نسبة الفقر لقرابة 60% وتعطّل نحو ربع مليون عامل، مما يعمّق الكارثة الإنسانية في غزة، ويزيد من معاناة العمّال.

ويزداد قلق وخوف العمّال الفلسطينيين من قطاع غزّة في الداخل المحتل يوماً بعد يوم وخاصّة بعد كل جريمةٍ يقترفها المستوطنون أو شرطة الاحتلال بحق العمّال كما جرى مؤخراً مع الشهيد وردة الذي فقد حياته في رحلة البحث عن لقمة العيش.

ننام بعين مفتوحة وأخرى مغمضة خوفاً من اعتداءات المستوطنين

يقول هاني عبد الله (اسم مستعار) فضّل عدم الكشف عن اسمه خشيةً من اعتداءات المستوطنين أو سحب تصريح العمل منه: أصبحنا نعيش في حالة قلقٍ دائم، نخشى على حياتنا وننام بعد نهاية عملنا نهاية كل يوم بعين مفتوحةٍ وعين مغلقة.

ويؤكّد العامل هاني لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ موجة العنصريّة في ازديادٍ واضح تجاه العمّال الفلسطينيين وخاصّة عمّال قطاع غزّة، كما أنّ سلطات الاحتلال أصبحت تتفنّن في تعذيب عمّال غزّة، فمثلاً تعطي العامل تصريحه الخاص للعمل وبعد يومين أو أسبوع من العمل وكسب بعض الأموال يسحبون التصريح من باب التنغيص على العامل دون أي أسبابٍ حقيقيّة تذكر.

ويُشير هاني وهو من سكّان مُخيّم الشاطئ غرب مدينة غزّة: إلى أنّ الحال الصعبة والوضع المعيشي الكارثي في القطاع هو الذي يدفع العمّال للمخاطرة بحياتهم وترك أطفالهم لشهورٍ طويلة والعمل في مستوطنات الاحتلال من أجل توفير قوت هؤلاء الأطفال وتلبية احتياجاتهم، ولو لم يكن القطاع محاصراً فلا أحد يفكّر في مثل هذا العمل الذي ربّما أصبح يكلّفنا حياتنا مثلما حصل مع الحاج أمين وردة من النصيرات، فلا نعلم متى يأتي دورنا...!

وشيّعت جماهير غفيرة في مُخيّم النصيرات للاجئين الفلسطينيين ظهر الجمعة الماضية، جثمان الشهيد وردة، وسط أجواءٍ من الحزن والغضب عمّت المخيم.

تشييع امين وردة &.jpg


 

أحمد حسين - صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد