"لم أكن أتخيل أن تقوم طائرات الاحتلال الإسرائيلي الإف 16 بدك منزلنا بتلك السرعة " هكذا علق النازح أبو رضوان شبات وعلامات الحزن والاستغراب مرسومة على وجهه.

يقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "إن زوجتي أخبرتني الساعة الثانية بعد منتصف الليل بأن الجيش الإسرائيلي بعث رسائل تطالب سكان بلدة بيت حانون بمغادرة البلدة إلى مكان آخر".

كانت تلك الليلة هي الليلة الأولى من ليالي حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، كان شبات يجلس مع عائلته، زوجته وأطفاله الخمسة وسط صالة المنزل، لم يمر سوى خمس دقائق على تلك الرسالة التي قرأتها زوجته له حتى سمع صوت انفجارين عنيفين للغاية وشعر بنفسه يطير إلى مكان بعيد، حسبما يصف.

استيقظ لبجد نفسه في المستشفى الأندونيسي، و كان يتم تجهيزه لإجراء عملية تركيب صفائح بلاتين في رجله، وما إن خرج من غرفة الإنعاش حتى بدأ أقرباؤه بإخباره ما حدث بشكل تدريجي "كانوا يحاولون أن يمتصوا صدمتي" يقول بألم.

18 من أفراد العائلة بينهم والداه وأبناء وإخوة فقدهم في ليلة واحدة

فقد شبات 18 شخصًا من عائلته جميعيهم استشهدوا في تلك الليلة، إضافة إلى أن منزله المكون من أربع شقق، سوي بالأرض، فمنذ اليوم الأول لشنه حرب الإبادة تعمّد جيش الاحتلال "الإسرائيلي" هدم المنازل على رؤوس ساكنيها دون سابق إنذار.

يضيف شبات: إن "أمي وأبي وثلاثة من أبنائي واثنين من إخوتي بالإضافة إلى زوجاتهم وأبنائهم، لم ينجوا من تلك الضربة، والذين نجوا هم أخي وزوجاتنا وابن أخي واثنين من أبنائي".

بعد خمسة أيام من مكوثه في المستشفى أي بعد 5 أيام على بدء الحرب، طُلب منه الخروج مبكراً، نظراً إلى أن المستشفى قد امتلأ بالمصابين وأن هناك من هم أولى منه وحالتهم أشد خطورة، خرج من المستشفى برفقة ابنه إياس إلى إحدى مدارس الإيواء في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمالي قطاع غزة.

زوجته كانت ترقد في ذلك الوقت من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في مستشفى الشفاء لأن حالتها تتطلب إمكانيات أعلى، "من الليلة الأولى للحرب تفرقنا، فكنت أنا وإياس في المستشفى الأندونيسي وزوجتي كانت في مستشفى الشفاء وابنتي رزان مع جدتها وباقي أبنائي شهداء لم أحظى حتى بفرصة توديعهم".

يتابع : "زوجتي تعاني من قطع في الوتر والأعصاب في منطقة الكتف وهي بحاجة إلى السفر من أجل مواصلة علاجها، فهي تعيش على المسكنات"، مضيفاً أنهم تجمعوا بعد نهاية الأسبوع الأول من الحرب داخل أحد مدارس الإيواء وكانت هناك ممرضة قامت بتغيير الجرح له ولابنه وزوجته على مسؤوليتها، وكان في ذلك مخاطرة كبيرة على وضعهم الصحي، خاصة أن زوجته معرضة لخطر بتر يدها في أي لحظة"

نزوح متكرر.. من مدرسة إيواء إلى أخرى

في كل يوم يمر كانت الحرب تزداد شراستها خاصة في مناطق شمالي قطاع غزة، حيث تكررت المجازر "الإسرائيلية" داخل مدارس الإيواء، ما اضطر شبات للنزوح من مدرسة الإيواء في مخيم جباليا إلى مدرسة أخرى في منطقة اليرموك وسط مدينة غزة، وبعدها بأسابيع حاصرت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" تلك المنطقة فهرب قبل إطباق الحصار إلى المدارس الموجودة في منطقة أنصار غرب مدينة غزة.

مرة أخرى، وفي منتصف شهر كانون الثاني/ يناير، توجه أبو رضوان إلى السوق لقضاء حاجياته ليعود ويتفاجأ بأن الدبابات حاصرت المدارس في أنصار، حاول الإسراع إلى المدرسة لإخراج زوجته وأطفاله ولكن قناصة الجيش "الإسرائيلي" أعدموا فلسطينيين اثنين حاولوا الوصول إلى تلك المدارس، فلم يتمكن من الدخول.

اقتحام مدرسة النازحين واعتداء على النساء وكبار السن

اقتحم جيش الاحتلال "الإسرائيلي" المدارس وفتش النازحين، وفصل النساء عن الرجال، وجرّد الرجال من ملابسهم، وأجبروا النساء والأطفال على النزوح قسراً ومشياً على الأقدام إلى مخيم دير البلح.

بعد عدة محاولات استطاع شبات أن يتصل بزوجته يقول : "إنها ليلة من الجحيم، فرغم الإصابة الخطيرة التي تعاني منها زوجتي إلا أن جنود الاحتلال قد أجبروها هي وطفليها على المشي على الأقدام إلى دير البلح عبر طريق البحر، لك أن تتخيل حالة زوجتي المصابة وهي تمشي كل تلك المسافة، ومما زاد الطين بلة أن الأمطار قد هطلت بشدة دون توقف".

أخبرته زوجته أن جنود الاحتلال قد دخلوا بدباباتهم تحت إطلاق نار كثيف، ونشروا كلابهم المدربة في ممرات المدرسة بحثاً عن مسلحين، ثم احتجزوا الرجال وأجبروهم على خلع ملابسهم واقتادوهم إلى أماكن مجهولة رغم عدم وجود أي مقاوم بينهم، بينما فتشت مجندات الاحتلال النساء بدقة شديدة وسرقة ما يمتلكونه من نقودٍ أو مصاغ ذهبي، أي أن النساء والأطفال قد وصلوا إلى دير البلح دون أن يكون معهم شيكل واحد أو حتى غطاء أو فرشات تسترهم من شدة البرد القارس، عدا عن الإهانة الشديدة التي تعرضوا لها من قبل جنود الاحتلال طيلة طريق النزوح إلى دير البلح.

يخبرنا شبات بأن هناك اثنين من أعمامه أعمارهم فوق الـ 75 عاماً أجبروا على خلع ملابسهم وتم إذلالهم دون مراعاة سنهم والأمراض المزمنة التي يعانون منها.

يتابع بحسرة: دخلت حرب الإبادة على قطاع غزة الشهر الرابع، بينما تنتظر زوجته أن تتاح لها الفرصة للسفر خارج القطاع لإجراء عمليتها الجراحية، يقول: "أجلس أنا وحيداً هنا في شمال غزة منتظراً فرج الله بأن تنتهي هذه الحرب وأجتمع بأسرتي مرة أخرى".

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد