تسود في أوساط اللاجئين الفلسطينيين بلبنان حالة من القلق، بعد تعليق عدد من الدول المانحة مساهماتها المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" -وهي مساهمات يصل حجمها إلى أكثر من 750 مليون دولار- وما تبع ذلك من تصريح للمفوض العام للوكالة "فيليب لازاريني" حذر فيه من إمكانية أن توقف "أونروا" خدماتها مع نهاية شهر شباط/ فبراير الجاري، ليس فقط في قطاع غزة، بل في في أقاليم عملها الخمسة.
والحال هذه، إن استمر تعليق التمويل لن تتمكن وكالة "أونروا" في الاستمرار بتقديم المساعدات والخدمات لخمسة ملايين وتسعمائة ألف لاجئ فلسطيني، بينهم 489 ألف و292 لاجئاً فلسطينياً في لبنان، أي ما يعادل 80 % من الفلسطينيين الموجودين في هذا البلد، ناهيك عن الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى لبنان.
تعليق التمويل والتحذيرات وما سبقه من ضغوط مالية على الوكالة مستمرة منذ نحو أربع سنوات مع يثير مخاوف كبيرة لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يعتمد جزء كبير منهم على ما تقدمه الوكالة للاستمرار في تيسيير شؤون حيواتهم
إعلان حرب اقتصادية على اللاجئين
وعدا عن التداعيات السياسية التي قد يسببها توقف وكالة "أونروا" عن العمل، فإن التأثيرات المباشرة لهذا السيناريو سيرخي بظلاله الكارثية على ملايين اللاجئين في سوريا ولبنان، وسينتج عنه إغلاق ٧١٥ مدرسة، وحوالي ١٤٧ مركزاً صحياً تابعاً للوكالة، وسيتوقف 559 ألف تلميذ في مدارس الوكالة عن تلقي الدراسة، ولن يكون هناك مصدر رزق ثابت لما يزيد ٣٠٠ ألف لاجئ فلسطيني يستفيدون
من "شبكة الأمان الاجتماعي" المساعدات الإغاثية، وسيفقد نحو 29 ألف موظف عملهم، بحسب ما أكد مسؤول ملف "الأونروا" في حركة الجهاد الإسلامي جهاد محمد، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
ووصف محمد خطوة الدول المانحة بتعليق تمويلها بالحرب الاقتصادية التي تشنها دول مجتمعة تعتبر "كبرى" على اللاجئين الفلسطينيين، و"تلك الدول هي نفسها التي حيث أغمضت عيونها عن الاستهدافات الصهيونية بحق منشآت الوكالة في قطاع غزة، وقتل جيش الاحتلال لأكثر من 153 موظفاً في الأونروا، في حين اتخذت قراراتها بتعليق تمويل الوكالة بناء على ادعاءات واهية"
وحذر محمد أنه في حال ترك اللاجئين الفلسطينيين يواجهون مصيرهم إذا ما توقفت "أونروا" عن العمل فإن "المنطقة ستكون على صفيح ساخن وسيتهدد أمنها"
ويرى مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان، سمير الشريف، أن قرار تعليق تمويل "أونروا" ليس سوى موقف سياسي بامتياز، يخدم المصلحة "الإسرائيلية"، وهو ليس وليد الساعة، إنما يأتي استكمالاً لمشروع إسرائيلي قديم – جديد، يقوم على محاولات إنهاء عمل الوكالة في إطار السعي الحثيث لتصفية القضية الفلسطينية، وشطب حق العودة.
وأضح لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن خدمات الوكالة في الأساس تراجعت بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة نتيجة "العجز المالي" وأثر ذلك على الخدمات والاستشفاء والتوظيف.
ويشير الشريف إلى أن اللاجئين الفلسطينيين ستصدون لمشروع تصفية وجوة وكالة "أونروا" ، بناء على الشرعية الدولية التي أقرت وجود الوكالة وبقاءها وإلزام الدول بتمويلها حتى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم.
وضع أكثر مأساوية يتخوف منه اللاجئون الفلسطينون في لبنان
"إسرائيل تسعى دائماً إلى استهداف وكالة الأونروا وإلغائها، ما سيكون له انعكاسات سلبية خطيرة علينا، حيث ستدفع المرضى إلى الموت، وإلى إنشاء جيل جاهل، أمام ظروف غير طبيعية نعيشها في لبنان، خاصة في المخيمات" هكذا علق اللاجئ الفلسطيني في مخيم عين الحلوة سامي عبد الوهاب على تعليق المساهمات المالية للوكالة من قبل دول مانحة.
وقال عبد الوهاب لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "التراجع عن أي خدمات في الأونروا سيشكل وضعاً إنسانياً مأساوياً، فنحن نعتمد عليها في الرعاية الصحية، وفي تعليم أولادنا، لذلك نطالب الدول المانحة بإعادة تمويلها والتراجع عن قرارها الذي من شأنه تدمير حياتنا".
الحاج أبو صبحي لاجئ فلسطيني يبغ من العمر 60 عاماً يقول: إن الوكالة تؤمن لي دواء السكري شهرياً، وإن إنهاءها يعتبر كارثة على المرضى، فمعظم اللاجئين يعانون من السكري والضغط، وتعتبر أدويتهم مؤمنة من الوكالة، فإذا ما تم وقف الدعم من أين سيحصلون على الأدوية، وأسعارها خيالية؟"
يوضح أبو صبحي بأنه يعاني من مشاكل صحية أخرى في التنفس ويضظر إلى المكوث في المستشفى بين الحين والآخر، فيما تغطي الوكالة أجور الاستشفاء، وفي حال لم تعد تقدم الوكالة الخدمات الاستشفائية فإنه سيضطر إلى دفع مبلغ ألف دولار على الأقل هو لا يملكها، ويضيف: إذا توقف دعم "أونروا" هذا يعني ترك المرضى يواجهون الموت، "سيبيدون شعباً كاملاً" بحسب تعبيره.
"أونروا" شريان حياة اللاجئين.. ماذا إن انقطع!
كذلك الأمر بالنسبة للاجئة الفلسطينية حنان محمد التي وصفت بأن "وكالة "أونروا" هي شريان حياة مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون في استشفائهم وتعليم أبنائهم عليها، وإذا ما توقفت خدماتها فإن عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين من أصحاب الأمراض المستعصية سيواجهون مصيراً مأساوياً.
تقول محمد: "أنا أعتمد بشكل كامل على الوكالة في تعليم أولادي الثلاثة، ولا أدفع ثمن كتب ولا أقساط، وإذا قطعت الوكالة خدماتها، الأمر سيشكل كارثة علينا، فنحن لا نستطيع دفع ما يقارب ألف دولار كحد أدنى للمدارس الخاصة، ولا يمكننا وضعهم أيضاً في المدارس الحكومية اللبنانية لأنها بحاجة إلى واسطة، وأساساً وضعها غير مستقر ولن تتمكن من استقبل عشرات آلاف الطلاب الفلسطينيين!".
وتتساءل: ماذا سيحدث لأولادنا إذا توقف التعليم؟ فنحن بالكاد نقوم بتأمين لقمة العيش، وهذا يعني أنهم يسعون إلى تجهيل أولادنا، لأن الجميع يعلم بالأوضاع الاقتصادية التي نعاني منها، والأسعار التي فاقت الخيال.
قلق مشابه تحمله أم محمد وهي لاجئة فلسطينية في مخيم الرشيدية جنوب لبنان، تقول لموقعنا: "إن خطوة الدول المانحة أثارت مخاوفي بشكل كبير، أنا أم لأربعة أبناء وجميعهم يدرسون في مدارس تابعة للأونروا وعندما نمرض نلجأ لعيادات الوكالة، كما أحصل من الوكالة على مبلع 50 دولار عن كل ولد كل ثلاثة أشهر أي ما يعادل 200 دولار مجتمعة اعتمد عليها في معيشتي".
وتضيف أم محمد أن جل مخاوفها أن يبقى أبناؤها دون دراسة مع عدم تمكنها من تسجيلهم في مدارس خاصة وكذلك الأمر إذا ما توقفت خدمات الرعاية الصحية حيث لا يمكنها أن تتوجه إلى العيادات الخاصة في ظل ظروفها الاقتصادية الصعبة و"الظروف القاهرة عامة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان".
وعن نفس المخاوف تعبر اللاجئة الفلسطينية في مخيم عين الحلوة فاطمة أسعد، من "عين الحلوة" وتقول: "تملكتني مشاعر الخوف والقلق منذ سماعي بهذا القرار الجائر والظالم بحق شعبي".
توضح أسعد أنها تؤمن أدوية الضغط والسكري التي تحتاجها من وكالة "أونروا" وكذلك أدوية للأعصاب يحتاجها زوجها، بالإضافة إلى أن أولادها يتلقون تعليمهم في مدارس الوكالة، أي أنها في ظل مرض زوجها والانهيار الاقتصادي بلبنان تعتمد في حياتها على وكالة "أونروا".
تضيف: إنه في حال توقف "أونروا" عن العمل فسيكون من الصعب جداً تأمين الأدوية لا سيما أدوية السكري "الأنسولين" التي تعتبر باهظة الثمن بالنسبة لوضعها، أو حتى زيارة الطبيب حيث أصبحت أجور الأطباء تدفع بالدولار.
تصف خطوة الدول المانحة بتعليق التمويل بأنه "اغتيال لمستقبل جيل كامل، ويسعى إلى تدمير وتجهيل وضياع أولادنا، فالأونروا على الأقل تؤمن لهم البعض من حقوقهم الإنسانية وتدعمهم صحياً"، وتتساءل: "ما الذي ينتظرهم دون تعليم؟ فنحن بالكاد نستطيع تأمين مصروفهم!".
حياة مرضى السرطان رهينة سياسات الدول المانحة
يؤكد مسؤول "لجنة مرضى السرطان" في مخيم نهر البارد شمالي لبنان جمال يافاوي، أن الموت البطئ سينتظر مرضى السرطان الفلسطينيين إذا ما توقف عمل وكالة "أونروا" بالفعل.
وأوضح لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن الوكالة تتكفل كحد أدنى بـ 40 % من ثمن من دواء مرض السرطان، والنسبة بازدياد، وقد تدفع في بعض الحالات 75 % من ثمن العلاج.