استعرض رئيس الموظفين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" "بن مجيكودونمي"، الانتهاكات الكبيرة والتحديات الهائلة التي تواجهها الوكالة وموظفيها، في قطاع غزة جراء استهداف الاحتلال "الإسرائيلي" المتواصل للوكالة الأممية، وذلك خلال حفل تكريم أممي للوكالة بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني الذي حلّ أمس الاثنين 19 آب/ أغسطس.
واستهلّ "بن مجيكودونمي" كلمته التي ألقاها في حفل للأمم المتحدة بمدينة جينيف السويسرية، بتوجيه الشكر للأمم المتحدة لتكريمها الوكالة، مشيراً إلى أن هذا التكريم يأتي في وقت عصيب تواجه فيه الوكالة أصعب التحديات منذ إنشائها، خاصة في ظل التصعيد العسكري في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
أرقام تعكس حجم الخسائر
أوضح " بن مجيكودونمي" أن الحرب الأخيرة في غزة أسفرت عن استشهاد أكثر من 40 ألف شخص، لكن المعاناة لم تقتصر على المدنيين فقط، بل طالت العاملين في المجال الإنساني بشكل غير مسبوق، فقد استشهد ما لا يقل عن 289 موظفاً في الحقل الإنساني، بينهم 211 من موظفي الأمم المتحدة، ومنهم 207 من موظفي "أونروا"، ما يجعل هذه الخسارة الأكبر في تاريخ الأمم المتحدة في صراع واحد، حسبما أضاف.
وأشار "مجيكودونمي" إلى أن الاحتلال "الإسرائيلي" لم يكتف باستهداف المدنيين، بل استهدف أيضاً البنية التحتية الإنسانية، حيث دمّر بشكل كلي أو جزئي ما لا يقل عن 190 مبنى تابعاً للوكالة، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 560 شخصاً كانوا يحتمون داخل هذه المباني، كما ارتقى135 طفلاً من أبناء موظفي "أونروا".
ولم تخلُ كلمة "مجيكودونمي" من الإشارة إلى قصص شخصية مؤثرة ومؤلمة لبعض موظفي "أونروا" الذين فقدوا حيواتهم خلال حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة.
وذكر رئيس الموظفين، المعلمة في مدارس الوكالة "وفاء" التي استشهدت مع زوجها وطفليها في مخيم النصيرات، وسهام التي أصيبت بجراح بالغة في هجوم على مخيم البريج، وتوفيت على إثرها لاحقاً.
كما أشار إلى "ابتهال" التي استشهدت مع ابنتها الرضيعة في خان يونس، وسهى التي فقدت زوجها وأطفالها ثم توفيت متأثرة بجراحها في مخيم النصيرات.
وأكد "مجيكودونمي" أنّ هذه القصص، التي لا تعكس سوى جزء بسيط من الواقع، وتجسد حجم المأساة التي يعيشها موظفو "أونروا" والمجتمع الإنساني في غزة.
العاملون في المجال الإنساني في غزة يواجهون تحديات يومية للبقاء على قيد الحياة أثناء تأدية مهامهم
وأوضح رئيس الموظفين، أن لدى وكالة "أونروا" أكثر من 200 قصة مشابهة لموظفين فقدوا حيواتهم أثناء تأدية واجبهم الإنساني.
كما أكد "مجيكودونمي" أن الهجمات على العاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية للأمم المتحدة في قطاع غزة تمثل انتهاكات صارخة للقانون الدولي وقد ترقى إلى جرائم حرب.
وأوضح أن الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية أدانت هذه الهجمات، وطالبت بمحاسبة المسؤولين عنها، مشدداً على أن استمرار هذه الانتهاكات يهدد قدرة المجتمع الإنساني على تقديم المساعدة المطلوبة لمن هم في أمس الحاجة إليها.
وأشار إلى أن العاملين في المجال الإنساني في غزة يواجهون تحديات يومية للبقاء على قيد الحياة أثناء تأدية مهامهم، موضحاً أنّه في مناطق مثل رفح وكرم أبو سالم، يدخل العاملون في مجال الإغاثة في صراع نشط بمجرد دخولهم إلى غزة، حيث يعانون من ظروف إنسانية بالغة الصعوبة.
وفي 18% من مساحة غزة التي لم تُخلَ من السكان، يعيش الناس في ازدحام شديد، حيث تصبح الرحلات القصيرة إلى مصادر المياه أو الطعام رحلات محفوفة بالمخاطر.
وقدم "مجيكودونمي" صورة حية للواقع الذي يعيشه موظفو "أونروا" وسكان قطاع غزة، في معظم أنحاء القطاع، حيث تحولت مدارس "أونروا" إلى ملاجئ مكتظة بالنازحين الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة في ظل ظروف بائسة.
موظفو (أونروا) يشعرون بغضب نتيجة الشعور بالخيانة من قبل المجتمع الدولي
فيما يواجه الناس خطر الموت ليس فقط من القصف المستمر، بل أيضاً من الظروف الصحية المتدهورة، مشيراً إلى انتشار شلل الأطفال نتيجة الصرف الصحي المفتوح، ووفاة الأطفال بسبب عدم كفاية الرعاية الطبية، في وقت توجد فيه مستشفيات ذات مستوى عالمي على مقربة منهم ولكنها غير قادرة على تقديم المساعدة.
ونقل "مجيكودونمي" رسائل مؤثرة من موظفي "أونروا" في غزة، حيث أكدوا أنهم يعملون بقلوب مليئة بالخوف على سلامة عائلاتهم، وأوضح أن هؤلاء الموظفين، رغم المخاطر الهائلة، يواصلون تقديم الخدمات الأساسية للمجتمع.
وقال: "إنهم يشعرون بغضب من المجتمع الدولي الذي لم يتمكن من وقف هذا الدمار، ولكنهم يواصلون عملهم بإصرار وعزيمة"، وأضاف "مجيكودونمي" أن هذا الغضب يأتي نتيجة الشعور بالخيانة من قبل المجتمع الدولي، الذي لم ينجح في حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني من الهجمات.
وأكد "مجيكودونمي" أن العاملين في "أونروا" لم يتخلوا عن واجبهم، ففي أحد الأيام من شهر فبراير/شباط، تمكنت الوكالة من إجراء أكثر من 20,000 زيارة طبية في عياداتها القليلة المتبقية، رغم القصف المستمر.
وأشار إلى أن إحدى العيادات في مخيم النصيرات تحولت بشكل مفاجئ من تقديم الرعاية الصحية الأولية إلى وحدة للعناية المركزة، حيث أجرى الأطباء جراحات ارتجالية لأكثر من 150 مصابًا في غضون ساعات قليلة.
كما تحدث عن حملة صحية عامة نجح المجتمع الإنساني في تصميمها لمواجهة تفشي شلل الأطفال، مؤكداً أن هذه الجهود تعكس التزام العاملين في المجال الإنساني بمساعدة السكان، رغم المخاطر الهائلة.
ونقل "مجيكودونمي" رسالة من زميلته "ميراندا"، مديرة فريق كبير في "أونروا" بغزة، التي قالت فيها لزملائها: "نحن أقوياء. إننا ندافع عن منظمتنا التي هي عائلتنا، وسنمتص غضب مجتمعنا، نحن هنا. ولن نترك نازحينا. ولن نترك أحدًا خلفنا، حتى وإن كنا نقف بمفردنا".
ودعا " مجيكودونمي" في كلمته إلى تكريم العاملين في المجال الإنساني، ليس فقط في غزة ولكن في جميع أنحاء العالم. وأكد أن هؤلاء الأفراد يمثلون الأمل للناس في أحلك الظروف، ويواصلون عملهم رغم المخاطر التي تهدد حياتهم يومياً.
وعبّر بأنه اليوم العالمي للعمل الإنساني في 2024، بينما "أونروا" والمجتمع الإنساني في قطاع غزة ليسوا وحدهم في معركتهم من أجل العدالة والكرامة الإنسانية. ووجه تحية لكل من فقدوا حيواتهم وهم يؤدون واجبهم الإنساني، مؤكدًا على أهمية المحاسبة وضمان حماية العاملين في المجال الإنساني في كل مكان