عادة ما يحيي اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ذكرى النكبة من خلال فعاليات وأنشطة ومسيرة كشفية داخل المخيم ولكن هذا العام كان مختلفاً ومميزاً في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوبي العاصمة اللبنانية بيروت.

فمع الدخول إلى المخيم يستطيع الزائر أن يلمح تداعيات النكبة في عيون اللاجئين الفلسطينيين، الذين قرروا وسط  كل ما يعيشونه من فقر وضيق معيشي تفاقم مع الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في البلد المضيف، وما يتابعونه من مشاهد قصف للفلسطينيين في قطاع غزة، وانتهاكات واعتداءات متزايدة على نصفهم الآخر في الضفة الغربية، أن يحييوا الذكرى هذا العام بإعلان التمسك بالهوية والتراث.

ملامح البلاد داخل المخيم

في روضة القسام حيث جمعت اللجنة الشعبية والمؤسسات العاملة في المخيم أجيالاً متعاقبة من ضحايا النكبة الفلسطينية، ارتدى الأطفال الكوفية الفلسطينية والرجال والنساء الثياب التراثية (الفستان المطرز- الحطة – العقال والقنباز)

مكان ضيق لكنه اتسع لمئات كبار السن والكثير من الأطفال، رجال ونساء من اللاجئين الفلسطينيين بعضهم عاش أحداث النكبة عام 1948، افترشوا الأرض على طريقة (القعدات) العربية في قراهم المهجرة، يدعون الزائرين إلى فنجان قهوة عربية ويحدثونهم عن فلسطين وعن أشجار الزيتون وكروم العنب، وعن الأيام المشؤومة التي خرجوا فيها من بيوتهم وقراهم تحت وقع النيران وقصف المدفعيات وجرائم الإعدام.

حاولوا خلال هذه الفعالية نقل صور من الحياة اليومية التي كانوا يعيشونها في القرى الفلسطينية قبل النكبة، عإعداد (المفتول) وهي وجبة شعبية تراثية اشتهر فيها الفلسطينيون، وطحن القهوة على طريقة أهالي القرى الفلسطينية، وبجانبهم الأطفال يشاهدون ملامح من البلاد المسروقة ولكن في مخيم للجوء.

لا حل سوى العودة

أجيال متعاقبة منذ عام 1948 شاركوا في هذه الفعالية، جميعهم يرون أن العودة إلى فلسطين هي الحل الوحيد المقبول به من جموع اللاجئين الفلسطينيين لأطول قضية لجوء شهدها التاريخ الحديث.

"" نحن نربي أولادنا على حب فلسطين ونقول لعدونا الصهيوني: لا تفرح كثيرا فإن النصر لنا قريب" هكذا عبرت اللاجئة الفلسطينية من منطقة النهر قضاء عكا فاتن ازدحمد عن مشاركتها في فعالية إحياء الذكرى الـ75 للنكبة الفلسطينية.

ولدت فاتن في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، لم تر فلسطين يوماً عاشت كل حياتها كلاجئة في مخيم، ولكنها تعرف كثيراً عن قريتها، تعيش في المخيم وقلبها معلق بوطنها الأصلي الذي لم تزره حتى، كما تقول.

تضيف فاتن لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: أن فلسطين تعيش في أنفاس اللاجئين "نحن هنا في المخيمات ميتون وعيوننا مفتوحة لأننا لسنا في بلادنا ولن تعود أرواحنا الا بالعودة على ديارنا"، وتصف المرأة الفلسطينية بالمرأة الجبارة القوية التي لا تتوانى في كل لحظة عن تذكير ابنها وحفيدها بفلسطين، معبرة بأن الكفاح والنضال هما السبيلان الوحيدان لاسترجاع الحق والأرض.

ذكريات من فلسطين

يأخذ الحنين اللاجئة الفلسطينية عليا حسن الشبطي التي عاشت في فلسطين قبل النكبة، في البصة المهجرة قضاء صفد، تقول: إن والدها كان مختاراً لقرية البصة، وأنها تذكر جيداً كيف كان يسقي المزروعات ويقطف كروم العنب وأشجار الزيتون والتين والليمون وتذكر المدرسة التي كانت تدرس فيها وانها المدرسة الوحيدة التي كان يقصدها التلاميذ من معظم القرى المجاورة، وتذكر أن والدها كان يمتلك قطيعاً من الغنم والماعز والبقر الذي كانت تشرب من حليبها يومياً.

تفاصيل قد تكون بسيطة ولكنها أصبحت ذكرى لهذه الحاجة التي تحدثت عن يوم خروجها من فلسطين مع أهالي قريتها عنوة تحت وقغ المجازر الصهيونية، وتقول: العصابات الصهيونية هددت القرية بارتكاب مجزرة، حال لم نخرج، كان والدي خائفاً علي وعلى إخوتي، فهجرنا إلى  منطقة اسمها يارين في لبتان هي ضيعة امي لان امي كانت لبنانية، ومن يارين تهجرنا إلى مخيم الرشيدية ومن بعدها استقرينا في مخيم برج البراجنة.

تتابع في غصة وحسرة وهي تكاد تبكي: أن فلسطين تمثل حياتها وأنها من دون أرضها ستبقى تائهة تقول: إنها ستعود حافية القدمين الى البصة لو فتحت أمامها الحدود.

7-1.jpg

 

تبكي اللاجئة الفلسطينية زهرة ابراهيم دباجة وهي تتحدث عن فلسطين التي لا تذكرها حيث هجرت عائلتها وهي في عمر الأربع شهور، هذه الحاجة عاشت سني طفولتها في السنوات الأولى للجوء الفلسطينيين داخل المخيمات، ولكنها حفظت من والديها تفاصيل البلاد.

تقول: "أنا زهرة ابراهيم دباجة من قرية الكابري قضاء عكا طلعت من فلسطين ةانا بنت ٤ شهور وابوي الله يرحمه كان يحكيلنا لحظة خروجهم من فلسطين إنهم كانوا في القرية عندما جاءهم خبر أن عصابات صهيونية قريبة من القرية ستحاول احتلالها في وقت قريب، فاستعد الاهالي وجهزوا ما يمكن ان يجهزوه من اسلحة فخرجوا بفكرة النار وفعلاً في إحدى الليالي هجمت العصابات بالدبابات فتصدى لها الأهالي وأحرقوها جميعاً، بعدها هاجمت الطائرات الحربية القرية، فسقط الكثير من الشهداء عندها قرر والدي مغادرة الكابري وذهبنا الى بنت جبيل في لبنان".

تؤمن زهرة بأنها إن لم تعد يوماً إلى فلسطين، إلا أن أولادها وأحفادها سيعودون، وهي أوصتهم بأن يبحثوا عن أراضي والداها ويصلوا إليها ليعيدوا زراعتها.

مع كل الهزائم السياسية عامة، وما شهدته من مجازر بحق الفلسطينيين في لبنان خلال القرن الماضي، وما يعيشه اللاجئون من تضييق ومحاولات لإنهاء وجودهم تتحدث وهي في عمر الخامسة والسبعين عن العودة إلى فلسطين وكأنها يقين ورثته من والديها وأورثته إلى أبنائها وأحفادها.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد