دعت منظمة العفو الدولية إلى إجراء تحقيق دولي بشأن جرائم الحرب "الإسرائيلية" في قطاع غزّة، وذلك في تحقيق موسع نشرته المنظمة، يتضمّن توثيقاً لجرائم الاحتلال، ويُبرز التقرير عمليات التدمير الواسع التي قام بها الجيش "الإسرائيلي" على طول الحدود الشرقية لغزة، والتي تشمل التدمير غير المبرر والعقاب الجماعي، حسبما وثّقت المنظمة.
وقالت منظمة العفو الدولية "أمنستي" في تحقيقها، إن الجيش "الإسرائيلي" استخدم الجرافات والمتفجرات في تدمير الأراضي الزراعية والمباني المدنية، وهدّم أحياءً كاملة بما فيها من منازل ومدارس ومساجد.
وبيّن التحقيق، أن مساحة "المنطقة العازلة" التي جرفها الاحتلال تقدر بحوالي 58 كيلومترا مربعا، وهو ما يمثل نحو 16% من مساحة القطاع، وقد دُمرت أكثر من 90% من المباني في هذه المنطقة، أو لحقت بها أضرار جسيمة، إضافة إلى تضرر جودة المحاصيل الزراعية بشكل كبير.
التحقيق الذي أجرته المنظمة، حللت فيه صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو التي نشرها الجنود "الإسرائيليون" على وسائل التواصل الاجتماعي بين أكتوبر 2023 ومايو 2024.
وأظهرت المواد التي نشرها الجنود، وتباهوا فيها عبر منصات التواصل الاجتماعي، الدمار الهائل، حيث كان الجنود يحتفلون بعمليات التدمير التي تقوم بها القوات، مما يعكس درجة التدمير المتعمد، فيما أظهرت بعض الفيديوهات، الجنود وهم يرفعون الأنخاب، بينما يقوم جيش الاحتلال بتدمير المباني خلفهم.
كبيرة مديري البحوث والأنشطة في منظمة العفو الدولية، إريكا جيفارا روساس، أوضحت قائلةً: "الدمار المستمر الذي يشنه الجيش الإسرائيلي في غزة يُعتبر جريمة تدمير غير مبرر. أبحاثنا تظهر إزالة المباني السكنية بالكامل وإجبار آلاف العائلات على الرحيل".
وأضافت: "التحليل الذي أجريناه يوضح نمطاً من التدمير الممنهج الذي لم يكن نتيجة قتال عنيف، بل ناتج عن تعمد الجيش الإسرائيلي تدمير الأراضي بالكامل بعد السيطرة عليها".
ولفتت المنظمة، أنّ الجيش "الإسرائيلي" يبرر هذه الأفعال باعتبارها رداً على الهجمات التي شنتها حركة حماس والجماعات المسلحة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، حيث تذرع الجيش أنّ الهدف هو تدمير الأنفاق والمنشآت التي يستخدمها "الإرهابيون."
إلا أنّ منظمة العفو الدولية أكدت في تحقيقها، أنّ السلطات "الإسرائيلية" لم تقدم أي دليل على ضرورة هذه العمليات، أو على أنها تقتصر على الأهداف العسكرية.
"التدمير لم يكن مبرراً بأي ضرورة عسكرية حتمية، بل كان يشمل تهجيرًا جماعيًا للعائلات وتدميرًا للبنية التحتية المدنية"
وأشارت "أمنستي" إلى أنها في 2 تموز/ يوليو 2024، أرسلت منظمة العفو الدولية أسئلة إلى السلطات "الإسرائيلية" حول عمليات الهدم، ولكنها لم تتلق أي رد حتى وقت نشر التقرير.
وأكدت في تحقيقها، أن التدمير لم يكن مبرراً بأي ضرورة عسكرية حتمية، بل كان يشمل تهجيرًا جماعياً للعائلات وتدميراً للبنية التحتية المدنية، وقد شمل التدمير مناطق مثل خزاعة، حيث دُمر حوالي 850 منشأة بين نوفمبر 2023 ويناير 2024.
ونقلت المنظمة في تحقيقها عن أحمد أبو سعيد (32 عاماً) وهو مزارع من خزاعة: لقد تضررت أراضينا الزراعية بشدة بسبب الهجمات. منذ نوفمبر 2023، تم تدمير معظم المحاصيل التي كنت أعتمد عليها في رزقي. لم نعد قادرين على الزراعة، والمساعدات الإنسانية غير كافية لتلبية احتياجاتنا. فقدت كل ما بنيته بعرق جبيني، وأعاني من صعوبة في تأمين الطعام لعائلتي".
وبين تحقيق المنظمة، أنّه وفقاً للصور والمقاطع المتاحة، كان التدمير يشمل أيضاً مبانٍ سكنية، مدارس، ومساجد، ويظهر أن التدمير كان يتم بطرق تهدف إلى التأثير النفسي على السكان.
كما تعرضت أحياء مثل الشجاعية في مدينة غزة لتدمير مماثل، حيث دُمّر أكثر من 750 مبنى بين نوفمبر 2023 ويناير 2024، وهي مناطق لم تكن تحتوي على أهداف عسكرية واضحة، ما يجعل تدميرها غير مبرر.
ونقلت "أمنستي" عن فاطمة العلي (45 عاماً) من سكان حي الشجاعية: قولها إنّه "في منتصف ديسمبر، بدأت الطائرات الإسرائيلية بقصف حيّنا بشكل مكثف. في إحدى الليالي، دُمرت منزلي بشكل كامل. كنت في الداخل مع أولادي عندما انهار السقف فوقنا. نجوت بأعجوبة، لكننا فقدنا كل شيء. لم أعد أملك سوى الذكريات المدمرة، وأبني الصغير يعاني من صدمة نفسية".
وفي محافظة الوسطى، تضررت المنطقة المحيطة بمخيمات البريج والمغازي بشكل كامل، وقد بلغ عدد المباني المتضررة أو المدمرة أكثر من 1,200 مبنى. وتظهر صور الأقمار الصناعية أن التدمير امتد إلى مسافة تصل إلى 1.8 كيلومتر داخل القطاع.
وقالت سارة محمد (28 عامًا) وهي معلمة من مخيم البريج: مدرستنا دُمرت بالكامل، وهذا يعني أن أكثر من 600 طفل فقدوا مكانهم للتعلم. لا يمكنني وصف الحزن الذي شعرت به عندما رأيت المباني المدمرة. الأطفال لم يعودوا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة، وهذا يؤثر على مستقبلهم. نحن الآن نحاول توفير التعليم في أماكن بديلة، لكن الوضع صعب للغاية.
وأشار التحقيق أيضاً إلى أن التدمير في القرى الجنوبية مثل السريج وعبسان الكبيرة لم يكن مبرراً، حيث لم تُقدم أي أدلة على استخدام هذه المناطق لأغراض عسكرية.
منظمة العفو الدولية: القانون الدولي الإنساني يؤكد عدم جواز تدمير الممتلكات المدنية
وأكدت منظمة العفو الدولية، أنّ القانون الدولي الإنساني يؤكد عدم جواز تدمير الممتلكات المدنية إلا إذا كان ذلك ضرورياً بشكل حتمي للأغراض العسكرية.
ويمثل التدمير الواسع النطاق للمباني والأراضي الزراعية بشكل غير مبرر انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، ويجب التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب، حسبما أكدت منظمة العفو الدولية في تحقيقها الموسع.