أكّدت تقارير وتحقيقات أجرتها منظمات حقوقية دولية ومؤسسات إعلامية، تعمد جيش الاحتلال "الإسرائيلي" استهداف مجموعة من الصحفيين في جنوب لبنان يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، ما أدّى إلى استشهاد الصحفي اللبناني عصام العبد الله، وإصابة 6 آخرين، خلال قيامهم بتغطية الأحداث على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها اليوم الخميس 7 كانون الأول/ ديسمبر: إنّ الضربتين "الإسرائيليتين" على جنوب لبنان يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر، هما هجوم متعمد على المدنيين، وبالتالي جريمة حرب.
واستندت المنظمة المعنية بمراقبة انتهاكات حقوق الانسان حول العالم، على شهادات الشهود وأدلة الفيديو والصور التي تحققت منها المنظمة الدولية، وأشارت إلى أن الصحفيين كانوا بعيدين تماماً عن الأعمال القتالية الجارية، وكان واضحاً أنهم إعلاميون، وظلوا ثابتين لمدة 75 دقيقة على الأقل قبل أن تصيبهم هجمتين متتاليتين.
وأكّدت المنظمة، غياب أي هدف عسكري قرب موقع تمركز الصحفيين في منطقة (علما الشعب) جنوبي لبنان، في وقت أشارت الأدلّة، التي راجعتها "هيومن رايتس ووتش" إلى أن الجيش "الإسرائيلي" كان يعلم أو ينبغي له أن يعلم، أن مجموعة الأشخاص الذين أطلق النار عليهم كانوا مدنيين، بحسب المنظمة.
ووقالت المنظمة: إنّها أجرت مقابلات مع سبعة شهود، بينهم ثلاثة من الصحفيين الذين أصيبوا، وحللت 49 مقطع فيديو وعشرات الصور، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية. ومقابلات مع ممثل عن "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل)، واستشارت خبراء عسكريين وخبراء في مجال الفيديو والصوت.
وتشير أدلة الفيديو التي استندت إليها المنظمة، والتحليل الصوتي من قبل خبراء، وشهادات الشهود إلى أن المجموعة الصحفية التي جرى استهدافها، كانت مرئية لكاميرات طائرة مسيّرة قريبة وهي "إسرائيلية" على الأرجح، وضمن مجال الرؤية من خمسة أبراج مراقبة لجيش الاحتلال.
وأضافت: أنّه من المرجح أن المجموعة استُهدفت بوحدة ذخيرة واحدة على الأقل من المدفع الرئيسي لدبابة من موقع عسكري "إسرائيلي" على بعد نحو 1.5 كيلومتر في الجنوب الشرقي.
ونقلت " هيومن رايتس ووتش" عن أشخاص قابلتهم، أنّ الصحفيين تجمعوا الساعة 4:45 بعد الظهر في منطقة خالية على قمة تل في (علما الشَّعب) لتصوير القتال على الحدود الجنوبية للبنان مع "إسرائيل"، وذلك قبل حوالي ساعة من الهجمات، "بعد ما يشتبه أنه محاولة تسلل من قبل مسلّحين من لبنان إلى موقع حنيتا الإسرائيلي ، على بعد نحو 2.2 كيلومتر، تم تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين القوات "الإسرائيلية" ومجموعات مسلحة، فيما توقف الاشتباك نحو الساعة 5 و20 دقيقة" حسبما أكدت استناداً إلى بيان لقوات الأمم المتحدة "اليونيفيل" الموجودة في المنطقة.
إلّا أنّه وبعد 40 دقيقة، أصابت وحدتا ذخيرة موقع الصحفيين، والتقطت خمس كاميرات للصحفيين بشكل غير مباشر الهجوم وآثاره، ما سلط الضوء على كيفية تنفيذ الهجوم ومصدره، حسبما أكدت المنظمة.
ووثقت "هيومن رايتس ووتش" عن الصحفيين الذين أصيبوا في الاستهداف، أنّ القذيفة الأولى التي أطلقها جيش الاحتلال، أصابت الصحفي في "رويترز" عصام عبد الله وجداراً إسمنتياً منخفضاً، ما أدى إلى مقتله فوراً وإصابة المصورة الصحفية في "وكالة فرانس برس" (أ ف ب) كريستينا عاصي بجروح بالغة.
وبعد 37 ثانية، أدى هجوم آخر إلى تدمير سيارة تابعة لقناة "الجزيرة" واشتعال النيران فيها وجرح ستة صحفيين، بينهم كارمن جوخدار وإيلي براخيا من الجزيرة، وديلان كولينز وكريستينا عاصي من أ ف ب، وثائر السوداني وماهر نزيه من "رويترز" حسبما تابعت.
وأكّدت الشهادات، أنّ الصحفيين يمكن التعرف عليهم بوضوح على أنهم صحفيون، وتم تأكيد ذلك من خلال الفيديوهات التي حللتها "هيومن رايتس ووتش" حيث تُظهر الفيديوهات، أنّه قبل ساعة على الأقل من الهجوم، خمسة صحفيين، بينهم عبد الله، كانوا يرتدون السترات والخوذات الزرقاء التي تحمل إشارات مرئية بوضوح، إضافة إلى وجود سيارة بقربهم مكتوب عليها "TV/ تلفزيون"
كما أكدت المنظمة، وجود "هليكوبتر" إلى الجنوب من موقع الصحفيين قبل ساعة، و30 دقيقة، و5 دقائق من الضربة من خلال فيديوهات راجعتها، وأشارت إفادات الشهود والمراسلين الذين كانوا يبثون على الهواء مباشرة في ذلك الوقت إلى أن الهليكوبتر كانت تحلق فوق المنطقة لفترات مختلفة قبل الضربة الأولى، بما يشمل آخر 15 دقيقة، ودقيقة واحدة قبل الهجوم، بحسب ما جاء في التقرير.
ضرورة وقف بيع الأسلحة لـ " إسرائيل"
وبناء على نتائج التحقيق التي أفضت إلى مسؤولية وتعمد مباشر لاستهداف الصحفيين، أكدت "هيومن رايتس ووتش" أنّه على حلفاء "إسرائيل" الرئيسيين وأولهم الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا، تعليق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة لـ "إسرائيل"، نظراً للخطر الحقيقي المتمثل في استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة.
وذكرت المنظمة، أنّ السياسات الأمريكية تسمح بنقل الأسلحة إلى الدول "التي من المرجح أن تستخدمها" في انتهاك القانون الدولي، وأكدت أنّه على الحكومة الأمريكية التحقيق في هذا القصف نظراً لإصابة أحد مواطنيها، وهو صحفي لبناني يحمل الجنسية الأمريكية.
وشددت المنظمة على حصانة المدنيين كمبدأ أساسي من المبادئ الأساسية في القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، "فهي توجب، في جميع الأوقات أثناء النزاع، اقتصار الاستهداف على المقاتلين والأهداف العسكرية الأخرى فقط ويُحظر بأي حال من الأحوال شن هجمات مباشرة ضد المدنيين، ويستفيد الصحفيون من الحماية العامة التي يتمتع بها المدنيون ولا يجوز أن يكونوا أهدافا للهجوم ما لم يشاركوا مباشرةً في أعمال قتالية".
منظمة العفو الدولية: يجب التحقيق بالجريمة كجريمة حرب
من جهتها، خلصت منظمة العفو الدولية "امنستي" إلى النتيجة ذاتها، وقالت في تقرير منفصل نشر اليوم الخميس: إن تحقيقًا في الضربتَيْن "الإسرائيليتَيْن" على مجموعة تضم سبعة صحفيين في جنوب لبنان وأدى الى استشهاد الصحفي عصام العبد الله، يرجّح أن يكون هجوماً مباشراً على مدنيين يجب التحقيق فيه كجريمة حرب.
وأكدت المنظمة، أنها تحققت من صحة ما يزيد عن 100 مقطع فيديو وصورة، وحلّلت شظايا الأسلحة التي أُخذت من الموقع، وأجرت مقابلات مع تسعة شهود، وتشير النتائج إلى أنه كان واضحاً أنّ المجموعة تضم صحفيين وأن الجيش "الإسرائيلي" عرف أو كان يجب أن يعرف أنهم مدنيون، ومع ذلك هاجمهم بضربتين فصلت بينهما 37 ثانية.
وقالت نائب مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية آية مجذوب: "إن التحقيق الذي أجريناه في الحادثة يكشف النقاب عن أدلة مرعبة تشير إلى وقوع هجوم بلا رحمة على مجموعة من الصحفيين الدوليين الذين كانوا يقومون بعملهم في نقل أخبار العمليات الحربية".
"فرانس برس": استهداف الصحفيين كان من دبابة " إسرائيلية"
وبيّنت تحقيقات صحفية أجرتها وكالتا "رويترز" و "فرانس برس" مسؤولية جيش الاحتلال "الإسرائيلي" استهداف مجموعة الصحفيين يوم 13 أكتوبر الفائت، وارتقى على إثرها مصور وكالة "رويترز" عصام العبد الله.
وقالت "فرانس برس": إنها أجرت على مدى سبعة أسابيع، تحقيقاً عبر تحليل صور أقمار اصطناعية وست وسائل إعلام كانت موجودة في المكان في ذلك اليوم، مع شهادات صحافيين، وسكان ومصادر أمنية، وطرح أسئلة على عدد من الخبراء في الأسلحة.
وأظهر تحقيق الوكالة، الذي أجري بالتعاون مع منظمة "إيروورز" (Airwars) البريطانية غير الحكومية المتخصصة في التحقيق في هجمات تطال مدنيين في مواقع النزاع، أن قذيفة دبابة من عيار 120 ملم مزودة بزعانف ويستخدمها الجيش "الإسرائيلي" حصراً في المنطقة، استخدمت في الضربة القاتلة.
"رويترز": دبابة "إسرائيلية" قتلت زميلنا عصام العبد الله
وكالة "رويترز" التي تجنبت الإشارة إعلامياً، عقب استشهاد الصحفي ضمن طاقمها عصام أنّ الاستهداف جاء من جهة الاحتلال، وجرى توثيقه صحفياً في لحظتها، قالت اليوم عقب تحقيق أجرته: إن دبابة تابعة للجيش "الإسرائيلي" هي التي قتلت عصام العبد الله وأصابت ستة صحافيين في لبنان، وذلك "بإطلاق قذيفتين في تتابع سريع من داخل إسرائيل بينما كان الصحافيون يصورون قصفاً عبر الحدود".
وخلصت "رويترز" إلى نتائجها، بعد العمل مع 30 من المسؤولين الحكوميين والأمنيين والخبراء العسكريين والمحققين في الطب الشرعي، إلى جانب محامين ومسعفين وشهود للتوصل إلى رواية مفصلة عن الحادث.
وقالت الوكالة: إنّها استندت أيضاً على تحليل مقاطع فيديو مدتها 8 ساعات من ثماني وسائل إعلام كانت في المنطقة في ذلك الوقت ومئات الصور التي التقطت قبل الهجوم وبعده، وتشمل صوراً عالية الدقة بالأقمار الاصطناعية.
وأضافت: أنّها "عرضت على الجيش الإسرائيلي النتائج التي توصلت إليها بأن قذيفتي الدبابة أطلقتا من داخل إسرائيل، وطرحت أسئلة تفصيلية إضافية، منها ما إذا كانت القوات الإسرائيلية على علم بأنها تطلق النار على الصحافيين".
إلّا أنّ ما يسمى بالمتحدث الدولي باسم جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، ريتشارد هيخت، صرّح للوكالة ذاتها قائلاً: "نحن لا نستهدف الصحافيين"، ولم يقدم المزيد من التعليقات، حسبما أشارت "رويترز."
إجراءات لبنانية رسمية أمام مجلس الأمن الدولي
من جهته، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نحيب ميقاتي: إن الحكومة اللبنانية ستتخذ الإجراءات كافة لضم التقريرين إلى الشكوى المقدمة أمام مجلس الأمن الدولي ومتابعتها. وقد تواصلت في هذا الإطار مع وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب لإجراء المقتضى.
وعلّق على التقارير الحقوقية والإعلامية قائلاً: " إن الإجرام الإسرائيلي لا حدود له، وهذا ما نشهده في غزة وجنوب لبنان، كما أن استهداف المؤسسات الإعلامية يهدف إلى إسكات كل صوت يفضح العدوان الإسرائيلي".
وأشار ميقاتي، إلى مباشرة وزير الاعلام زياد المكاري بالإجراءات العملية لتقديم الشكاوى المطلوبة لدى المراجع الدولية المختصة، وهو أيضا في صدد مراسلة سفراء الدول الكبرى العاملة في لبنان للطلب منها اتخاذ الموقف المناسب من التقريرين، حسبما أضاف.