"سأنصب خيمة على باب بيتي ولن أرحل، فأرضي وبلدي وعزوتي في مدينة غزة، زوجي دفن فيها وذكرياتي تحاصرها المدينة"، بهذه الكلمات عبرت النازحة أم إياد مصلح التي تقطن في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة،عن رفضها سياسية التهجير القسري التي طالت سكان شمال قطاع غزة، رغم أنها ذاقت مرارة الفقد فزوجها استشهد رابع أيام العدوان على قطاع غزة ، إضافة إلى أن منزلها هدم بالكامل في ذات اللية، لكنها أبت أن تغادر إلى جنوب قطاع غزة، خوفًا من تهجيرهم إلى خارج فلسطين.
تقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين :"علمت باستشهاد زوجي بعد مرور 12 يومًا على وفاته، وكان الخبر كالصاعقة ، فحتى هذه اللحظة لا أصدق أنه تركني ورحل".
النازحة مصلح أصيبت إصابة بالغة في وجهها وأخرى بالقرب من القلب وكانت تتلقى العلاج في مستشفى الشفاء الطبي ، حتى طُلب من جميع النازحين أن يخلوا المستشفى تمهيدًا لاقتحامه، نزحت بعدها إلى مدرسة الدحيان القريبة من حي الشيخ رضوان وبعد مرور شهر، اقتحم جنود الاحتلال "الإسرائيلي" المدرسة .
من أصعب أيام الحرب حين اقتحم جنود الاحتلال المدرسة التي أوينا إليها
توصف النازحة ساعات الاقتحام:بأنه كان أصعب يوم في الحرب عندما اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مدرستنا وحاصرنا فيها، فالرعب والخوف سيطر على قلوبنا، مضيفة أن الجنود قصفوا سور المدرسة واضطر النازحون أن يناموا في الممرات لمدة يومين على التوالي دون مأكل أو مشرب.
تضيف: دخلت المدرسة آلياتٌ عسكرية وطلب جنود الاحتلال من الرجال أن يخلعوا ملابسهم وأخذوهم إلى جامع التقوى، وطلبوا من النساء الخروج مع حقيبة يد وحرام وتعرضن للتفتيش، وبعد ذلك علمن أنهم سيحرقوا المدرسة.
بنبرة يملؤها الحزن تقول مصلح :"كان المشهد خارج المدرسة مرعب للغاية من شدة الخوف كنا بالكاد نستطيع أن نمشي على أقدامنا آليات عسكرية في كل مكان وجنود الاحتلال منتشرة تحاصرنا بشدة، ولا نعلم مصير الشباب الذين كانوا في المدرسة إلى أين ذهبوا وماذا حدث لهم هل ما زالوا على قيد الحياة أم استشهدوا ".
في يوم الاقتحام اعتقلت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" عدداً من الشباب النازحين من بينهم ابنها طلال البالغ من العمر 19عامًا، تقول مصلح والدموع تذرف من عينيها: "أخدوا ابني ولا أعلم أين هو، هل هو على قيد الحياة أم لا، ابني مدني صغير بالعمر، ماذا يريدون؟ ألم يكفيهم أن والده استشهد، أتمنى أن أعرف شيئاً عن مصيره، أتمنى رؤيته، أناشد الصليب الأحمر الدولي وكل المؤسسات أن يعرفوا مكان ابني".
أوضاع النازحين في شمال غزة تبكي الحجر
أبو محمد علوي الذي يقطن في حي التفاح نزح إلى مستشفى الشفاء منذ حوالي 35 يومًا، يقول: إن أوضاع النازحين في شمال قطاع غزة تبكي الحجر، فالشمال يفتقد لكافة مقومات الحياة لا يوجد مأكل أو مياه صالحة للشرب أو للاستعمال اليومي ولا مأوي يصلح للحياة الآدمية يلجؤون إليه ليحتموا من نيران الاحتلال.
يواصل حدثيه بحسرة: "ما أجبرنا على النزوح من بيتنا شدة القذائف التي كانت تستهدف كل مكان في الحي، كانت الأوضاع صعبة للغاية قصف جنوني يستهدف كل شيء الحجر والشجر والحيوان".
يتابع :" لم أكن أريد أن أغادر بيتي لو لا أن الخطر أصبح يطاردنا من كل مكان، خرجنا من البيت تحت هول القذائف نركض بدون وعي تركنا خلفنا كل شيء، لم نستطع أخذ أغطية تُدفئنا من برد الشتاء القارس".
يرى علوي أن إخلاء سكان مدينة غزة وشمالي القطاع إلى الجنوب هدفه تهجير أهالي القطاع، مؤكداً رفضه الهجرة "لا نريد أن نعيد ماضي آبائنا وأجدادنا عندما هجروا في النكبة والنكسة، إضافة إلى أن العدو غدار، العديد من أحبابنا وأصدقائنا تم استهدافهم وهم في طريقهم إلى الجنوب رغم أنهم مدنيون عزل ويدعي الاحتلال أن هناك مناطق آمنة وهذا عار عن الصحة".
يتحدث عن فترة نزوحه إلى مستشفى الشفاء ويقول: "في الأسبوع الثاني من نزوحنا إلى داخل مستشفى الشفاء تم ضرب المستشفى بقذيفة واستشهد على إثرها 28 شخصاُ وكان هناك عدد من الإصابات، وهذا يؤكد أن لا مكاناً آمناً في القطاع".
جيش الاحتلال يرشد المدنيين إلى ممرات آمنة ثم يقتلهم بها
حال النازح علي أبو عبيد يتشابه مع كل أهالي قطاع غزة القاطنين في الشمال يقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين : إن غزة تفتقد للأمان فجميع من يقطن فيها معرض للاستهداف والموت في أي لحظة، مضيفاً أنهم قُصفوا في بيتهم ورفضوا أن يرحلوا منه، رغم تهديدات جيش الاحتلال "الإسرائيلي" المستمرة بأن يتركوا شمال غزة، حتى يتم تهجيرهم قسراً إلى الجنوب.
يضيف: أن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" اتصل به لإخلاء منزله الكائن في منطقة أبو سكندر بالقرب من حي الشيخ رضوان، وفي كل مرة كان يعطيه طريقاً للخروج، ولكن أبو عبيد يؤكد أن هذه الطرق جميعها غير آمنة ومليئة بقناصة الاحتلال، وأنه رأى شهداء تم استهدافهم بالقناصة فيها، معلقاً بأن " هذا دليل على غدر الاحتلال الإسرائيلي وأنه يتعمد استهداف المدنيين ويرشدهم إلى ممرات آمنة ويقتلهم بها".
أبو عبيد اضطر لترك منزله والنزوح إلى مأوى آخر بعدما قصفت شقته التي يقطن فيها بصحبة أخيه ونجيا بأعجوبة، يقول : "كنا نشاهد الأخبار أنا وأخي وفجأة أصبحت القذائف تتناثر حولنا في الشقة، أخذنا نركض بشكل هستيري من الطابق الخامس ولا نعلم كيف نجونا".
يواصل حديثه بحسرة: البيت دمر بالكامل ولا يصلح للسكن الآدمي، لم يعد هناك معالم للمدينة كل من فيها يتم استهدافه دون رحمة، ولا أحد يستطيع التعرف على منزله من هول الدمار.
وفي وقت سابق حذر المكتب الإعلامي من استمرار سياسة التجويع والتعطيش التي تهدد حياة 800 ألف فلسطيني في مدينة غزة وشمالي القطاع، موضحاً أن محافظة شمال غزة تحتاج حالياً إلى 600 شاحنة من المساعدات والمواد الغذائية وذلك بشكل يومي، كما تحتاج محافظة غزة إلى 700 شاحنة يومياً أيضاً.
كما أعلن برنامج الأغذية العالمي أن نحو 577 ألف فلسطيني في غزة، أي ما يعادل ربع السكان، يعانون الآن من الجوع، مشيراً إلى عرقلة الاحتلال "الإسرائيلي" وصول الإمدادات الغذائية إلى غزة وشمالي القطاع.
وفي أحدث تقرير له، قال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه منذ 1 كانون الثاني/ يناير الجاري، لم يصل سوى 21 بالمائة (5 من أصل 24 شاحنة) من المساعدات المقرر تسليمها والتي تحتوي على المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات المنقذة للحياة إلى وجهتها شمال وادي غزة.
وأضاف: يشعر خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة، بالقلق بشكل خاص إزاء الأوضاع في شمال غزة، حيث يواجه السكان نقصًا طويل الأمد في الغذاء وتقييدًا شديدًا في الوصول إلى الموارد الأساسية، مشيراً إلى أنه حتى في جنوبي قطاع غزة يعيش عدد كبير من الأفراد في ملاجئ غير ملائمة أو في مناطق خالية من المرافق الأساسية، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الوحشي.