للمرة الأولى في تاريخه يشهد مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين بمدينة طرابلس شمالي لبنان معرضاً للكتاب بمشاركة دور نشر عربية.
المعرض الذي استمر على مدار ثلاثة أيام تحت عنوان "الإنسان كلمة" تم تنظيمه من قبل "زاوية رؤيا الثقافية" في المخيم بالتنسيق مع نادي حيفا الثقافي، وشاركت فيه مؤسسات ثقافية من مخيمات عدة في لبنان، في وقت يشهد فيه الإقبال على القراءة تراجعاً داخل المخيمات الفلسطينية مع تصاعد الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الالكترونية.
يقول مسؤول زاوية رؤيا الثقافية باسل عبد العال: إن أبرز أهداف هذا المعرض هو التشجيع على القراءة وإحياء حب الكتاب في أوساط الشباب بالمخيم، مضيفاً أن تنظيم المعرض داخل المخيم يحمل رمزية وطنية على اعتبار أن جانباً كبيراً من المعركة مع الاحتلال هي معركة ثقافية ومعركة وعي.
عناوين متنوعة لكتب في الأدب والتاريخ والعلوم والسياسة عرضت في هذا المعرض مع إقبال يمكن اعتباره جيداً نسبياً في ظل تحديات اقتصادية ومعيشية يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات لا سيما فئة الشباب منهم، وهي المكبّلة بقوانين البلد المضيف التي تحرمهم من العمل وتجعل جل تفكيرهم يتجه نحو كيفية البحث عن مداخيل للعيش أو الهجرة، هذا بالإضافة إلى إهمال رسمي فلسطيني في مراقبة الواقع الثقافي في المخيمات عموماً والعمل على تطويره.
في ظل تجريد اللاجئين الفلسطينيين من مقومات الصمود يمكن للقراءة أن تكون وسيلة مقاومة ونهوض
هشام بهلول وهو أحد منظمي المعرض: إن فكرة ارتياد الجيل الشاب من اللاجئين الفلسطينيين للمكتبات واهتمامه بزيارة معرض للكتب، يمكن أن تكون لبنة أساسية يُبنى عليها لاحقاً لتحقيق هدف مأمول وهو وجود جيل يبحث بنفسه عن الثقافة ويسعى إليها، لتكون معارض كهذه هي وسيلة مساعدة لكل شاب في الحصول على كتاب بأي عنوان يحفزه للمطالعة.
رغد بشير شابة فلسطينية في العشرينيات من عمرها وهي من منظمي المعرض في مخيم نهر البارد، ترى أنه في ظل تجريد اللاجئين الفلسطينيين من مقومات صمود عدة تتعلق بالوضع المعيشي والاقتصادي وحتى السياسي، تظل القراءة وسيلة للنهوض والاستمرار، هي تشارك في تنظيم المعرض لأنها تعتبر أن الثقافة التي يمكن أن يكتسبها اللاجئون الفلسطينيون من خلال القراءة يمكن أن تكون سلاحاً بأيديهم، ومن وجهة نظرها فإن المواظبة على القراءة من شأنها إحداث تغيير إيجابي على طريقة تفكير الإنسان وعلى سلوكه، وهذا إن حصل فهو بحد ذاته شكل من أشكال مقاومة الواقع البائس في المخيمات الفلسطينية، حيث إن من يقرأ ويتغير للأفضل لا بد أنه سيعمل على النهوض بواقعه وواقع مخيمه، وتستلهم فكرتها من عبارة معروفة وهي "المثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر".
الثقافة هي التي توجه البندقية
و تؤيدها في ذلك نور الحسن وتقول: إن سبباً كبيراً من استمرارية وجود المخيمات الفلسطينية كمجتمع صامد ما يزال يحمل أبناؤه لواء قضية عادلة هو وجود مثقفين وكتاب وشعراء وأدباء في هذه المخيمات، تمكنوا من نقل صورة واضحة لقضيتهم وعالجوا فيما نشروه من كتب ومؤلفات ومقالات حياة البؤس في المخيمات ووثقوها من أجل مقاومتها، كما أنهم أثروا بشكل غير مباشر على اللاجئين الفلسطينيين في هذه المخيمات، مضيفة: بأن ليس على اللاجئ الفلسطيني وخاصة في مرحلة الشباب سوى أن يخصص جزءاً من وقته للقراءة وهذا كفيل بأن يفتح أفقه لتغيير واقعه والتأثير بمن حوله.
ومن نفس المنطلق ترى حنان توهان وهي ناشطة من منظمة الشبيبة الفلسطينية: أن القراءة هي مهمة للشعب فلسطيني في الشتات، تقول: "نحن لا نستطيع محاربة عدونا بالسلاح، ولكن سلاحنا الوحيد في مخيمات اللجوء هو القراءة والثقافة، وأنا أشجع فكرة المعرض كثيراً وأتمنى أن تقام كل عام"
كلام توهان يطرح سؤلاً قديماً متجدداً حول وجود إقصاء للاجئين الفلسطينيين عن الفعل النضالي والسياسي الفلسطيني، تساهم فيه عوامل عدة، فهل يمكن اعتبار انخفاض مستوى الاهتمام بالثقافة السياسية والأدبية وغيرها على حساب الهموم المعيشية إحدى هذه العوامل؟
قد تكون الإجابة نعم، إذا ما نُظر للأمر من زاوية أن "الثقافة هي التي توجه البندقية" وهي عبارة قالها الكاتب والشاعر الفلسطيني شحادة الخطيب في لقاء مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال زيارته المعرض، ويضيف الخطيب أن التكنولوجيا الحديثة لا تمنع القراءة بل تسهلها إذ يمكن للقارئ أن يقرأ كتاباً من خلال هاتفه أو حاسوبه.