أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عن توسيع عملية التحقق الرقمي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو ما أثار ردود فعل متباينة في الأوساط الفلسطينية بين مؤيد ومعارض، خصوصاً أنه يأتي في وقت حساس يتزامن مع العدوان "الإسرائيلي" المستمر على لبنان منذ أكثر من 40 يوماً، وما يرافقه من أوضاع إنسانية متفاقمة للاجئين الفلسطينيين، وسط قلق متزايد بشأن قرار الكنيست "الإسرائيلي" الأخير الذي يحظر عمل "أونروا" في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة.
في بيان رسمي، أكدت "أونروا" أن هذه العملية تهدف إلى تحسين وصول اللاجئين إلى الخدمات وضمان استمرار استجابة الوكالة لاحتياجاتهم، خاصة بعد نجاح تطبيق العملية على المستفيدين من المساعدات النقدية في وقت سابق، فيما تعددت آراء باحثين ومختصين فلسطينيين، بين من رآها خطوة لتحسين الخدمات، وآخرين أبدوا تحفظات على وبعض الحذر من توقيتها.
تحفظات على التوقيت
وحول الأمر، تحدث علي هويدي، مدير مؤسسة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين، في تصريح خاص لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين قائلاً: "مسألة التحقق الرقمي ليست المشكلة بحد ذاتها، لكن التوقيت والظروف المحيطة يثيران مخاوف كبيرة، ونحن بحاجة إلى تدقيق في الهدف الحقيقي من وراء القرار في ظل هذه الظروف الحساسة."
وأشار هويدي إلى أن عملية التحقق الرقمي قد تكون مفيدة إذا كانت تضمن استمرارية الخدمات دون المساس بحقوق اللاجئين، لكنه حذر من التوقيت الذي يتزامن مع العدوان "الإسرائيلي" المتواصل ومخاوف من محاولات توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، سوريا، أو الأردن.
وأوضح أن ما يزيد القلق هو قرار الكنيست "الإسرائيلي" الأخير، الذي يُظهر سعياً لتقويض دور "أونروا" تدريجياً في المنطقة، مضيفاً: "نحن أمام تحديات خطيرة ترتبط بمصير اللاجئين وحق العودة، وبالتالي، أي خطوة تتعلق بإعادة التحقق أو تحديث البيانات يجب أن تكون شفافة وتحترم هذه الحقوق."
تشجيع من اللجان الشعبية في المخيمات
من جانبه أكد د. سرحان سرحان، مسؤول اللجان الشعبية في لبنان، دعمه الكامل لأي خطوة تتخذها "أونروا" إذا كانت تهدف إلى خدمة اللاجئين الفلسطينيين، وقال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "نحن مع كل خطوة علمية لتنظيم أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، بدلاً من الاعتماد على الأوراق، نشجع هذه الخطوة، وندعو اللاجئين في لبنان إلى المبادرة بالتسجيل وفقاً للآلية التي وضعتها الوكالة."
وأضاف سرحان: "على كل فلسطيني تسجيل نفسه وأفراد عائلته بالكامل، حتى لا تعتمد أونروا على عدد محدود من المسجلين، مثل 100 ألف فقط، وتعتبره العدد الرسمي للاجئين في لبنان، هذا التسجيل هو حماية لوثائق اللاجئين، فبكبسة زر يمكن الحصول على أي وثيقة مطلوبة."
وأشار إلى أهمية هذه الخطوة قائلاً: "إنها تعتمد على وعي أبناء شعبنا وسرعة استجابتهم، نحن مع المكننة الإدارية التي تسهم في تحسين وضع اللاجئين وتوفير الراحة لهم."
وأوضح سرحان أن لقاءً موسعاً جمع اللجان الشعبية مع مديرة "أونروا" في لبنان "دوروثي كلاوس" واصفاً اللقاء بالإيجابي. وقال: "ناقشنا قضايا عدة تتعلق باللاجئين الفلسطينيين والنازحين وخطة الإيواء، وانتقدنا أداء أونروا خلال فترة إيواء النازحين، حيث لم تقدم سوى مكان الإيواء، واعتمدت على الجمعيات والمؤسسات الإنسانية لتوفير الخدمات."
وأضاف: "طالبنا أونروا بوضع مخيمات صور ضمن أولوياتها، وفتح العيادات، وتوزيع الأدوية للمرضى. كما شددنا على ضرورة تقديم الخدمات للنازحين الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى مخيمات أخرى، فهم أيضاً فلسطينيون ومسجلون ضمن قوائم أونروا."
وأكد سرحان أن مديرة الوكالة وعدت بتوفير شحنة مساعدات قادمة من الأردن، تتضمن مئات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية. وأوضح: "سنتعاون مع أونروا لتوزيع هذه المساعدات على كافة النازحين الفلسطينيين، بما يشمل من بقي داخل المخيمات."
وفيما يتعلق بتوقيت خطوة التحقق الرقمي وظروف الحرب، قال سرحان: التوقيت ليس مهماً، سواء في زمن الحرب أو السلم.،علينا أن نبادر إلى التسجيل، لأن هذه الخطوة تساعد في تنظيم أوضاعنا وتواكب التطور والحضارة."
واختتم حديثه بالتأكيد على أن اللجان الشعبية في لبنان تدعم التطور الإداري الذي يسهم في تحسين حياة اللاجئين، مشدداً على أن التحديات الحالية تتطلب تعاوناً أكبر بين "أونروا" واللاجئين لتجاوز الظروف الصعبة.
مطالبات لـ "أونروا" بترتيب الأولويات
من جهته قال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومسؤولها في لبنان يوسف أحمد: إن الجبهة عبّرت في السابق عن ملاحظاتها وتحفظاتها بشأن الإجراءات الأخيرة التي تتخذها وكالة "أونروا" وآلية تطبيقها، موضحاً أن الجبهة ناقشت هذه الملاحظات بشكل مفصّل في العديد من البيانات واللقاءات السابقة مع إدارة الوكالة.
وأكد أحمد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، على ضرورة إزالة الهواجس والقلق الذي يعيشه قطاع واسع من اللاجئين الفلسطينيين حيال هذه الخطوات، مضيفاً: "نستغرب طرح هذه الإجراءات في هذا التوقيت الحساس، في ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان وانشغال اللاجئين بتأمين احتياجاتهم الأساسية للصمود، الأولوية يجب أن تكون توفير الإغاثة والمساعدة للاجئين والنازحين، خاصة في ظل تقصير الأونروا وضعف دورها الواضح في تلبية الاحتياجات العاجلة." حسب قوله.
وأشار أحمد إلى أن خطة الطوارئ التي اعتمدتها "أونروا" أثبتت قصورها، سواء في دعم النازحين داخل مراكز الإيواء أو خارجها، مضيفاً أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للاجئين الفلسطينيين نتيجة الحرب والعدوان زاد من معاناتهم.
وأردف: "لم يعد مقبولاً استمرار تجاهل احتياجات اللاجئين، خاصة مع توقف الأعمال وتفاقم الأزمات. على الأونروا أن تعيد ترتيب أولوياتها بعيداً عن الإجراءات الإدارية الحالية."
ودعا أحمد إدارة الوكالة إلى التركيز على الجهود التي يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً، مشدداً على أهمية تفعيل وتطوير الاتصالات مع الدول المانحة للحصول على التمويل اللازم، وتنفيذ خطة طوارئ صحية وإغاثية فعالة تخفف من معاناة اللاجئين والنازحين، وتلبّي احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، الدواء، والخدمات الطبية.
وفيما يتعلق بدور إدارة "أونروا"، قال أحمد: المطلوب اليوم هو جهود مضاعفة من قبل مسؤولي الوكالة، خاصة المفوض العام ومديرة الوكالة في لبنان، لمواجهة تداعيات العدوان "الإسرائيلي" وتأثيراته على اللاجئين الفلسطينيي، مضيفاً: "يجب أن يكون التركيز على توفير الغذاء، وضمان استمرارية التعليم، تحسين خدمات الاستشفاء، وإعادة فتح العيادات المغلقة."
انتقادات لآلية التحقق الرقمي
من جانبه، جهاد محمد، مسؤول ملف "أونروا" في حركة الجهاد الإسلامي، عبّر هواجسه تجاه القرار، واصفاً إياه بأنه "منفصل" عن الواقع المأساوي الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في هذه الظروف الصعبة.
ويشرح محمد في حديث لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعانون من ظروف استثنائية جعلت الالتزام بإجراءات معقدة، كعملية التحقق الرقمي، مهمة شبه مستحيلة.
وتابع: "في ظل النزوح القسري نتيجة القصف، اضطر كثيرون إلى ترك منازلهم دون أن يتمكنوا من حمل أوراقهم الثبوتية، ما يجعل من الصعب إثبات هوياتهم أو وضعهم كلاجئين"، مضيفاً: "الكثير من اللاجئين تركوا خلفهم سجلاتهم العائلية وهوياتهم، ما يعقد عملية التحقق الرقمي ويجعلها عبئاً إضافياً بدلاً من أن تكون أداة تسهيل."
وأشار إلى تحدِ آخر يواجه اللاجئين هو اشتراط "أونروا" موقع الإقامة باستخدام تقنيات رقمية مثل الـGPS، وهي تقنية قد تكون بعيدة المنال للكثيرين، خصوصاً في ظل الانقطاع المستمر للخدمات الأساسية كالكهرباء والاتصالات.
وأضاف: أنّ ما يزيد من تعقيد الأمر أن عدداً كبيراً من اللاجئين اضطر للسفر خارج لبنان مؤقتاً بحثاً عن الأمان، مما يجعل إتمام الإجراءات في الوقت المحدد أمراً مستحيلاً بالنسبة لهم.
لكن محمد يرى أن المشكلة لا تقتصر على التحديات التقنية فقط، بل تمتد إلى توقيت العملية الذي وصفه بغير المناسب إطلاقاً. في وقت يكافح فيه اللاجئون للبقاء على قيد الحياة وسط تصعيد عسكري ونقص حاد في الموارد، يضيف محمد: "اللاجئون الآن بحاجة إلى دعم إنساني عاجل وليس إلى إجراءات بيروقراطية تزيد من معاناتهم. ما يحتاجونه هو الغذاء، المأوى، والرعاية الصحية، وليس ضغوطاً نفسية إضافية."
وينتقد محمد تحديد مهلة زمنية لإنجاز العملية، مشيراً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى استبعاد البعض من قاعدة بيانات الأونروا بسبب ظروفهم الطارئة، ويقول: "الخوف الحقيقي هو أن يُحرم هؤلاء اللاجئون من الدعم الذي هم في أمسّ الحاجة إليه نتيجة هذه التعقيدات."