لا تعدم ألمانيا أية وسيلة للتضيق على العمل الفلسطيني، فبعد منع وفض العديد من التظاهرات الرافضة لحرب الإبادة على قطاع غزة، لجأت إلى مداهمة منازل الناشطين والمتضامنين مع القضية الفلسطينية. وشنت الشرطة الألمانية عدة حملات اقتحام لبيوت الناشطين والمتضامنين، كان آخرها في 30 أيلول/ سبتمبر، حيث طالت بيوت 4 ناشطين، ما أثار تساؤلات حول ارتباطها بمرور عام على حرب الإبادة، وحلول ذكرى عملية 7 أكتوبر.
من بين المستهدفين في المداهمات الأخيرة، محمد المقدسي، شاب فلسطيني وُلد في القدس المحتلة، وعاش في حيفا، قبل أن ينتقل إلى ألمانيا عام 2019 هرباً من قمع الاحتلال "الإسرائيلي"، حيث اختار ألمانيا لأنها تدّعي حماية حقوق الإنسان والديمقراطية، وواصل فيها دراسة التمريض.
وفي حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أوضح المقدسي أنه كان يعمل في المشفى خلال فترة الليل، وعند عودته في الصباح وجد أن قفل بابه قد تم تغييره. بعد تواصله مع الشرطة، أبلغوه أن لديهم المفتاح، الذي حصل عليه من المخفر دون تقديم أي تبرير لاقتحام منزله.
وأضاف المقدسي: "عند دخولي المنزل، وجدت ورقة من الشرطة تفيد بأنني في نيسان/أبريل الماضي نشرت مقطعاً مصوراً على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه أشخاص يرددون شعار فلسطين حرة من النهر إلى البحر. واعتبرت السلطات أن هذا الشعار مرتبط بحركة حماس، رغم أنه كان موجوداً قبل ظهور الحركة".
وأشار إلى أن السلطات صادرت جهاز الحاسوب المحمول وهاتفه، دون علمه بما تم خلال فترة المداهمة التي جرت في السابعة صباحاً، مما يثير لديه الشكوك حول ما قد يكونوا فعلوه في منزله.
وأوضح الشاب الفلسطيني أن سبب المداهمات يعود إلى محاولة ترهيب الناشطين والمتضامنين مع القضية الفلسطينية، خاصة مع حلول الذكرى السنوية الأولى لعملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وأضاف أنه من خلال التواصل مع من تعرّضوا للمداهمات، منعت الشرطة أحدهم من المشاركة في أي تظاهرات مؤيدة لفلسطين خلال الفترة من 5 إلى 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وقدموا له قائمة بالتظاهرات المحظورة عليه.
ولفت الشاب المقدسي أنه منذ عام بدأت ألمانيا، تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، ففي شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، قمعت الشرطة وقفة شموع، ومنعت المحتجين من الحزن على الضحايا المدنيين بغزة، ما يمثل محاولة لكتم الأصوات الفلسطينية، إضافة إلى اتهامها بمعاداة السامية، مع أن الفلسطينيين ساميين.
وأشار إلى أن ألمانيا تعمل على تجريم الفلسطينيين، حيث ارتدى بإحدى التظاهرات، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر، كنزة عليها خريطة فلسطين بألوان العلم، مصحوبة بعبارة "نكون أو لا نكون"، فادعوا أنني أحذف "إسرائيل" من الخريطة، وعملت الشرطة على تحويلي إلى المحكمة، ليرفض القاضي في نيسان/ أبريل العام الماضي تهمة الشرطة.
ولفت محمد إلى أن أحد عناصر الشرطة حاول في إحدى المرات مصادرة هاتفه، إلا أنه كان حازماً بحديثه مع الشرطي بأن هذا ليس من حقه، وأنه بحاجة إلى أمر من الشرطة أو القضاء ليعطيه هاتفه.
كما ذكر المقدسي أن أحد الأشخاص حاول نزع الكوفية التي يرتديها، وعند الذهاب إلى الشرطة رفضت الأخيرة تسجيل الشكوى، بحجة أنه يمكنه تسجيل الشكوى من خلال شبكة "الإنترنت"، إلا أنه أصر على ذلك، لترضخ له بالنهاية.
وكانت الشرطة الألمانية نشرت تغريدة على منصة "إكس" أن هناك اشتباها في أن 5 رجال ارتكبوا "جرائم ذات دوافع مؤيدة للفلسطينيين"، دون أن توضح ما المقصود في هذا المصطلح، وضمن أي قانون يندرج ذلك.
اقتحام لمنزل الناشط صلاح سعيد
صلاح سعيد، ناشط فلسطيني من أبوين عاشا في مخيم تل الزعتر قبل المجزرة، وانتقلا بعد ذلك إلى أحد مخيمات لبنان، وبعد انتهاء الحرب الأهلية، استقر والداه في ألمانيا، حيث وُلد وترعرع ودرس العلوم السياسية وعلم الاجتماع.
وتعرض الناشط الفلسطيني، لاقتحام منزله من قبل شرطة برلين ضمن حملة المداهمات التي وقعت بالـ 22 آذار/ مارس عند الساعة 6 صباحاً، حيث فتش ثمانية عناصر من الشرطة المنزل، وفقاً له.
وقال لموقعنا: "جرى اقتحام البيت وتفتيشه وصودر هاتفي، وأنا في حالة من الصدمة، لقد عاملوني كأنني مجرم، إنهم يعلمون أنني لم أفعل أي شيء غير قانوني".
وأضاف: "في الأيام التي سبقت مؤتمر فلسطين في برلين بين 12 و14 أبريل/ نيسان الماضي، بحثت الشرطة الألمانية عن المحتجين المناهضين للحرب، واقتحمت منازلهم على خلفيته، حيث أصبح الضغط أكثر بعد المؤتمر".
وكانت الشرطة الألمانية قد اقتحمت المؤتمر خلال انعقاده، وعطلته، بقطع الكهرباء عنه، بعد بدء كلمة الطبيب غسان أبو ستة الشاهد على مجزرة مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، والتي استشهد فيها نحو 500 فلسطيني.
ويأتي اقتحام شرطة برلين لمنزل سعيد، بعد تحذيره مرتين من قبلهم، في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، وفي شباط/ فبراير من العام الحالي، لتبلغه الشرطة بإنشاء ملف شخصي له، بسبب عمله التضامني مع فلسطين ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب الناشط الفلسطيني.
وأفاد سعيد بأن الشرطة اعتقلته خلال مشاركته في مظاهرة مؤيدة لفلسطين في حي كورفورستن دام في برلين بوقت سابق، حيث أخذت الشرطة حينها بصماته وصوره. ولفت إلى وجود عنصرية ضد الفلسطينيين في ألمانيا، التي ترفض مدارسها أن تذكر كلمة فلسطين، معتبرين أنها غير موجودة، وفي عام 2022 ألغيت فعاليات ذكرى النكبة.
كما أكد أنه قرر التعبير عن صوته بخصوص ما يجري في فلسطين وفضح مجريات الإبادة الجماعية في قطاع غزة، خاصة أن ألمانيا فرضت حظراً كاملاً على التظاهرات، بعد السابع من تشرين الأول/ أوكتوبر، وبدأوا بحظر العلم الفلسطيني وارتداء الكوفية.
وكفلسطيني ترعرع بألمانيا، حيث حرية التعبير عن الرأي والتجمع مكفولة بالقانون، وجد بكل تلك الإجراءات تهدد هويته، فأراد رفع الصوت الفلسطيني، لكنه قوبل بالقمع من الشرطة، بسبب دعم السياسة الخارجية الألمانية للاحتلال "الإسرائيلي"، وعدم إدانة الانتهاكات بحق الفلسطينيين.
وكانت الشرطة الألمانية قد شنت حملة مماثلة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي بعدد من المدن الألمانية قالت إنها تستهدف عناصر من حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) وشبكة "صامدون للدفاع عن الأسرى" المحظورتين في البلاد، وفق بيان للوزارة.
كما سبق أن داهمت الشرطة الألمانية في أيار/ مايو من العام الحالي 3 منازل لأشخاص ادعت أنها تشتبه بانتمائهم إلى منظمة "التضامن مع فلسطين في دويسبورغ" وحركة حماس في مدينة دويسبورغ بولاية شمال الراين – فستفاليا، حيث حظرت الولاية منظمة "التضامن" بذريعة أنها "معادية لإسرائيل".
وفرضت حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، المستمرة منذ أكثر من عام، تحديات كبيرة على المؤسسات الفلسطينية والناشطين في أوروبا، مع تصاعد القمع الذي مارسته عدة دول أوروبية ضد الحراك التضامني مع الشعب الفلسطيني. في إطار السعي لمنع نقل السردية الفلسطينية إلى جمهور أوسع، حيث واجهت هذه الجهود قمع حرية التظاهر، وحظر شعارات مثل "فلسطين حرة من النهر إلى البحر"، إلى جانب تبرير بعض الدول لجرائم الاحتلال ضد المدنيين.
اقرأ/ي أيضاً: فرص وتحديات أمام المؤسسات الفلسطينية في أوروبا نحو فعل سياسي مؤثر