أدّى اقتحام زعيم المعارضة "الإسرائيلية" آنذاك أرييل شارون يوم 28 سبتمبر/ أيلول 2000 باحات المسجد الأقصى، تحت حماية نحو ألفين من الجنود والقوات الخاصة، وبموافقة من رئيس الوزراء في حينه "إيهود باراك"، إلى اندلاع شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أو ما يسمى فلسطينياً بانتفاضة الأقصى.
وعقب هذا الاقتحام، شهدت مدينة القدس مواجهات عنيفة سرعان ما امتدت إلى جميع المدن في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كان الطفل الفلسطيني "محمد الدرة" أحد رموز الانتفاضة الثانية التي زادت وتيرتها وعنفوانها إثر استشهاده برصاص الاحتلال "الإسرائيلي" على مرأى من العالم أجمع، فبعد يومين من اقتحام الأقصى، أظهر شريط فيديو التقطه مراسل قناة تلفزيونية فرنسية في 30 سبتمبر/ أيلول 2000، مشاهد إعدام للطفل (11 عاماً) وهو في حضن والده في شارع صلاح الدين جنوب مدينة غزة، ما أثار وزاد من غضب الفلسطينيين في كل مكان، وخرجوا بالآلاف إلى الشوارع لمواجهة جيش الاحتلال.
كما تميزت انتفاضة الأقصى، مقارنةً مع انتفاضة الحجارة عام 1987، بزخم المواجهات والأعمال الفدائية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، حيث نفذت المقاومة الفلسطينية هجمات داخل المدن "الإسرائيلية"، وطالت التفجيرات مطاعم وحافلات تسببت بمقتل مئات المستوطنين.
ولعل أبرز أحداث انتفاضة الأقصى، كان اجتياح مخيم جنين ومقتل قائد وحدة الهبوط المظلي "الإسرائيلية"، إضافة إلى 58 جندياً، وإصابة 142 جندياً في المخيم، فيما تعرضت مناطق الضفة وغزة لاجتياحاتٍ عسكرية طالت عدّة مخيماتٍ للاجئين وتسبّبت بتدمير آلاف المنازل والبيوت.
كما شهدت الانتفاضة الثانية اغتيال وزير السياحة الصهيوني "رحبعام زئيفي" على يد عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ليشرع بعدها "شارون" بحملةٍ اغتيالاتٍ طالت أكبر عدد من قيادات الصف الأول في الأحزاب السياسية والحركات العسكرية الفلسطينية، في محاولة لإخماد الانتفاضة، ولإضعاف فصائل المقاومة وإرباكها، حيث جرى اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وأبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وغيرهم من القادة.
دور محوري للمخيمات
المُخيّمات الفلسطينيّة كانت على تماسٍ مباشر مع جيش الاحتلال، منذ قبل انتفاضة الأقصى، حيث راكم الفلسطينيون طوال سنوات الكثير من القدرات، وشكّلت المُخيّمات مركز قيادة لتسليح وتنظيم وتدريب وتوفير الإمكانيّات لكل القطاعات التي لم يكن لديها حاضنة، فكان يتم إعداد "الاستشهاديين" داخل المُخيّمات وتدريب المُقاتلين وتسليحهم بداخلها.
مُخيّما البريج والنصيرات وسط قطاع غزة تعرّضا لنحو 8 أو 10 اجتياحات كُبرى، وفي شباط/ فبراير عام 2002، شنّ جيش الاحتلال عمليّة عسكريّة واسعة على مخيم بلاطة للاجئين الواقع في المنطقة الشرقيّة من نابلس المحتلة، تعرّض خلالها المخيم لاستهداف جوّي من طيران الاحتلال وآخر على الأرض بالقذائف المدفعيّة والرشاشات الثقيلة والمتوسطة من قوات الاحتلال، بهدف تصفية المُقاومة في المخيّم الذي كان يُطلق عليه إعلام الاحتلال أوصافاً مثل رأس الحيّة وعُش الدبابير.
وجاءت العمليّة العسكريّة على مخيم بلاطة تمهيداً للاجتياح الشامل للضفة المحتلة، الذي أطلق عليه الاحتلال اسم "عمليّة السور الواقي"، لكن مخيم جنين كان على موعدٍ مع معركةٍ كبرى، باعتباره شرياناً رئيسياً للعمليات الفدائيّة.
وشرع الاحتلال بمجزرته داخل مخيم جنين عقب تطويق محاوره الأربعة وقصف مختلف أحيائه في أكبر حشد عسكري بالضفة منذ نكبة العام 1948، لكن المقاتلين الفلسطينيين قرروا القتال حتى الرمق الأخير، لتستمر المعارك بعدها 15 يومًا، حيث لم تتمكّن قوات الاحتلال من دخول المخيم إلّا بعد أن أخذت قراراً بهدمه وتحويله لأكوامٍ من الحجارة.
كما شهدت الانتفاضة الثانية تطوراً في أدوات المقاومة الفلسطينية، مقارنة بالانتفاضة الأولى التي كان أبرز أدواتها الحجارة والزجاجات الحارقة، حيث عملت الفصائل الفلسطينية على تطوير أجنحتها العسكرية، وخاصة كتائب القسام الجناح المسلح لحركة "حماس"، فيما كانت مستوطنة "سديروت"، على موعد مع تلقي أول صاروخ فلسطيني محلي الصنع، أطلقته كتائب القسام، بعد عام من انطلاق انتفاضة الأقصى يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2001.
ولعل المقاومة الفلسطينيّة وعملياتها النوعيّة التي خرجت من المخيمات سواء بالتفكير والخلايا المنفّذة لهذه العمليات التي أوجعت الجيش "الإسرائيلي" خلال سنواتٍ من عمر الانتفاضة الثانية، أسّست لجيلٍ مقاوم ما زال يوجع الاحتلال في مخيمات الضفة هذه الأيّام، انطلاقاً من مخيم جنين مروراً بمخيمات نابلس وطولكرم وغيرها من المخيمات الفلسطينيّة التي ما زالت تمسك بمفتاح العودة والحق في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
وبعد سنواتٍ من البطولة، بدأ الاحتلال في عام 2002 ومن مدينة القدس في بناء الجدار العازل لمنع دخول الفلسطينيين من محافظات الضفة إلى الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وإلى مدينة القدس المحتلة.
وتوقفت انتفاضة الأقصى في الثامن من فبراير/ شباط 2005 بعد اتفاق هدنة بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين في قمة "شرم الشيخ".
ووفقًا لأرقامٍ فلسطينيّة و"إسرائيلية" رسمية، فقد أسفرت الانتفاضة الثانية عن استشهاد 4412 فلسطينياً إضافة إلى 48 ألفاً و322 جريحاً، بينما قُتل 1100 مستوطن "إسرائيلي"، بينهم ثلاثمئة جندي في جيش الاحتلال، وجرح نحو 4500 آخرين.