رفعت محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية عصر اليوم الخميس 11 كانون الثاني/ يناير أولى جلساتها المخصصة للاستماع إلى الدعوة التي قدمتها جمهورية جنوب افريقيا، ضد كيان الاحتلال "الإسرائيلي" بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.
وخلال مجريات جلسة الاستماع الأولى، تجمّع مئات المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في هولندا، أمام مقر المحكمة في لاهاي، رافعين الأعلام الفلسطينية، ويافطات بأسماء ضحايا حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة الذين تجاوزوا 23 ألف شهيد فضلاً عن آلاف المصابين والمفقودين ومئات آلاف المشردين.
وقدّم ووزير العدل الجنوب افريقي "رونالد لامولا"، والفريق القانوني المؤلف 6 مستشارين قانونيين، من ضمنهم محامية الادعاء عن جنوب افريقيا عديلة هاشم، مرافعة جنوب افريقيا التي ركزت على نوايا "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية، تعكسها الأفعال التي استعرضها الادعاء أمام القضاة.
وطالب الفريق القانوني لجنوب افريقيا من المحكمة، أن تأمر "إسرائيل" بتعليق عملياتها العسكرية في غزة، وحذرت من أنّ عدم فعل ذلك، سيؤدي إلى فقدان الثقة بالقانون الدولي وقدرته على حماية الشعوب، واعتبر أنّ مبادئ المحكمة تشير إلى عدة شروط لاتخاذ تدابير مؤقتة ضد "إسرائيل" وكلها متوفرة.
معاناة الفلسطينيين قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر
وأكد وزير العدل "لامولا" في كلمة استهل فيها المرافعة الجنوب افريقية، أنّ "رد إسرائيل على هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قد تجاوز الحدود وينتهك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".
وقال "لامولا" في كلمته: "لقد عانى الفلسطينيون من القمع والعنف المنهجيين على مدى السنوات الـ 76 الماضية، وفي 6 أكتوبر 2023 قبل عملية حماس، وبعد ذلك في كل يوم منذ 7 أكتوبر".
وأضاف "لامولا" أنّ "إسرائيل" منذ العام 2005، واصلت ممارسة سيطرتها على المجال الجوي والمياه الإقليمية والمعابر البرية والمياه والكهرباء والبنية التحتية المدنية وغيرها من المهام الحكومية الرئيسية في قطاع غزة، وبالنظر إلى استمرار سيطرة "إسرائيل" الفعلية على الأراضي، فإن المجتمع الدولي لا يزال يعتبر غزة تحت الاحتلال العسكري من قبل "إسرائيل".
"إسرائيل" تقتل لتدمير حياة الفلسطينيين عمداً
محامية الادعاء عن جنوب أفريقيا عديلة هاشم، استعرضت أفعال الاحتلال "الإسرائيلي" في غزة مؤكدةً أنها أفعال إبادة، ووجهت اتهاماً لكيان الاحتلال بارتكاب أعمال إبادة جماعية خلال حربها ضد حركة حماس في غزة.
وخلال الجلسة، عرضت هاشم خارطة لقطاع غزّة، ووصفتها بأنها واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان في العالم وموطنًا لنحو 2.3 مليون فلسطيني، نصفهم تقريبًا من الأطفال، وقالت: إن الفلسطينيين في غزة يقتلون بالأسلحة والقنابل "الإسرائيلية" من الجو والبر والبحر.
ولفتت هاشم، إلى أنّ "إسرائيل" قامت بإسقاط 6000 قنبلة في الأسبوع، وقامت 200 مرة على الأقل بالقاء قنابل تزن 2000 رطل (907 كجم) في مناطق جنوب غزة وهي التي اعتبرتها منطقة آمنة.
وأكدت هاسيم، أنّ "إسرائيل" تخالف المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، عبر ارتكابها القتل الجماعي، والتسبب بالأذى العام، وفرض واقع يهدف إلى تحقيق الدمار، وذلك عبر عدّة اساليب في مقدّمتها إجبار الفلسطينيين على النقل القسري.
واستعرضت هاشم جرائم الاحتلال، وقالت: "لقد تم القضاء على المئات من العائلات متعددة الأجيال دون أن يكون هناك أي ناجين الأمهات والآباء والأطفال والأشقاء والأجداد والعمات وأبناء العمومة، وغالبًا ما يُقتلون جميعًا معاً".
وأضافت، أنّ هذا القتل هو لتدمير حياة الفلسطينيين، ولقد تم ارتكابه عمداً، ولم يسلم أحد، ولا حتى الأطفال حديثي الولادة، ولقد وصفها رؤساء الأمم المتحدة بأنها مقبرة للأطفال.
وأشارت، إلى أنّ "إسرائيل" طلبت من الأطفال والمرضى الخروج من المستشفيات، ودمرت أكثر من 300 ألف وحدة سكنية، ودمرت البنية التحتية بشكل كامل وأنّ الجيش "الإسرائيلي" يحتفل بتدمير المدارس والمؤسسات الفلسطينية، ويدعون إلى بناء مستوطنات على أراضي قطاع غزة.
إبادة على الهواء مباشرة بنوايا معلنة
من جانبه، لفت المحامي الثاني ضمن الفريق القانوني لجنوب افريقيا "تمبيكا نكوكايتوبي" إلى أن جنوب افريقيا ليست وحدها في لفت الانتباه إلى خطاب الإبادة الجماعية "الإسرائيلي" ضد الفلسطينيين في غزة.
وقال "نيكوكايتوبي": إن 15 مقرراً خاصاً للأمم المتحدة و21 عضوا في مجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة حذروا من أن ما يحدث في غزة يعكس إبادة جماعية في طور التكوين.
كما تحظى القضية المرفوعة بدعم كبير وتتسق مع اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وأن 57 دولة عربية وإسلامية تدعم الدعوة الجنوب افريقية ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية، حسبما أكد الفريق القانوني.
وأوضح الفريق القانوني الجنوب افريقي، أنّ "إسرائيل" أعلنت على الملأ نيتها ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة، وأنّ أفعال جيشها ليس بعيداً عن تعليمات المسؤولين العسكريين والسياسيين في "إسرائيل"
وأكّد الفريق أن قادة جيش الاحتلال يصدرون الأوامر ويبررونها لقتل المدنيين، وأشار الفريق إلى أحد الأدلة لديهم، وهو تصريح احتفائي لقائد عسكري "إسرائيلي" بعد تفجير مقر أحد الجامعات في غزّة، حين قال: "جرى تفجير مأوى للحيوانات البشرية".
وشدد الفريق القانوني الجنوب افريقي على أنّ ما يجري في غزة أول جريمة إبادة جماعية في التاريخ يبثها مرتكبوها على الهواء، وأنّ هناك مؤججون ومحرضون على ارتكاب الإبادة الجماعية في "إسرائيل" منهم رئيس الحكومة.
وأكدت المرافعة الجنوب افريقية، أنّ صناع القرار في "إسرائيل" طالبوا بقصف شامل وتحدثوا عن استخدام أسلحة نووية، ما يعكس النية بارتكاب إبادة جماعية متوفرة لدى "إسرائيل".
وتابعت المرافعة: هناك من يقول من قادة الجيش "الإسرائيلي" إننا نريد أن ندخل غزة وندمر كل ما هو موجود أمامنا من منازل فوق رؤوس من بداخلها، وتدمير كامل الأحياء بإلقاء القنابل والمتفجرات.
كما لفت الفرق القانوني، إلى ممارسات "إسرائيل" التي تعمد خلق ظروف تحرم الفلسطينيين من المأوى والمياه النظيفة، إضافة إلى قصف لا يتوقف على كل الأماكن التي يذهبون اليها، واستهداف المنازل المأهولة وتسويتها بالأرض وقنص المدنيين.
دحض ادعاء "إسرائيل" الدفاع عن نفسها في غزة
وركزت المرافعة الجنوب افريقية، على دحض ادعاء "إسرائيل" أنها تدافع عن نفسها في قطاع غزة، وأكد أحد أعضاء الفريق القانوني المحامي "فوغان لوي" في مداخلته، أن الأدلة تشير إلى أن "إسرائيل" انتهكت التزاماتها في اتفاقية الإبادة الجماعية في حربها على غزة، ولديها نوايا للاستمرار بذلك، وهي تعتقد أنها لا تفعل أي شيء خاطئ بينما هي تطحن غزة، حسبما عبّر.
ولفت المحامي إلى تأكيد مجلس الأمن الدولي، على أن قطاع غزة مناطق محتلة و"إسرائيل" تحكم قبضتها على مفاصل الحياة هناك وبالتالي فإن الدفاع عن النفس لا ينطبق عليها.
وشدد بناء على الوقائع والمعطيات، أنّ الحكومة والجيش "الإسرائيليين" يعملان بتصميم على تدمير الفلسطينيين في قطاع غزة كجماعة بشرية، وشدد أن تدمير غزة عن بكرة أبيها غير مبرر بأي حال من الأحوال.
وقال: إن "إسرائيل" أعلنت على الملأ نيتها ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة، وأنّ الفلسطينيين يواجهون الموت بسبب القصف المستمر، عدا عن التجويع الذي يعد ضمن الموت البطيء.
ودحض ادعاءات "إسرائيل" بأنها "تقوم كل ما بوسعها للحد من وقوع ضحايا بين المدنيين" وأشار إلى أن هناك قنابل تصل إلى ألفي طن، إضافة إلى أن الأماكن الآمنة التي تحدثت عنها "إسرائيل" واستهداف السكان فيها، تظهر النية لديها بارتكاب الإبادة الجماعية.
ومن المقرر أن تستكمل المحكمة جلسات الاستماع، يوم غد الجمعة، بجلسة ثانية وأخيرة سيقدم خلالها كيان " الاحتلال" ردّه على المرافعة، فيما يتوقّع أنّ تستمر مداولات اتخاذ قرار بأن إجراءات ما، خلال الأسابيع التالية لجلسات الاستماع.
الجدير ذكره، أنّ كيان الاحتلال يخشى أن تنسب محكمة العدل الدولية له تهم الإبادة الجماعية جراء حربه المتواصلة على أهالي قطاع غزة، وشنّ هجوماً على جمهورية جنوب افريقيا بعد رفعها الدعوى القضائية أمام محكمة العدل الدولية.
وهاجم رئيس كيان الاحتلال "اسحاق هرتسوغ" لدى استقباله وزير الخارجية الأميركي "أنتوني بلينكن" أول أمس الثلاثاء، جنوب افريقيا، وادعى أنه "لا يوجد ما هو أكثر وحشية" من الدعوى التي رفعتها جنوب افريقيا وتتهم فيها "إسرائيل" بارتكاب جرائم إبادة جماعية في حربها على قطاع غزة. حسب قوله.
وكانت جامعة الدول العربية، قد أعلنت اليوم الخميس دعمها وتأييدها بشكل كامل الدعوى التي رفعتها جنوب فريقيا ضد "إسرائيل" بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية وخرق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والتي اعتمدت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ ديسمبر عام 1948، وبدأ سريانها في 12 كانون الثاني/ يناير 1951.