نجح الفلسطينيون في الداخل الفلسطيني المحتل بتنظيم حملة إغاثة لأهالي قطاع غزّة في ظل حرب الإبادة "الإسرائيلية" وسياسة التجويع، تحت شعار "نقف معاً"، حيث انطلقت الحملة في 4 آب/أغسطس من مدينة سخنين، وشهدت تجاوباً كبيراً من الأهالي، في حملة هي الأولى من نوعها التي يجريها أهالي الداخل المحتل عام 1948، منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، رغم سياسة الترهيب والقمع الأمني التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين داخل "الخط الأخضر" وتهديدات ما يسمى بوزير أمن الاحتلال "إيتمار بن غفير".
الحملة التي استمرت على مدار ثلاثة أسابيع، تنقلت بين مختلف المدن الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948، فبعد سخنين، انتقلت الحملة إلى مدينة دير الأسد، ومن ثم إلى الناصرة، وفي الأسبوع التالي، واصلت الحملة نشاطها في مدينتي أم الفحم والطيرة، وصولًا إلى باقة الغربية، واختتمت فعاليات الحملة في الأسبوع الأخير بمدينتي رهط وحورة في النقب جنوبي فلسطين المحتلة، ولاقت نجاحاً كبيرا في كافة المدن.
وفي تصريح لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أكد الناشط حسين العبرة، أحد المشاركين في الحملة بمدينة رهط، أن الحملة تمكنت من جمع 400 شاحنة من المساعدات، وما زال الأهالي يواصلون تقديم التبرعات، رغم انتهاء الحملة وامتلاء المخازن.
وأضاف العبرة أن الحملة شهدت تجاوباً كبيراً من قبل جميع فئات المجتمع، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن، مشيراً إلى أن البعض قام ببيع مقتنياته الخاصة لشراء مواد إغاثية.
وكانت الشاحنات تتوقف في أماكن معلنة مسبقاً، مع تحديد ساعات محددة لاستقبال المساعدات التي كانت تركز على المواد الغذائية والتموينية، مثل المعلبات (غير البلاستيكية)، الطحين، السكر، والملح. كما تم إبلاغ الأهالي بأن قائمة المساعدات قد تتوسع في حال تمت الموافقة على إضافة مواد أخرى.
وأعلن منظمو الحملة عن قائمة بأسماء المندوبين والمواقع المخصصة للتبرعات في كل بلدة، ودعوا الناس للانضمام إلى مجموعة على تطبيق واتساب لتلقي التحديثات والمعلومات حول المحطات الجديدة التي قد تتم إضافتها.
الناشط حسين العبرة أوضح كذلك لموقعنا بعض تفاصيل الحملة مشيرا إلى أن، جمعية "نقف معًا"، التي تضم عرباً ويهوداً من اليسار، نظمت الحملة، وتحملت مسؤولياتها، لافتاً إلى أنّ الجمعية يترأسها يهودي يساري إلى جانب امرأة عربية من شفا عمرو، ولطالما عملت الجمعية على تقديم المساعدات وتنظيم الاحتجاجات ضد الحرب وغيرها من القضايا، حيث نعمل دائماً معاً، عرباً ويهوداً، حسبما أضاف.
وتابع الناشط العبرة، أنّ رئيس الجمعية، قرر إطلاق حملة تبرعات بدأت في الناصرة، وجرى تخصيص لكل بلدة يوماً للعمل، وأضاف: بدأنا بالناصرة حيث حققت الحملة نجاحاً كبيراً، ثم انتقلنا إلى أم الفحم، وحققت الحملة هناك أيضاً نجاحاً، وبعدها إلى الطيرة حيث تكللت الحملة بالنجاح. وفي الثامن من الشهر الجاري، اتخذ قراراً بأن تكون الحملة في رهط، وفي الثامن عشر من الشهر، بدأنا العمل حتى نجحنا في جمع 400 شاحنة.
ويقوم نشطاء الحملة، بجمع وتصنيف التبرعات ووضعها في صناديق داخل المخازن، حيث ستتولى الجمعية الإجراءات اللازمة لإيصالها إلى قطاع غزّة وتوزيعها، حيث يتم إعلان السير بالإجراءات اللازمة من قبل المنظمين.
ووصف الناشط العبرة الحملة، بأنها كانت مذهلة بشكل لا يصدق، حتى إن ما يسمى بوزير الأمن "الإسرائيلي" بن غفير كتب تعليقاً يطالب فيه بسحب الجنسية ممن شاركوا في جمع التبرعات لغزة في رهط. فيما ردّ عليه الناشط العبرة: "نحن جزء لا يتجزأ من هذا الشعب، وعندما نجمع التبرعات لشعب جائع، لا يهمنا حماس ولا أنت، المهم هو شعبنا".
من جهته، منسق حملة "نقف معاً" لإغاثة غزة في مدينة الناصرة، سهيل دياب، قال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، بأن هاتفه لم يتوقف عن استقبال مئات المكالمات الهاتفية من الفلسطينيين الراغبين في المشاركة بالحملة الشعبية التي أطلقتها حركة "نقف معاً" رفضاً لسياسة التجويع المفروضة على أهلنا في غزة.
كانت الحملة متنفساً ضد سياسة الإسكات والملاحقات الممنهجة التي يتعرض لها الناشطون الفلسطينيون في الجليل والمثلثين والنقب والساحل
وقال دياب إن الأسئلة المطروحة كانت تفوق الأجوبة، من بينها استفسارات حول موعد وصول الحملة إلى كفر مندا وطمرة، وتحديات جمع التبرعات بين المدن، وكيفية إرسال المواد الغذائية أو تقديم الأموال، بالإضافة إلى مخاوف حول مصير الشاحنات والمواد الغذائية في حال تعرضها لهجوم من المستوطنين، مؤكدا أن أكثر الأسئلة تكراراً كان حول مدى إمكانية وصول هذه المساعدات إلى أهالي قطاع غزة.
وتمكنت الحملة حتى الآن من جمع أكثر من ألف طن من المواد الغذائية التي سُمح بإدخالها عبر المنظمات الدولية. وقد شهدت الحملة تجاوبًا كبيرًا وغير مسبوق، حيث كانت هذه الحملة الشعبية لكسر سياسة التجويع ضد أهلنا في غزة أكبر تحرك سياسي وثقافي للجماهير الفلسطينية منذ بدء العدوان. وشملت الحملة أكثر من عشرة مراكز تجميع من الجليل إلى النقب، ووصل إلى هذه النقاط عشرات الآلاف من المتبرعين، ومئات من الشباب والشابات المتطوعين.
وشهد الأسبوع الأخير حالة من الاستنفار داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل، حيث تميزت بمزيج من الغضب والرغبة الشديدة في المشاركة والتعبير عن التضامن مع أهل غزة، كما كانت متنفساً ضد سياسة الإسكات والملاحقات الممنهجة التي يتعرض لها الناشطون الفلسطينيون في الجليل والمثلثين والنقب والساحل.
تصريحات بن غفير ضد الحملة زادت من عزيمة الناس وجعلتهم يضاعفون من التبرعات ويفتحون مراكز تجميع جديدة
وأوضح دياب أن فكرة الحملة جاءت نتيجة الحاجة الماسة لعدة دوافع، منها الوضع الإنساني المتدهور في غزة، والحاجة إلى التعبير عن الغضب تجاه سياسة التجويع التي تتبعها المؤسسة "الإسرائيلية"، وكذلك كنوع من الاحتجاج ضد سياسة الإسكات والملاحقات لكل من يرفع صوته ضد العدوان وحرب الإبادة. كما أكد أن هذه الحملة تمثل أملًا للجهات التقدمية والديمقراطية في المجتمع "الإسرائيلي" في اتجاه وقف الحرب وتحقيق السلام والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
وأشار دياب إلى أن نجاح الحملة انعكس في التصريحات المتطرفة والفاشية لوزير الأمن القومي "الإسرائيلي" إيتمار بن غفير، الذي دعا إلى سحب الجنسية من كل من يدعم غزة. وقال إن هذه التصريحات زادت عزيمة الناس، وجعلتهم يضاعفون من التبرعات، ويفتحون مراكز تجميع جديدة.
واختتم دياب تصريحه بالقول إن المشروع يتجاوز كونه إغاثة إنسانية أو نشاطًا اجتماعياً تطوعياً، فهو رسالة سياسية للفلسطينيين في الداخل مفادها أنهم جزء حي من هذا الشعب الصامد، ويقفون مع أنفسهم دون انتظار دعم خارجي، مؤكداً أن الفلسطينيين لا يمكن أن يعتمدوا إلا على أنفسهم في مثل هذه الظروف.